كلمة تجعل القلب ينتفض؛ فذاك هو النداء الذائع حين يموت شاب عندنا، صارت كلمة دورية، فموت الشباب بات ملفتاً جداً؛ لكثرته وتتابعه، ليس في الواقع فقط؛ فما أن تلج صفحات المواقع إلا وتجد الخبر تلو الآخر عن شباب قد قضوا نحبهم.
شباب جميعهم كانوا مقبلين على الحياة؛ فذاك تخرج لتوه، وهذا قد التحق بالكلية التي يحلم، وهذه قد خُطبت منذ فترة وجيزة، وذاك كان ينتظر مولوده الأول، وأحدهم خرج لعمله مقبلاً على الحياة يخطط لمستقبله ويرسم أيامه وأحلامه، لم يعلم أنه سيعود محمولاً إلى قبره. جميعهم كان يحظى بيوم عادي، غارق في آماله، منشغلاً بدنياه، لعله لم يجل بخاطره أبداً أن تكون نهايته بذاك القرب.
العجيب أن لا أحد منا يتعظ! ربما سار الشاب في جنازة صديقه مذهولاً غير مصدق، مصدوماً من الحق والحقيقة التي لطالما حجب عينه عن رؤيتها وعقله عن التفكير فيها وقلبه عن الاتعاظ بها ونفسه عن الاستعداد لها؛ فيأتي موت ذاك الصديق أو القريب أو الجار أو حتى أحد رواد مواقع التواصل ليصفعها في وجهه، أن ذلك هو اليقين الذي لا شك فيه والحق الذي لا ريب فيه والطريق الذي سيسلكه الجميع والمصير الذي سيلقونه شاءوا أم أبوا، لا مفر منه؛ فماذا أعددت له؟ وأين زادك الذي ستحمله معك؟
ومع هذا تجد أن الغفلة وطول الأمل هما المسيطران على عقولنا، يحجبان تلك الحقيقة، كما قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: (ما رأيت يقيناً أشبه بالشك من يقين الناس بالموت ثم لا يستعدون له)، هذا فعلاً هو أدق توصيف لحالنا.
استيقظ واستدرك واحمد الله عز وجل أن أمهلك بعض الوقت لهذا الاستدراك، وقت يكفيك لتوبة إن عقدت العزم والنية صادقاً مخبتاً منيباً إلى ربك، أمهلك ربك وقتاً، هناك تحت التراب من يتمنى لو ساعة منه.
كل يوم ترتد إليك نفسك وتعود إليك روحك، هو كنز عظيم وفضل جزيل من الله البر الكريم سبحانه، فلا تطل مسافات البعد وأوقات الإدبار؛ فلا تدري لعل الدور عليك أوشك، فتترك كل ما تخطط له وتهجر كل ما تسعى له وآمالك وأحلامك والدنيا وما حوت.
سترحل كما رحلوا؛ لكن يمكنك من الآن إعلان التوبة بينك وبين خالقك، والعزم على الالتفات للآخرة بعض الشيء وحزم بعض الزاد، عله ينفعك.