كثير ما ألاحظ الصراع بين الهوى وبين ما يجب فعله.
تارةً أنجح وتارةً أفشل، وعندما أتأمل في مرات النجاح أجد العامل المشترك فيها جميعاً -بعد توفيق الله- يكمن في “مجاهدة النفس”. ذلك المعنى القيّم، الأصيل، الذي لا أتخيل شكل الحياة بدونه كيف ستكون.
ومجاهدة النفس هي محاولات التمسك بالصواب عندما يباغتنا الهوى، أو الشيطان بإغراءاته ووسوسته؛ بهدف الانحناء عن السير في الطريق الصحيح.
ثمرات المجاهدة متعددة:
- أولاً: مصدر مهم للحسنات؛ لأنها تتسبب في تأخير زمن حدوث المعصية، وربما منعها تماماً! وكل ما يصارع وساوس الشيطان من محاولات ركل بعيداً إلى أبعدِ مكان، هي محاولات يحبها الله، كل الثواني والدقائق التي تمر على هذا الحال؛ ستُكتب عند الله بالخير.
- ثانياً: دليل على إثبات حبي لله وانتمائي -من قلبي- لدينه؛ لأنه أمرنا بها وقال: {فَأَمَّا مَن طَغَىٰ (37) وَءَاثَرَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا (38) فَإِنَّ ٱلۡجَحِيمَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ (39) وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ (40) فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ (41)} [النازعات]، وهذا شرف ما بعده شرف، فإن أحبّك الله؛ فأنت فزت بكل شيء!
- ثالثاً: لا يوجد تحقيق إنجاز عظيم دون المجاهدة، فمثلاً؛ أثناء العمل الجاد في أي شيء يوسوس لك الشيطان بأن لا أحد يقدّر قيمة التعب الذي يمر بك؛ لذا فلتترك واجباتك وتتفرغ للتسلية بحجة أن الحياةَ قصيرة، وقال الله في كتابه الكريم: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات]. وتحقيق الإنجازات يحتاج إلى الصبر، والصبر يحتاج المجاهدة.
- رابعاً: كلما كانت المجاهدة أكبر، كلما قويت الشخصية ضد الباطل وأصبحت منضبطة، فبدونها نحن كالريشة نطير في كل الاتجاهات بِفِعلِ الأهواء.
- خامساً: من أجمل ثمراتها التمسك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث أننا -مجتمعياً- نعتاد الخجل من النصح منعاً للاستهزاء والسخرية؛ لكن بالمجاهدة نقاوم الخوف من الناس؛ لأننا نخشى رب الناس. فلا نرضى لأنفسنا رؤية انتهاك حدود الله والوقوف في صف المتفرجين. من ناحية نكتسب قوة الشخصية ومن ناحية أخرى نكون سبباً في تغيير الباطل، ولفت نظر الناس إلى إمكانية النصح، والجميل أن كل من رآك تنصح وسلك نفس طريقك سيكون في ميزان حسناتك.
- سادساً: بتوطين النفس على المجاهدة نستطيع الدخول في عدة مهام في يومٍ واحد؛ لأننا لن نرضى بضياع الوقت ونعلم جيداً أن الدقائق التي مرت لن تعود أبداً، وسنُسأل عنها.
وسائل معينة على المجاهدة:
- ١- الدعاء والتضرع إلى الله؛ فلن يغير حالك سواه.
- ٢- كتابة مهام اليوم على الورق وبعد إنهاء اثنين أو ثلاثة -حتى لو كانت مهام بسيطة/خفيفة- نعطي أنفسنا مكافأة؛ فتكون النتيجة تحبيب النفس للأنشطة والإنجاز.
- ومن الأمثلة على المكافآت: مشروب دافئ نحبه، سماع درس تزكية لترقيق القلب، قراءة عدة صفحات من كتاب ثمين الفائدة، لطيف الأسلوب، التمشية في مكان هادئ، مكالمة هاتفية مع شخص نحب قربه، تلوين رسومات،….
- ٣- من الوسائل أيضاً، تذكير أنفسنا بأن مجاهدة النفس والشيطان طريق الصالحين؛ فالأنبياء واجهوا الكثير من المتاعب وعناد الكفار فقط لأجل تبليغهم الرسالة، ورغم ذلك جاهَدوا طويلاً لأجل إعلاء كلمة الله.
- ٤- الاطلاع على نماذج لأشخاص نجحوا في تحقيق إنجازات في حياتهم، وتَشَرُّبِ الفوائد من سيرتهم.
وختاماً، أريد أن أقول بصوتٍ عالٍ: أن بدون المجاهدة نحنُ في مهَبّ الريح!
بقلم: نداء حروف