قال تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ۖ ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ۖ وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين}. (النور)
لما كان من مقاصد الشريعة حفظ العرض وحفظ النسل جاء فيها تحريم الزنى، بل وسدت الشريعة جميع الذرائع والطرق الموصلة إليه بالأمر بالحجاب وغض البصر وتحريم الخلوة بالأجنبية وغير ذلك.
فالزنى من أفحش الذنوب، ومن أكبر الكبائر التي تجلب غضب الله.وخصوصا في عصرنا حيث فتح كل باب إلى الفاحشة، وسهل الشيطان الطريق بمكره ومكر أوليائه، واتبعه العصاة والفجرة ففشا التبرج والسفور وعم انفلات البصر والنظر المحرم، وانتشر الاختلاط، وراجت مجلات الخنا وأفلام الفحش وكثر السفر إلى بلاد الفجور، وقام سوق تجارة الدعارة، وكثر انتهاك الأعراض، وازداد عدد أولاد الحرام وحالات قتل الأجنة.
ولذلك نهى الله تعالى عن مقاربته، ومخالطة أسبابه ودواعيه، قال تعالى:
{ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا}. (الإسراء:32)
قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: “يقول تعالى ناهيا عباده عن الزنى، وعن مقاربته، وهو مخالطة أسبابه ودواعيه: ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة أي: ذنبا عظيما: وساء سبيلا أي: وبئس طريقا ومسلكا”.
والزاني المحصن يعاقب بأشنع عقوبة وأشدها، وهي رجمه بالحجارة حتى يموت ليذوق وبال أمره وليتألم كل جزء من جسده كما استمتع به في الحرام،
والزاني الذي لم يسبق له الوطء في نكاح صحيح يجلد بأكثر عدد في الجلد ورد في الحدود الشرعية وهو مائة جلدة، مع ما يحصل له من الفضيحة بشهادة طائفة من المؤمنين لعذابه والخزي بإبعاده عن بلده وتغريبه عن مكان الجريمة عاماً كاملاً.
وعذاب الزناة والزواني في البرزخ أنهم يكونون في تنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يوقد تحته نار يكونون فيه عراة، فإذا أوقدت عليهم النار صاحوا وارتفعوا حتى يكادوا أن يخرجوا فإذا أخمدت رجعوا فيها وهكذا يفعل بهم إلى قيام الساعة.
قال ابن القيم -رحمه الله- في روضة المحبين: “فأما سبيل الزنى؛ فأسوأ سبيل، ومقيل أهلها في الجحيم شر مقيل، ومستقر أرواحهم في البرزخ في تنور من نار، يأتيهم لهبها من تحتهم، فإذا أتاهم اللهب ضجوا وارتفعوا، ثم يعودون إلى موضعهم، فهم هكذا إلى يوم القيامة،
كما رآهم النبي في منامه، ورؤيا الأنبياء وحي، لا شك فيها، ويكفي في قبح الزنى أن الله سبحانه وتعالى -مع كمال رحمته- شرع فيه أفحش القتلات، وأصعبها، وأفضحها، وأمر أن يشهد عباده المؤمنون تعذيب فاعله”.
ويزداد الأمر قبحا إذا كان الرجل مستمرًا في الزنا مع تقدمه في السن وقربه من القبر وإمهال الله له،
فعن أبي هريرة مرفوعا: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زانٍ وملك كذاب وعائل مستكبر) رواه مسلم ۱۰۲/ ۱-۱۰۳.
ومن شر المكاسب مهر البغي وهو ما تأخذه مقابل الزنا، والزانية التي تسعى بفرجها محرومة من إجابة الدعوة عندما تفتح أبواب السماء في نصف الليل.
وليست الحاجة والفقر عذرا شرعيا مطلقا لانتهاك حدود الله بفرجها. لكن من سعة رحمة الله، وعظيم كرمه أن من تاب توبة صادقة، فإن الله يقبل توبته، ويعفو عنه، بل إن الله يفرح بتوبة العبد، ويحب التوابين، ويبدل سيئاتهم حسنات، قال تعالى:
{والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما} (الفرقان 68 - 70).