ولما ثقلت السنة على بعض الناس وخالفت أهواءهم أرادوا من منطلق الانسحاب النفسي وإراحة أنفسهم بزعمهم أن يكون لهم رمزٌ يعبرون به عن محبتهم هذه المزعومة دون أن يتمسكوا بالسنة الثقيلة على أنفسهم،
وتداخلت قضية الابتداع بالدين، مع شيء من الرغبات النفسية المنحرفة، مع شيءٍ من التشبه بالنصارى، مع شيءٍ من مكائد الباطنية الذين كانوا في بعض بلاد المسلمين وأرادوا إلهاء المسلمين بمناسبات ابتدعوها،
تداخلت هذه الأمور لتولد في القرن السادس أو السابع الهجري بدعة وهي بدعة الاحتفال بمولده ﷺ، فجاءت هذه البدعة لتغطي على تقصير أولئك في السنة بزعمهم، ولكي تريحهم شيئًا ما نفسيًا من تقصيرهم طوال العام بهذه الحفلة التي يعملونها،
كما يعمل الكفار اليوم في عيد الأم فيقذفون على أمهاتهم بهدية في يومٍ في السنة وهم يعقونها بقية العام ويريحون ضمائرهم بزعمهم بعيد الأم ثم يعصونها ويهجرونها بقية العام فلا يتذكرونها إلا في ذلك اليوم يوم الأم وعيد الأم كما يزعمون.
وهكذا قام المبتدعة في المسلمين بإحياء هذه الاحتفالات نتيجة لهذه العوامل المتداخلة، وخرجوا علينا بأن هذا الاحتفال عبادة يعظمون به النبي ﷺ.
لكن أيهم أشد تعظيمًا للنبي أهؤلاء أم أصحابه؟
هل احتفلوا إذًا بمولده أصحابه؟
ولماذا لم يحتفلوا بما هو أعظم كالبعثة والهجرة؟
أليست البعثة والهجرة مناسبتين أعظم من المولد؛ لأن التغيير الذي ترتب على البعثة والهجرة في التاريخ أشد بل لا يقارن بالتغيير الذي حصل بمجرد مولده، بل إنك لا تكاد تجد تغييرًا واضحًا بمجرد مولده، لكنك تجد التغيير بهجرته وبعثته، فلماذا إذًا جعلوها في مولده بالذات؟!
لما احتفل النصارى بميلاد عيسى واتبع هؤلاء ملة النصارى في هذه القضية مصداقًا لما أخبر به ﷺ: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة). وأقام هؤلاء الموالد واحتجوا بأن أكثر المسلمين يفعلونها، فمتى كانت الأكثرية دليلًا على الحق؟
وقد قال الله -عز وجل-:
﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنعام:١١٦]
وقالوا: نحيي ذكراه، فنقول: هو حيٌ في قلوب المؤمنين الصادقين على مدار العام، فكل يومٍ يذكرونه ويصلون عليه، ويسمعونه في النداء، وقد قرن الله اسمه باسمه في الأذان للصلاة:
﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ [الشرح:٤]
وهكذا يحيون سنته ويروون أحاديثه يوميًا، فمتى كان جعل يومًا في السنة مغنيًا؟ ومتى كان إحداث هذا العيد دليلًا على المحبة؟ إذا كانت المحبة واجبة في جميع أيام السنة. وإذا نظرنا فلم نجد في أصحاب النبي -عليه الصلاة السلام- ولا في السلف من فعل ذلك وإنما هي على أحسن الحالات استحسانات قام بها بعض الجهلة.
عباد الله: لا شك أن معرفة سيرة النبي ﷺ أمرٌ مهمٌ جدًا، ولكن لماذا تخصيص قراءة السيرة في هذا اليوم بالذات يوم المولد؟! أليس الصادق في المحبة يقرأ سيرته ويتداول سيرته على مدار العام ﷺ؟!
إذًا ينبغي أن تكون الذكرى حية على مدار العام وليس أن تحصر في يوم من أيام العام.
مفاسد الاحتفال بالمولد
لقد صار الاحتفال بالمولد فيه من المفاسد الأمور العظيمة، ومن ذلك ما يرتزق به تجار الحلوى، ومؤجرو الألعاب والملاهي، والباعة الجوالون، والقصاصون والمداحون.
وأخيرًا الراقصون والراقصات، والمغنون والمغنيات يرتزقون كذلك بإقامة الحفلات الغنائية، وربما أحيانًا بالمجان صدقة لأجل المولد ومشاركة بالأغاني والمعاصي والمحرمات مشاركة وهبة لأجل المولد، وأتيحت الفرصة أمام الفساق والفجار وصارت التعمية على بعض المهرجانات والممارسات المعادية للدين الحق.
إن نابليون -أيها الإخوة- قد أمر بإقامة الاحتفال بالمولد وأعطى شيخًا ثلاثمائة ريال فرنسي وأمره بتعليق الزينات وحضر حفل المولد من أوله إلى آخره، وكشف أحد مؤرخي مصر وهو عبد الرحمن الرافعي حيلة نابليون وقال عن ذلك:
“إنه يريد أن يعلن للعالم الإسلامي أنه صديق للإسلام والمسلمين خدعة وكذبًا ليتوصل من وراء احتلاله إلى توطيد أركان ذلك الاحتلال بين المسلمين، ودغدغة عواطفهم، هكذا إذًا يشارك حتى الكفرة في هذه القضية ويعلنونها ويشجعون عليها ويحضرونها وينشرونها ويطالبون بها”.
فالسنة السنة يا عباد الله، والحرص الحرص على توحيد الله، وكذلك المتابعة للنبي ﷺ.
اللهم اجعلنا من أهل سنتك، واجعلنا ممن يحب صاحبها ويقدم محبته على كل بشر إنك سميع مجيب.
-محمد المنجد