قد ينكر بعض متابعي الأنمي التأثير السلبي الشنيع للأنميات عليهم؛ رغم وضوحه جليًا، ووجود أمثلة علىٰ ذل
ويقولون: لن نتأثر بالأنمي وسلبياتها، نتابع للتسلية فقط!
في الحقيقة؛ إن الأنمي قوة ناعمة؛ موجهة ضدك بإحكام وثيق؛ إذ تعمل علىٰ استئصال عقيدتك شيئًا فشيئًا دون أن تشعر، ثم تشبع قلبك وعقلك بالعقائد الشركية الفاسدة، والتي قد تنكرها وترفضها في أول الأمر، ثم تجد نفسك تتقبلها يومًا بعد يوم، حتىٰ تصبح أمورًا عادية ومتقبَّلَة، وقد تصبح -للبعض- محبوبة!
فأنت حتىٰ وإن أقنعت نفسك أنك لا تؤمن بها، ولا ترضىٰ بما يقولون، وأنك تعظم الله- إلا أن مشاهدتك لهذه الأعمال إقرار منك بها!
فهل ترضىٰ -مثلًا- الجلوس بمجلس فيه إساءة أدب مع الله سبحانه؟
قطعًا لا؛ فكيف ترضىٰ إذًا بمشاهدة هذه الأعمال؟
يساعدك علىٰ فهم آلية حدوث التأثر في الأنمي فرضيتين:
- الأولىٰ تسمىٰ (تأثير التعرض المحض Mere- exposure effect) التي يطلق عليها أيضًا: (مبدأ الألفة)..
وهي فرضيّة تبحث في علم النفس الاجتماعي، وتنص علىٰ أنه كلما زاد تعرض الأشخاص إلىٰ فكرة أو صورة معيّنة- ستتحوّل هذه الفكرة أو الصورة -بالنسبة لهم- إلىٰ قضية مألوفة ومحبّبة؛ حتىٰ لو كانت تمثل قضية يرفضونها سابقًا! - أما الفرضية الأخرىٰ؛ فقد اقترحها العالم “روبرت زايونك” وهي: فرضية الأسبقية العاطفية، أي أنّ الأحكام العاطفية يمكن أن تتم من دون عمليات إدراكية مسبقة؛ بمعنىٰ أن الناس غالبًا يميلون للأشياء التي يتعرضون إليها بوحي من مشاعرهم، وليس بوحي من تفكيرهم؛ فيكون ميلهم تجاه أمر ما ناتج عن الألفة، وليس بسبب تفكير منطقي، وعندئذ قد ينقلب دور التفكير إلىٰ مجرد البحث عن المبررات لذلك الميل فقط! 1
وإذا أسقطنا هاتين الفرضيتين علىٰ الأفكار العقدية الخبيثة؛ التي يروج لها الأنمي- تبين لنا كيف تنسل إلىٰ النفوس والعقول؛ فتقلب مبادئها ونظرتها للأمور رأسًا علىٰ عقب!
ولنأخذ مثالًا علىٰ ذلك؛ أحد متابعي الأنمي؛ وهو “محمد النعامي”، مؤسس فريق “Ai show”؛ وهي قناة يوتيوبية لتحليل الأنمي- تخطىٰ عدد متابعيها -حاليًا- المليون.
كان محمد أحد طلاب الشريعة، إلا أنه قد ظهر في أحد البودكاستات يصرح بأنه مؤمن بطاقة الجذب 2، وهي من الشرك بربوبية الله؛ لأنَّ الرُّبوبية أنَّ الله يخلق ما يريد، لكن هؤلاء جعلوا لله أندادًا خلقوا كخلقه، ويجذبون ما شاءوا، ويأمرون الكون، والكون يُنفِّذ؛ فهذا اعتقادهم في قانون الجذب،
وقد قال سبحانه: ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾2
[البقرة، الآية ٢٢]
والأمثلة علىٰ تأثير هذه الفواسق في إيمان المتابعين- كثيرة، ولنا في قصص التائبين منها عبرة!
وتأثير هذه العقائد والأفكار المدسوسة في الأنمي خطير جدًا علىٰ عقيدة المسلم؛ إذ تدفعه للاعتقاد بمحوريته في الحياة، ويصبح محور اهتماماته مصلحته الخاصة؛ فيُروّض كل شيء تبعًا لذلك..
الطرح في الأنمي يعمل علىٰ تشويه الفطرة بشكل أساسي، وتبديل الأدوار بين الرجل والمرأة؛ إذ يتشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال؛ في المظهر، وطريقة الكلام، والسلوك، واللباس..
ففي بعض الأنميات، نرىٰ البطل/البطلة، ماتت أمه؛ فتحوّل الأب لأم بديلة، ولكن هل يقوم بمهام الأم لتعويض النقص الحاصل علىٰ الابن بشكل طبيعي؟
قطعًا لا، بل نجده يتحول إلىٰ مخنث؛ يرتدي ملابس النساء، ويُطيل شعره، ويتصرف كالنساء، مثل أنمي “نادي أوران للضيافة”، وشخصية “سايجو” من أنمي “جينتاما”.
