بذور النور

نزرع بذور النور

ممتع الحديث مع الصغار والتنقيب في أفكارهم والغوص في مكنونات نفوسهم، مبهجة لمعة عيونهم عند الاندماج مع الحديث، وقراءة تفاصيل حديثك على صفحات وجوههم ومشاهدة تأثيره على قسماته. ملهم الحديث معهم حيث الفطرة التي لم تدنس بصورة كبيرة بعد، والبراءة التي تلمسها بيديك.

لا أنسى ذلك الصغير الذي اقترب مني في مكان عام متوجساً؛ فبدأت بمشاكسته بلطف ثم تطور الأمر إلى حوار مثمر جداً، لا أنسى اتكاء وجهه على راحة يده وهو يدعوني للاسترسال في الحديث قائلاً: أكملي، بالله عليك حديثني أكثر عن الله. تفاجأت من الطلب؛ بل من الرجاء في عينيه الذي لامس عمق قلبي وودت لو لم تنته جلستنا. أشفقت على ذاك القلب الظمآن لمعرفة ربه، ولم يرتو ببضع دقائق لم تكمل الثلاثين، تلك الاعتدالة في جلسته التي ظننتها دليل ملل، ولم تكن سوى اتكائة من يطلب المزيد؛ فانشطر قلبي حين لم تسعفني الظروف أن يطول الحديث.

ولم أنس تلك الصغيرة التي انبهرت حين حدثتها عن الجنة وما فيها، وأرادت تكرار الحديث؛ ولكن هيهات؛ فهي لا تعرفني ولا أعرفها، وربما لن نلتقي ثانية في الدنيا، وإنما كانت تلك مجرد ومضات أردت أن ألقيها في قلبها عل الله عز وجل ينير لها بها طرقاً كانت لا تراها في مقتبل أيامها.

ولن أنسى ذلك الصغير الذي قال لي: سأحكي لأخي الصغير ما حدثتني به عن النار؛ لكي لا يكذب ثانية، فأنا أخشى عليه منها.
وكيف أنساه وقد قال لي جملة لا تنسى: (الله يحبني أكثر حتى من أمي، وأنا أحبه أكثر من كل الدنيا)؟ بل كيف أنسى ذاك المد الذي أوجده في كلمة “كل” وهو غير موجود؛ ليعبر عن مدى حبه لله، ذلك حينما رددت عليه أنك وأخوك صغيران ولن يعذبكما الله عز وجل على ذنوبكما، ولكن لا تكذبا حتى لا تعتادا حين تكبران، وتُحسب عليكما السيئات؟ انبهر حينها وفطن أن الله عز وجل يحبه أكثر من الجميع؛ فالجميع يغضب منه حين يخطئ والله عز وجل لا يغضب منه ولن يحاسبه.

تلك القلوب الرقراقة العذبة، تلك القلوب العطشى لمعرفة ربها، تلك الفطر النقية التي تبحث عمن يحدثها عن الله عز وجل؛ فتهيم في الحديث الذي يبذر في القلب بذور من نور تبحث عمن يرعاها ويسقيها لتفيض إيماناً ويقيناً وخُلُقاً بإذن ربها.

أيها الآباء، لا تضيعوا من تعولوا، ولتعلموا أن أعظم تضييع لرعيتكم، هو تضييع دينهم وإهماله؛ بتركهم هملاً لا يعرفون حقاً من باطل.

ويا كل إنسان يمكنه أن يغرس بذور النور تلك ولو في قلب طفل واحد، لن أقول لك إلا كما قال رسول الله صلى الله عليه: “إنْ قامَتِ السَّاعةُ وفي يدِ أحدِكُم فَسيلةٌ فإنِ استَطاعَ أن لا تَقومَ حتَّى يغرِسَها فلْيغرِسْها”؛ فإياك أن تترك قلب طفل تعلق بك بوراً دون غرس من هدى وأنت تحمل الفسيلة في يدك، فلربما كان هو صدقتك الجارية وعملك الصالح ببذرة واحدة غرستها في نفسه.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة