أزعُمُ أنَّ مِنَ المعايير التي أرَاها مُبيِّنةً لاستِقامَةِ الدِّين والخُلق والسُّلوك، ومِن الأصول العظِيمة التي تحفَظ على المُسلِم دينَه وتصُونه عن تأثِير الانحرافَات والشُّبهات والانجِرَاف في زمَن التَّحديات؛ أن يكونَ العَبد وقافًا عند حدودِ الله وشَريعتِه، مُلتزِمًا بأمرِه ونَهيِه، ناهِجًا كتابَ ربِّه وسُنَّتِه دستورًا لحِياتِه.
وقافًا عِندَ حُدودِ الله -عزَّ وجَل- وشَرعِهِ انقِيادًا وخضوعًا واستِسلامًا لعُبُودِيَّتِه، هذا حرَام وهذا حلال خوفًا وإجلالًا وتَعظِيمًا لمَولاه؛ فلو صَحَّت هَذِه المعاني فِيه؛ لأتَى مَا سِوَاهَا -بإذنِ الله- تِبَاعًا.
وقافًا، مُستسلِمًا لأمر ربِّه ورسُوله -صلى الله عليه وسلم-، يعتقِدُ أن كُل ما جاءَ في الوحي هوَ الحَقُّ والعَدل والعَقل، وفيهِ كل ما يُحقِّق مصلحَة البَشريَّة في دِينهِم ودُنياهُم.
وقافًا، لا يعبُد ربَّهُ -سُبحـانَه- بالهوَى ولا الابتِداع، يُقدَّم نصُوص الشَّريعَة على رأيِه وهوَاه وعلى ما تَرغبُه نفسُه إن خالفَت ومالَت عن أمرِ مَولاه.
وقافًا، رجَّاعًا، إذا ذُكِّر؛ تَذكَّر، وإذا خالَفَ؛ هَامَ وهروَلَ بالخوفِ والرُّجوع والتَّوبَة إلى ربِّه -سُبحانَه-.
على إثرِ ذلكَ، أذكُر موقِفًا حدَث تأثَّرتُ كثيرًا به، ووَقفَت نفسِي عندَه، وهو أنّا كُنَّا مُجتمِعاتٍ كصُحبَة نتبَادَل أطرافَ الحدِيث، وكُل مِنَّا تسأل الأخرَى سُؤالًا؛ فأتى السؤال على إحدَى الصديقات وهو: ما الأمر الذِي يجعلكِ ترتبِكين أو تقِفين انقيادًا لذلكَ الشيء؟
فأجابَت: (إذا كنتُ أتحاوَر مع أحَد في أمرٍ أو حُكم ورَدَّنِي بدَليلٍ من الكِتَـاب والسُّنة، هُنا حقًّا سمِعنَا وأطعنَا).
سُبحان الله! وقَفتُ عندَ هذه الإجابَة وأقول كيفَ هذا حالُها وهي مُعظَّمَة للآيَةِ والحدِيث؟
للأسَف، نرَى الكثِير ممن حَولنَا إذا تعرَّضت للنقاش معهُ عن حُكمٍ شَرعِيِّ في مسألةٍ ما، وتذكُر له الدليل مِن الكتاب والسُّنةِ صريحًا، أو تذكر دلالتِه من التفسِير أو أقوَال أهلِ العلم مما لا يَدعُ مجالًا للشَّك؛ ترَاه يردُّ غيرَ آبِهٍ مُقتنعًا برأيِهِ ويقول: لكن كذا وكذا أو هذا ليسَ صحيح! فيا لَلعجَب واللَّه!
هُنـا تعلَم من مُعظِّم لربِّه في قلبِه ويُريدُ وصولًا للحَق، وبينَ من يُجادِل برأيِهِ وهوَاه فقط.
ومِمَّـا يُعينُ على ذلك، أن يُزكِّي الإنسان نفسَه، ويتعلِّمُ عقيدَتهُ الصَّحِيحة، ويتَعرَّف على ربِّه وأسمائِه وصِفاتِه، ويُقوِّي حِبال الصَّلَة بينَهُ وبَين الرب -جلَّ وعَلا-، ويرتبِط بالقُرآن ارتِبَاطًا وثِيقًا؛ تِلاوَةً وحِفظًا وعمَلًا بِأحكامِه، ويستَنَّ بِسُّنةٍ نبِيِّه -صلى اللَّـه عليه وسلم- الذي قال ولا قولَ بعدَ قوله: “تركتُ فِيكُم ما إن تَمسَّكتُم بِه لن تضِلُّوا بعدِي أبدًا، كتابَ الله وسُنَّتي”.
لا خيرَ، ولا صلاحَ، ولا فلاحَ، ولا توفِيقَ في الحَيْد والزِّيغ عن أمر الله -عزوجل- وأمر رسوله والابتِعادِ عن نُصوص الشِّريعَة الحقَّة، وهذا ما يَودُّه أعداءُ الإسلام من الغرب والعلمَانيّين، ويرَونَه مَدخلًا لتجرِيد الأُمَّة الإسلاميَّةِ مِن ثَوبِ الشَّريعَة ونهجُها الذي فيه إقامَةُ حياتِها، وصلاحُها دُنيَا ودِين، وبِه استقامَة كل أمورها.
فَتمسَّك بكِتابِك وسُنَّتِك، وكُن وقَّافًا، واستقِم كمَا أُمرتَ لا كمَا أردت؛ تجِد كُل خير وصلاح.
نسألُ الله أن يُقيمَنا على شَريعتِه، وأن يجعلنَا مِن الذين يستمِعونَ القَولَ فيتِّبعونَ أحسنَهُ، آمين.