التزكية تخلية وتحلية

|

هكذا هي التزكية، شق فيه تخلية، وشق يشمل التحلية. التزكية هي النماء والزيادة والتطهير من الدنيا، والتقليل من الخبث والشرور والسوء.

والتزكية لا تكون إلا للأمور الحسنة، يدخل فيها كل الأقوال والأفعال التي تصل بالإنسان إلى مراضي الله عز وجل، والتزكية تشمل شق مجاهدة النفس، وبذلك هي لا تتوقف إلا عندما يموت الإنسان.

كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء بتزكية النفس. عن زيد بن أرقم: كان رسول الله ﷺ يقول: “اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها” رواه مسلم. فحريٌ بنا أن نكثر نحن من هذا الدعاء.

كما أن التزكية هي غاية من الغايات التي بُعِث لها النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد قال الله تعالى:

{لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ إِذۡ بَعَثَ فِیهِمۡ رَسُولࣰا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ یَتۡلُوا۟ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتِهِۦ وَیُزَكِّیهِمۡ}. 

النبي صلى الله عليه وسلم يدلنا على الأشياء التي تجعلنا نتزكى، على الطرق التي نزكي بها أنفسنا وليس هو من يفعل التزكية لنا، فقد قال الله عز وجل:

{بَلِ ٱللَّهُ یُزَكِّی مَن یَشَاۤءُ}.

فالله الله في الدعاء، ولتعلم أنك لن تصل إلا به سبحانه وتعالى، وضع نصب عينيك: {إِیَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِیَّاكَ نَسۡتَعِینُ}، وبهما تتخلص من أكبر وأخطر أمراض القلب هم الكبر والرياء.

لماذا التحلية يسبقها تخلية؟
في طريقك وأنت تزكي نفسك، تتبع خُطى النبي وهو يزكي أصحابه؛ فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بتخليص أصحابه من أدران الجاهلية، وبدأ يكلمهم عن الجنة والنار والساعة، وعندما أصبح القلب متهيئاً للتحلية قال لهم صلوا واتركوا الخمر.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (إنَّما نَزَلَ أوَّلَ ما نَزَلَ منه سُورَةٌ مِنَ المُفَصَّلِ، فِيهَا ذِكْرُ الجَنَّةِ والنَّارِ، حتَّى إذَا ثَابَ النَّاسُ إلى الإسْلَامِ نَزَلَ الحَلَالُ والحَرَامُ، ولو نَزَلَ أوَّلَ شَيءٍ: لا تَشْرَبُوا الخَمْرَ، لَقالوا: لا نَدَعُ الخَمْرَ أبَدًا، ولو نَزَلَ: لا تَزْنُوا، لَقالوا: لا نَدَعُ الزِّنَا أبَدًا، لقَدْ نَزَلَ بمَكَّةَ علَى مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وإنِّي لَجَارِيَةٌ ألْعَبُ: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر: 46]، وما نَزَلَتْ سُورَةُ البَقَرَةِ والنِّسَاءِ إلَّا وأَنَا عِنْدَهُ).

فَابْدأ في تطهير قلبك من الشرك، والرياء، وحب الدنيا، والهوى، والحسد، والكبر، والشح، والغرور، وكل أمراضه؛ مستعيناً على ذلك كله بالله عز وجل؛ فهذه أمراض والله عز وجل هو طبيبك الوحيد.

ثم اشرع في تحلية نفسك بالفضائل والطيبات والعمل الصالح والإيمان، ولتصل بنفسك إلى منازل المخلصين. وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: “اتَّقِ اللهَ حيثُما كنتَ، وأتبِعِ السَّيِّئةَ الحسَنةَ تَمْحُهَا، وخالِقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسنٍ”؛ فهذه من التحلية.

فعليك بمجاهدة نفسك وإصلاحها، ومداومة مراقبة الله عز وجل، وتذكُّر الموت وقصر الأمل، وترك المحرمات والدعاء بأن يجعل الله عز وجل نظرك للآخرة ويشد أزر قلبك لها، وتتبع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في كيفية تربية أصحابه صلى الله عليه وسلم على التزكية، ولتدرك أن الشر كل الشر إنما هو في نفسٍ خاب صاحبها فدسّاها.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة