صادفت في طريقي يوماً عش عصفور، نظرت إليه عن قرب وتمعنت تفاصيله، أذهلني دقة صنعه وجمال شكله وحبكة غزله. تفاصيل مذهلة تجعل اللسان تلقائياً يسبح الله عز وجل الذي علّم هذا العصفور الصغير كل تلك الدقة والمهارة والجمال، فلا تجد ما تعبر به عما يجول في قلبك غير قول الله عز وجل: {الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى}.
لو أنك راقبت يوماً بطة ترقد على بيضها، ورأيت تلك التفاصيل الدقيقة لعنايتها به؛ ستذهلك كل تلك العظمة التي أودعها فيها خالقها سبحانه وتعالى، بداية من تغطية البيض بريشها لتواريه عن أعين المتربصين إن قامت من عليه، وحفاظها على درجة حرارته ألا تزيد ولا تقل، وتقليبها إياه، إلى إخراجها ما علمت أنه فسد من بين باقي البيض.
تفاصيل غاية في العظمة توصلك لدرجة عالية من التعجب والذهول، فلا تجد نفسك حينها إلا متمتماً بالتسبيح اعترافاً ببديع صنع الله عز وجل وعظمته، فتجد لسانك يلهج بقول الله عز وجل: {الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى}.
دعك من هذه وتلك. هل رأيك نخلة يوماً نمت بجانب جدار؟ هل راقبت نموها وانحناءاتها؟ ستذهلك، فهي حقا مذهلة، حين تجدها قد مالت حتى توسع لنفسها مجالاً لينمو فيه جريدها، حتى إذا طالت وتجاوزت ذاك الجدار؛ تجد أنها عادت لمسارها الصحيح السابق. آية من آيات الله عز وجل شاهدة على عظمة ودقة خلقه وصنعه؛ فلا تملك حينها بعد التسبيح إلا أن تردد: {الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى}.
تجلس تتأمل في دقائق كل شيء حولك، فتوقن أن هذا كما قال الله عز وجل:
{صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)}.
تجد أنك متشبع بقول الله عز وجل:
{هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (11)}.
الكون لا يخلو من آيات مذهلة غاية في العظمة والدقة، آيات تتحدث عن خالقها وبارئها، آيات تدلك على الله عز وجل وتغمرك باليقين، تجعلك تشفق على كل أعمى لم يبصر آيات الله عز وجل، أو تسخر ممن عطل عقله فلم يستطع رؤيتها أو فهمها فأنكرها.
آيات الله عز وجل لا تنتهي، ولا تتوقف لحظة عن إبهارنا، ففي كل شيء حولك آية لم تتفكر فيها؛ فحجبت عن نفسك رؤية ذاك الجمال والعظمة، وحرمت نفسك من صادق التسبيح والذكر الذي تجده يفيض من قلبك فيجري على لسانك منساباً حال رؤية ذاك الإبداع.
حرمت نفسك من خير كثير حين مررت على آيات الله عز وجل في خلقه دون توقف وتأمل، دون رؤية وعبرة، حرمت نفسك من يقين وسكينة تغمر قلبك حين تبصر آيات الله عز وجل؛ فالتفكر والتدبر في خلق الله عز وجل من نعيم الدنيا صدقاً دون مبالغة.