ونرىٰ في أنمي “ون بيس” مثلًا؛ المشهور جدًا في العالم العربي، والذي قامت سبيستون بدبلجته- المرأة تغلب عليها الصفات الرجولية، مثل القوة البدنية التي تكون مقاربة لقوة الرجل، بل وأكبر! وتتولىٰ مهام الرجال، ولها سلوك رجولي!
نرىٰ الأمر ذاته في شخصية “ميكاسا” من أنمي “هجوم العمالقة”..
وهذه الأمور تشمئز منها الأنفس صاحبة الفطرة السوية، ولا بد!
إذ كيف لرجل أن يرتدي جوارب نسائية، وحذاء ذا كعب عالي نسائي، أو فستان مع تسريحة شعر نسائية؛ أو كيف لامرأة أن تكون ذات هيئة رجولية؛ في الملامح، والجسد، وطريقة الكلام!
ولا يخفىٰ علىٰ متابع الأنمي -وغيره- الحيرة التي نشعر بها عند رؤيتنا لصورة شخصية ما؛ فللوهلة الأولىٰ نحتار أهذا رجل أم امرأة!
ومن المُسَلَّم به أن نجد المتابعين للأنمي متقبلين لهذه الشخصيات، ولا تثير في نفوسهم النفور (الطبيعي جدًا) من مثل هذه الأشكال المشوهة!
فإن بحثنا عن السبب؛ نجد أن صناع الأنمي يعملون -أولًا- بشكل خبيث علىٰ تعليق المشاهد بالأنمي نفسه، ثم بالشخصية المخالفة للفطرة، والشاذة عن الطبيعي؛ بظهورها بشكل تدريجي.
كما يلبسونها حلة من الفكاهة والمرح؛ بغرض تحبيبها للمشاهد، وإذا طبقنا فرضية الأسبقية العاطفية نستطيع أن نفسر الأمر..
ومع كثرة التعرض لمثل هذه الصور، يصبح الأمر مقبولًا لدىٰ المتابعين، ومن ثم محببًا؛ وذلك تبعا للنظرية الأولىٰ (تأثير التعرض المحض Mere- exposure effect)
وقد يصل الأمر بمتابعي الأنمي إلىٰ تقليد شخصياته في الكلام والنظر، أو حتىٰ المشي، كما ذكرنا في مقالات سابقة، أو ينظر للحياة من منظور شخصيته المفضلة؛ فيتعامل معها بلا مبالاة، أو بغير اكتراث، أو المبالغة في الحزن، والفرح، والغضب؛ كما حركات الجسد، أو تقمص دور تلك الشخصيات فعليًا، مثل “الكوسبلاي” مع عدم مراعاته توافق هذه الشخصية مع دينه ومبادئه أم عدمها..
والطامة الكبرىٰ هي ظهور التميع والتخنث لدىٰ الكثيرين من الشباب، وبالعكس؛ الاسترجال لدىٰ الإناث؛ تأثرًا بطرح الأنمي المماثل، وهذا في حد ذاتها مصيبة؛ إذ تشبه النساء بالرجال، وكذا الرجال بالنساء حرام، بل كبيرة من كبائر الذنوب..
روىٰ أحمد، والترمذي، وأبو داود، وابن ماجه؛ عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال:
“لعن رسول الله -صلىٰ الله عليه وسلم- المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء.”
فقلت: “ما المترجلات من النساء؟” قال: «المتشبهات من النساء بالرجال.»
وعنْ أَبي هُريْرةَ -رضي الله عنه- قَالَ:
“لَعنَ رسُولُ اللَّه ﷺ الرَّجُلَ يلْبسُ لِبْسةَ المرْأةِ، والمرْأةَ تَلْبسُ لِبْسةَ الرَّجُلِ”
[رواه أَبُو داود بإسنادٍ صحيحٍ.]
ونرى جليًا دعوة الأنمي، وترويجها للثقافة الغربية، وتهاوي الأخلاق والمبادئ؛ العربية والإسلامية؛ إذ تروج لسلوكيات تعاكس قيمنا الإسلامية السامية؛ فتجدها تعظم من المصلحة الشخصية للفرد بشكل عام، وتمجد الذات؛ إذ نجد بعض أطروحات الأنمي المُستهدفة للمراهقين مثل: (ناروتو، ودراجون بول، وون بيس) تركز علىٰ أن الثقة بالنفس وتقدير الذات يحقق المستحيل؛ إذ يظهر البطل عاجزًا في أول الأمر، ثم يتمكن من التغلب علىٰ أي شيء، وينتصر في آخر المطاف؛ مع مفهوم غياب التوكل، بل يوهمك بأن النجاح يبدأ منك أنت وحدك، ومع سعيك من أجل هدفك تصل إليه!
