بوّابةُ شَرٍّ

|

بوّابةُ شَرٍّ

تفتحُ المقاطع المرئيّة في العالم الأرزق وغيره، فتستفتحُ -مثلاً- بطبّاخٍ يصنع (معمولًا)؛ فتشاهده، ويليه مشهدًا مُبكيًا من مسلسلٍ ملوّثٍ؛ فتتابعه، وفتاةً فاتنةً عاريةً تنجلي لك في المقطع الآخر؛ فتنظر لها بملء عينيك؛ وعليه ففي محلّ (الفيديو) سُجّل عندهم ما أعجبك؛ فصاروا يضعون لك وصفة حلويّات أخرى، ومشهدًا قذرًا هذه المرّة، وسلعات عاريات أكثر وقاحة من السابقة.

كُلّنا على ما أظنّ يعلم ذلك؛ ولكن يختلف تعاملنا مع هذا المدخَل. منّا مَن تحوم حمى المرئيّات حوله؛ فيجاهد نفسَه ألّا يفتحها؛ لأنّه يضعُ خشية‌ اللهِ بين عينينه، ويدري إن فتح مقطعًا؛ سَهُل عليه فتح الآخر، ونازعته لهفةً لمعرفة قصّة المقطع الأوّل، ولن يقصّروا معه، سيغمروا حيّزَ المرئيّات بألفِ الحكاية إلى يائها، وسيعجَبُ من لقطاتٍ طالحة فيما بعد، مع أنّ البداية (واقعيّة) ليست بهذا السوء كانت! فاختار أن يتّقي الله ويوصد الباب بإحكام بوجه تلك المرئيّات مستبرئًا لدينه.

ومنّا من يرتع في حمى المرئيّات ويتنقّل من مقطعٍ إلى مقطع وكلّ واحدٍ أسفل من أخيه، دون أن يكترثَ لشيء، لا للوقت الذي ضاع منه، ولا لنفسه الذي تغذّت بالتّافه والتّافِر، ولا للذنوب التي لطّخته ودسّته!

فيا إخوان، افقهوا مواطن ضعفكم ولا تنكروها، إن كُنت تعلم أنّك لن تقاوم عنوان المقطع الجذّاب، فالغِ هذه الميّزة من عندك إن كان بالإمكان أو لا تدخل عليها من الأساس، أو استخدموا مؤشّر البحث في البحث عن مقاطع طيّبة، فإن حضرتَ مقطعًا للقارئ ماهر المعيقلي مثلاً سيظهر لك المزيد من تلاواته، وكذا موعظة للشيخ الفلاني وأنشودة للمنشد العلّاني؛ فسيزدحم هذا الحيّز بالخير، وستقل جدا نسبة المقاطع الرديئة، وتأنف أنتَ بعدها بسبب اعتيادك على مشاهدة الطيّب أن تنظر للعكر. قال ابن عمر: (إنّي لأُحِبّ أن أدع بيني وبين الحرام سترة حلال لا أخرقها).

أمّا الذي أذنب بإطلاق بصره وإرخاء سمعه، أما آن أن تتوب؟ أما تعبت؟ أجزم أنّ بعد قضائك ساعات طويلة على هذه المرئيّات تُصاب بالإحباط والاكتئاب. حسنًا، ما دامت روحك في جسدك، لا زالت الفرصة الثمينة بيدك، فرصة الندم على ما سلف منك، والعزم على ترك هذه الدناءات، وعدم الرجوع إليها، والأوبة إلى الله وطلب العفو والمغفرة والإعانة والتثبيت منه؛ فسارع قبل أن تبعث على ما أنت عليه، ولا تيأس فلكلّ داءٍ دواء، فنقِّب عن الدواء.

وصيتي: لا تشقّوا الباب ولو قليلاً -بخدعة الشيطان- أن نريد فقط أن نعلم كيف ماتت حبيبته وسنخرج منه مباشرةً، أو كيف كانت ردّة فعل فلان بعد المقلب الكوميديّ فحسب، أو نظرة واحدة من أجل الفضول لا غير لمعرفة لون عيون المائلة المميلة، أو…
إيّاكم فإنّ “أصعب الحرام أوله، ثم يسهل، ثم يستساغ، ثم يؤلف، ثم يحلو، ثم يطبع على القلب، ثم يبحث القلب عن حرام آخر”.

افهم يا فتى: الاستهانة بهذا الباب يودي بك إلى بلاوٍ كثيرة كالقفز إلى الإباحيّات مثلًا!
ويحك لا تفتحه إنّك إن تفتحه تلجه.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة