إن من طبيعة الإنسان أنه يميل إلى من يُشابهه في الديانة والأخلاق والطباع، وكلما كان التشابه والتماثل أقوى كان الميول أعظم، وكانت المحبة أكبر والود أصدق.
فالكريم ينفر من البخيل، والعاقل ينفر من الأحمق، والرفيق ينفر من العنيف، والمستقيم ينفر من المنحرف، والحليم ينفر من الغضوب. ومن أشدّ ما يضايق الزوج العاقل أن يرى في زوجته خلقًا يُضادّ خلقًا كريمًا زيّنه الله به. فإذا كان الزوج مثلاً: كريمًا رشيدًا كره أن يرى في زوجته بخلا وتقتيرًا، أو إسرافاً وتبذيراً. وإذا كان رفيقًا ليّنًا كره أن يرى فيها عنفًا وغلظة تجاهه أو تجاه أولاده أو غيرهم. وإذا كان حليمًا كره أن يرى فيها حدةَ الغضب الذي يشين جمالها، ويعكر عليه صفْو حبّه ومَعِين ودّه لها. وإذا كان محافظًا على شعائر دينه كره أن يرى فيها تهاونًا وتفريطا تجاه شعائر دينها. وإذا كان مستشعرًا لأمانةِ رعاية الأولاد باذلًا جهده في تربيتهم كره أن يراها فاقدةً لذلك، مقصّرة فيه مع حثّه لها. وإذا كان الزوج ممن يعتمد على نفسه غالبًا في قضاء شؤونه كره أن يرى زوجته متَّكئِة عليه في كل شؤونها، بل يسرّه أن يراها قيادية تدير شؤونها وشؤون بيتها وأولادها بكل ثقة، وتسوسهم بالحكمة والحزم.
إذن؛ فالمرأة العاقلة الموفَّقة تنظر في أخلاق زوجها الحسنة وطباعه الجميلة فتسعى جاهدة للتحلي بها، وتُسابق الزمن إلى التخلّق بها، قاصدةً بذلك مرضاة ربها أولا محتسبة الأجر في ذلك، ثم متلمّسة مرضاة زوجها، وسعادةَ ذريتها وصلاح شؤونها، ولهذا الأمر العظيم نتيجة حتمية بتوفيق الله وهي أنها سترى عجبًا. سترى كيف ينجذب إليها زوجها، ويحنو عليها، ويقترب منها، حتى يجد الراحة والطمأنينة والسكن عندها.
ولذلك تشكو بعض الزوجات من نفور أزوجهن منهن وقلة حبّهم لهن وانعدام المشاعر الإيجابية تجاههن، ولو تأمَّلت كلّ شاكية في كيفية سلوكها مع زوجها لربما كان من أعظم الأسباب عدم تخلّقها بمكارم الأخلاق التي يتحلّى بها زوجها. وأحبّ الناس إلى الله – ولله المثلى الأعلى – من اتصف بالصفات التي يتصف بها الله ولا تختصّ به وحده سبحانه وتعالى، بل صفته سبحانه وتعالى تليق بعظمته وجلاله، وصفة المخلوق تناسب إنسانيته وضعفه. فمثلًا: الله تعالى رفيق يحبّ من اتصف بصفة الرفق من عباده، وكريم يحب من اتصف بصفة الكرم من عباده، وحليم يحبّ من اتصف بصفة الحلم من عباده، وحييّ يحبّ من اتصف بصفة الحياء من عباده.
وأما الصفات التي يختص بها الله العظيم وحده سبحانه لا يجوز للمخلوق أن يتّصف بها؛ لأن الله لا يحبُ أن يتصف بها أحد سواه، كالكبر مثلًا، فهذه صفة خاصة بالخالق العظيم سبحانه دون المخلوق الضعيف. ولو تأملنا مثلًا في أحبّ الناس إلى رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وأعظم الأمة منزلة بعد رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم؛ لوجدناه أبا بكر الصديق رضي الله عنه، ولو تأملنا قليلًا في صفات أبي بكر الصديق رضي الله عنه لوجدناه أعظم الناس تخلقًا بالصفات التي يحبّها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو أرسخ الأمة إيمانًا، وأعظمهم يقينًا، وأكثرهم رفقًا، وأوسعهم رحمة، وأكملهم انقيادًا واتباعًا، وأكرمهم عطاءً، وأعظمهم توكلًا، وأشجعهم في المواقف العصيبة ونحو ذلك.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر، إنه سميع قريب مجيب. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
د. أحمد بن ناصر الطيار