تأخذك هذه الصورة بعيدًا عن أنك في الأصل هنا في هذه الدنيا عبدًا لله؛ لا تصل لأي نجاح سوىٰ بتوفيقه عز وجل، ولا تخرج من أزمة إلا بكرمه، ويبتليك ربك؛ لتلجأ إليه وتستعين به،
وقد قال عز وجل:
﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ۚ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [يونس: 107]
وقد ورد في الحديث في مسند الإمام أحمد؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلىٰ الله عليه وسلم قال:
“من لم يسأل الله يغضب عليه”
[إسناده حسن].
كما أن هذه الأفكار التي تدفع الإنسان لاعتقاده بمحوريته في الحياة، ويكون محور اهتمامه مصلحته الخاصة؛ لدرجة ترويض كل شيء تبعًا لذلك، حتىٰ إيمانه بتعاليم دينه، وكل هذا من أجل هواه ومصلحته- يتوافق مع أهداف الإنسانوية (humanity)
وقد تحدث عنها أستاذ إبراهيم السكران في كتابه “مآلات الخطاب المدني”:
“إن أنسنة العلاقات -أي جعلها قائمة علىٰ مبدأ الإنسانية؛ بصرف النظر عن الهوية والمعتقَد- تستبعد المضمون الديني في صياغة علاقتنا بالآخرين، وتطمس الأوصاف القرآنية التي ميّز الله علىٰ أساسها الناس؛ كوصف المؤمن، والمسلم، والفاسق، والكافر، والمشرك، والمنافق، وتضع هؤلاء جميعًا في مرتبة واحدة؛ بناءً علىٰ اشتراكهم في الإنسانيّة؛ ليصبح المسلم، واليهودي، والوثني سواء؛ لا فرق بينهم، طالما أنهم يعملون لسعادة الإنسانيّة والسلام البشري! بينما لا يخفى علىٰ من يقرأ القرآن حق ترتيله، نازلًا بنفسه علىٰ هوىٰ القرآن، وليس نازلًا بالقرآن علىٰ هوىٰ نفسه- أن مفردة الإنسان -بالمطلق- مذمومة في كثير من آيات القرآن إن فَقَد شرف الإيمان، ويُستثنىٰ من عموم الذم أهل الإيمان”.
ومن ذلك سورة العصر، في قسم الله ﷻ
بالزمان علىٰ خسارة الإنسان التامّة، ثم أتبعها باستثناء أهل الإيمان من هذه الخسارة؛ فقال:
﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر: 3].
وذم الله ﷻ جنس الإنسان بصفة الهلع، والجزع، والشح، ثم استثنىٰ أهل الإيمان؛ فقال:
﴿إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا* إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا* وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا* إِلَّا الْمُصَلِّينَ﴾
[المعارج: 19-22].
بل جعل الله ﷻ منزلة الكفّار دون منزلة الأنعام؛ فقال تعالىٰ:
﴿لَهُم قُلوبٌ لا يَفقَهونَ بِها وَلَهُم أَعيُنٌ لا يُبصِرونَ بِها وَلَهُم آذانٌ لا يَسمَعونَ بِها أُولـئِكَ كَالأَنعامِ بَل هُم أَضَلُّ أُولـئِكَ هُمُ الغافِلونَ﴾
[الأعراف: 179].
فكيف بعد ذلك يصح القول بأن الله كرّم الإنسان بالمطلق بصرف النظر عن هويته الدينيّة، أو قول بعضهم لا تجعلوا الرأي الشخصي يفرّق بين أبناء آدم؟ كم من الآيات القرآنية يجب أن ننتزعها من المصحف ليتناسب القرآن مع المذهب الإنسانوي؟”
كما أننا نجد في الأنمي خلط الأعمال الفاسدة بالصالحة، مع إيجاد مبرر لها؛ كقبول الإنسان باتباع أساليب منحرفة؛ للوصول لغاية محمودة، وهي صورة سلوكية؛ تندرج ضمن الثقافة الغربية، ويظهر هذا في أنمي هجوم العمالقة؛ إذ قد يصل بالأبطال أن يقوموا بأعمال دنيئة؛ تصل أحيانا للبشاعة في قتل الأبرياء، ولكن الحبكة الدرامية تبرر لهم ذلك، تحت ظل التأثير علىٰ مشاعر المتابع؛ بذكر الإيجابيات المتحققة بفعل هذه الأفعال.
كما أنها تدعو لتقبل الإنسان لنفسه ولمجتمعه؛ بعيوبه ومساؤه، دون السعي للإصلاح، وتشعره بأنه أمر طبيعي يجب تقبله، وباليأس من تغييره كما في أنمي (طوكيو غول)
وقد قال عليه الصلاة والسلام:
“احرص علىٰ ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجزنَّ”
[رواه مسلم].
وقال ﷺ في أول هذا الحديث:
“المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلىٰ الله من المؤمن الضَّعيف، وفي كلٍّ خير”
وعن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلىٰ الله عليه وسلم- قال:
“إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة؛ فإن استطاع ألا تَقوم حتىٰ يَغرِسَها؛ فليَغرِسْها”