أيُوَاجَهُ الإرجافُ بالإرجافِ؟

|

الإرجاف

عودنا أهل الإرجاف على البغي، دائماً ما نراهم يقتطعون لقطة واحدة من صورة كبرى، ويبدأون بالتركيز عليها عن قرب شديد أقرب فأقرب، حتى تتوه معالم الصورة تماماً وتتشوش ويضيع سياقها في خضم ذاك الإفك المبين.

يستعملون حقاً باجتزاء واجتراء وتعالم، وأحياناً بخبث؛ ليرضوا غروراً وكبراً وجهلاً وصلفاً وجلفاً بدواخلهم المريضة، وهذا إن أحسنا بهم الظن؛ وإلا فإيقاد الفتن هي النتيجة المباشرة والمنتظرة من مثل تلك الأفعال.

يأخذ صاحبنا مثلاً حق الزوج على زوجته، ويبدأ به حديثه وتنظيره وهو حق لا مرية فيه، ثم يبدأ بتقريب الصورة أكثر فأكثر فأكثر، حتى يصل إلى خلاصة أو يوصل المتابع إلى خلاصة، أن المرأة أصلاً كائن ناقص عالة ليس له قيمة ومثله كمثل الحيوان لا فارق بينهما، ثم يبدأ باقتطاع الأقوال واجتزاء النصوص وتأويل المعاني، حتى يوصل المتابع ذات القناعة، وإن قلت له اتق الله، فأنت بذلك تكره الشرع وتعاديه وويل لك ثم ويل، ويحيلك على حق الزوج على زوجته مثلاً لتصمت.

ولو وسع ذلك الجاهل زاوية نظره قليلاً؛ لرأى حق الأم على الرجل مثلاً، فهي أعظم الناس حقاً، وهي امرأة؛ بل لو تمعن في كثير من الآثار والأخبار والأحاديث؛ لعلم أن للأم حق لا يضاهيه أحد، فإذا كانت علاقة الزواج مثلاً يمكن انتهاؤها بما يسقط حق ذاك الرجل على امرأته؛ فعلاقة الأم بابنها لا يمكن إنهاؤها أبداً، ولعلها تصل لبعد الموت.

تأمل مثلاً قصة جريج العابد، ذاك العابد الزاهد المتبتل، وانظر كيف أن غضبة واحدة لأمه أودت به في دهاليز فتنة شديدة، في مقابل أويس القرني رضي الله عنه، وليس المراد هنا المفاضلة بالطبع؛ بل الاستشهاد بموقف واحد ثم النتائج المترتبة عليه.

فهذا جريج الذي دعت أمه عليه دعوة لعدم استجابته لندائها، بالرغم أنه كان يصلي، فتحققت دعوة أمه بألا يموت حتى يقع في شراك المومسات، بالرغم من أنه كان بريئاً تقياً نقياً رحمه الله.

وذاك أويس القرني الذي لم يلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم، لمكثه مع أمه وبره بها؛ فاستوجب تزكية النبي صلى الله عليه وسلم له كما أورد الإمام مسلم في صحيحه:
(كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه إِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ سَأَلَهُمْ: أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ فَقَالَ: أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ لَكَ وَالِدَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ، مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ”).

فضلاً عن الأحاديث الكثيرة العظيمة في حق الأم تحديداً. كل هذا وغيره يدل على أن المرأة ليست كالحيوانات كما يدعي أولئك الفسدة، وليست درجة ثانية وليست عالة على الرجال بلا أية فائدة.

عن عائشة رضي الله عنها، قالت: يا رسول الله من أعظم الناس حقا على المرأة؟ قال: “زوجها” قالت: من أعظم الناس حقاً على الرجل؟ قال: “أمه”.

فاتقوا الله عز وجل فيما تلفظون وفيما تنشرون بين الناس، فكم من مسكينة فُتنت بالغلو والغلو المقابل، وكم من بلاء عم وانتشر بسبب الجهل المتفشي والتعالم، وكم ممن أصابها السقم حقيقة لا مجازاً بسبب شبهات تلقى عليها ليل نهار من هنا وهناك!

يا من فتنت بفصال بعض الجهال وتأليهم على الله عز وجل، لدرجة أن يقولوا هل المرأة تستحق دخول الجنة أم لا، دعك من هؤلاء السفهاء الجهلاء، ألا يكفيك قول رب العزة تبارك وتعالى:

{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)} سورة التوبة.

نعم، جنس الرجال مفضل على جنس النساء بما فضلهم به العليم الحكيم الوهاب سبحانه، وهذه حكمة الله عز وجل الذي لا يسأل عما يفعل. ما يهمك هو بلوغ الجنة في النهاية؛ فلا تنشغلي إلا بها ولا تلتفتي عنها.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة