حرث الآخرة

|

حرث الآخرة

ذوو النظرة المادية والمنطلقون في دروب الحياة بخطوات مادية طاغية، المتوكلون على عقولهم وفهمهم وعلمهم، المنشغلون بتحصيل الدنيا، والمنشغلون بأنفسهم وحظوظها عن الله عز وجل؛ محرومون.

محرومون من إدراك معانٍ عظيمة جداً، واستصحابها في مسيرهم؛ فتدفع عنهم كثيراً من مشاق الطريق، معانٍ مثل البركة، التوفيق، معية الله، ‏تدبير الله؛ بل المعنى الأهم والأعظم: ولاية الله. ومن ثم محرومون من السكينة، وراحة البال، والسلام النفسي، والهدوء والتخفف من صخب وضوضاء الحياة.

هذه الأمور لا يستشعرها ولا يدركها فضلاً عن أن يفوز بها؛ إلا من كان همه رضا الله، من يتحسس خطواته أفي رضا الله أم سخطه، من يصدق مع الله ومن يخلص لله، ومن يحسن صدق التوكل على الله عز وجل.

قال ابن القيم رحمه الله: (من اشتغل بالله عن نفسه، كفاه الله مؤونة نفسه، ومن اشتغل بالله عن الناس، كفاه الله مؤونة الناس. ومن اشتغل بنفسه عن الله، وكله الله إلى نفسه، ومن اشتغل بالناس عن الله، وكله الله إليهم).

تأمل هذا الحديث، عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صل الله عليه وسلم قال: “من كانتِ الآخرةُ هَمَّهُ جعلَ اللَّهُ غناهُ في قلبِهِ وجمعَ لَه شملَهُ وأتتهُ الدُّنيا وَهيَ راغمةٌ، ومن كانتِ الدُّنيا همَّهُ جعلَ اللَّهُ فقرَهُ بينَ عينيهِ وفرَّقَ عليهِ شملَهُ، ولم يأتِهِ منَ الدُّنيا إلَّا ما قُدِّرَ لَهُ” صحيح الترمذي.

وفي حديث آخر عن النبي صلى الله عليه، “تلا رسولُ اللهِ مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ الآية قال: يقولُ اللهُ: ابنَ آدمَ! تفرَّغْ لعبادتي، أملأْ صدرَك غِنًي، وأَسُدَّ فقرَك، وإلا تفعلْ، ملأتُ صدرَك شُغلًا ولم أَسُدَّ فقرَك” رواه أبو هريرة رضي الله عنه، وأخرجه الترمذي، وابن ماجه، وأحمد مختصراً، والحاكم باختلاف يسير.

جاء في شرح هذا الحديث:
“”تفرَّغْ لعِبادتي”، والمُرادُ من التفرُّغِ للعِبادَةِ: إيثارُها على حُظوظِ الدُّنيا، والإتيانُ بما أَمَرَ به منها، فلا تُلْهيهِ عن ذِكْرِ اللهِ، لا أنَّه لا يَفعَلُ إلَّا العِبادَةَ، بل لا يَنشغِلُ عن ربِّهِ، فيكُونُ في كلِّ أحوالِهِ وأعمالِهِ في طاعتِه، فلا تُلْهِيهِ تِجارةٌ أو بيعٌ عن ذِكرِ اللهِ وفَرائضِهِ.

ثمَّ بيَّن سُبحانَه وتَعالى ما يُعطيهِ لفاعِلِ ذلك: “أَمْلأْ صَدْرَكَ غِنًى” والمُرادُ بالغِنى: غِنى النَّفْسِ والرِّضا بما قَسَمهُ اللهُ، ويحصلُ في قلبِهِ قَناعَةٌ تامَّةٌ، “وأَسُدَّ فَقْرَكَ” والمُرادُ أنَّه لا يَبْقى للفَقْرِ ضَرَرٌ، بل يُغْنيهِ اللهُ في نَفْسِهِ، ويُبارِكُ له في القليلِ من مالِه، “وإلَّا تَفْعَلْ” يعني: وإنْ لم تفْعَلْ ما أَمَرْتُك به من التَّفرُّغِ للطاعَةِ والعِبادَةِ، وآثَرْتَ الدُّنيا على الآخِرةِ “مَلأْتُ صَدْرَكَ شُغْلًا”، أي: كثَّرْتُ شُغْلَكَ بالدُّنيا، فظَلَلْتَ مُنشغِلًا بغَيرِ العِبادةِ، مُقبِلًا على الدُّنيا وأعمالِها وأشغالِها، ولا يَزالُ قَلْبُك غيرَ راضٍ “ولم أَسُدَّ فَقْرَكَ” فتُنزَعُ البَرَكةُ من مالِكَ، ويَبْقى القَلْبُ مُتلهِّفًا على الدُّنيا غيرَ بالِغٍ منها أمَلَهُ، فيَحرِمُكَ اللهُ مِن ثَوابِهِ وفَضلِهِ، وتَزيدُ تعَبًا في الدُّنيا دونَ شُعورٍ بالغِنى”.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة