ألا فلا تتخذوا القبور مساجد

|

للشرك بالله تعالى أنواع كثيرة، ووسائل متعددة من أهمها وأعظمها مما هو منتشر في بعض البلدان الإسلامية وهو تعظيم القبور وبناء المساجد عليها، ودعاء أهلها من دون الله، واتخاذهم شفعاء عند الله، والتقرب إليهم: بالنذر، والذبح، والصدقة، والدعاء، ونحو ذلك، من أنواع العبادة التي من صرفها لغير الله تعالى فقد أشرك،

بغض النظر عن صاحب القبر أو الضريح، سواء أكان نبيا مرسلا أو وليا صالحا، لأن الله عز وجل يقول:

 ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجن: ١٨]،
وقال سبحانه: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾، وقال سبحانه: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾،

والنصوص في هذا كثيرة جدا كلها تؤكد على وجوب كون العبادة خالصة لله تعالى وحده لا شريك له من الأنبياء أو غيرهم،

يقول الشيخ عبد العزيز بن باز: “كل من دعا غير الله أو استغاث به أو نذر له أو ذبح له أو صرف له شيئا من العبادة فقد اتخذه ندا لله سواء كان نبيا أو وليا أو ملكا أو جنيا أو صنما أو غير ذلك من المخلوقات”.

وهذا المظهر العظيم من مظاهر الشرك – اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد – حذر الرسول ﷺ أمته منه وشدد في ذلك، حتى لعن ﷺ فاعله، وبين ﷺ أن ذلك من عقائد اليهود والنصارى المحرفة والباطلة،

وفي ذلك تقول عائشة -رضي الله عنها- : قال رسول الله ﷺ في مرضه الذي لم يقم منه: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، قالت: (فلولا ذاك أبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا)،

وعنها قالت: لما كان مرض النبي ﷺ تذاكر بعض نسائه كنيسة بأرض الحبشة، يقال لها: مارية – وقد كانت أم سلمة وأم حبيبة قد أتتا أرض الحبشة – فذكرتا من حسنها وتصاويرها، قالت: فرفع النبي ﷺ رأسه فقال: (أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا، ثم صوروا تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة).

وعن جندب بن عبد الله البجلي أنه سمع النبي ﷺ قبل أن يموت بخمس وهو يقول: (قد كان لي فيكم إخوة وأصدقاء، وإني أبرأ إلى الله أن يكون لي فيكم خليل، وإن الله -عز وجل- قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاهم عن ذلك).

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ (اللهم لا تجعل قبري وثنا، لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد).

وما نهى النبي ﷺ عن هذا الأمر إلا لكونه يخلف ضررا ومفاسد كثيرة وجليلة، علمها من علمها وجهلها من جهلها،

وقد تحدث الإمام ابن القيم عن المفاسد والمخالفات الكثيرة التي توجد وتقع عن اتخاذ القبور مساجد والمغالاة فيها، ومما ذكره في ذلك: تعظيم هذه القبور في القلوب والنفوس مما يوقع الفتنة بها، واتخاذ زيارتها عيدا في أوقات محددة في الزمان، وشد الرحال إليها،

والتشبه بعُباد الأصنام بما يفعل عندها: من العكوف عندها، ومجاورتها، ووجود السدنة حولها، وصرف النذر وتقديمه لهذه القبور وأصحابها، واعتقاد المتقربين إلى هذه القبور بكونها تعين على دفع الضر وجلب النفع، ويطلبون منها النصر على الأعداء، وتفريج الكرب، وقضاء الحوائج،

ولا شك أن كل هذا وما شابهه مخالف لهدي النبي ﷺ وطريقته، وقد توعد الله عز وجل المخالفين له بقوله تعالى:

﴿فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: ٦٣]،

واتخاذ القبور مساجد يعني: بناء المساجد عليها، والسجود إليها، واستقبالها بالصلاة والدعاء، وكل ما فيه تعظيم لها.

ويوضح شيخ الإسلام ابن تيمية “أن نهيه صلى الله عن اتخاذ القبور مساجد يتضمن النهي عن بناء المساجد عليها، وعن قصد الصلاة عندها، وكلاهما منهي عنه باتفاق العلماء، فإنهم قد نهوا عن بناء المساجد على القبور، بل صرحوا بتحريم ذلك …، واتفقوا على أنه لا يشرع قصد الصلاة والدعاء عند القبور …، وقد صرح كثير منهم بتحريم ذلك، بل وببطلان الصلاة إذا كان ذلك حالها”.

ويقول أيضا “اتفق الأئمة أنه لا يبنى مسجد على قبر، لأن النبي ﷺ قال: (إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك)،

وأنه لا يجوز دفن ميت في مسجد، فإن كان المسجد قبل الدفن غيِّر، إما بتسوية القبر، وإما بنبشه إن كان جديدا، وإن كان المسجد بني بعد القبر، فإن أن يزال المسجد، وإما أن تزال صورة القبر، فالمسجد الذي على القبر لا يصلى فيه فرض ولا نفل، فإنه منهي عنه”.

ويقول أيضا: “ويحرم الإسراج على القبور، واتخاذ المساجد عليها، وبينها، ويتعين إزالتها، ولا أعلم فيه خلافا بين العلماء المعروفين”.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة