السنة النبوية الصحيحة وحي من الله

|

السنة النبوية الصحيحة وحي من الله

من يؤمن بالقرآن الكريم حقيقة، لا بد وأن يصدّق بوجود السنة الصحيحة؛ لأن آيات القرآن الكريم أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم ليبينها ويفسرها للناس.

قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.

وبيانه كما يكون بأقواله -صلى الله عليه وسلم- كما هو ظاهر الآية، يكون بأفعاله.

قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}.

فلو كانت سنته -صلى الله عليه وسلم- وأحواله غير محفوظة فكيف سنتأسى به؟

وبفضل هذا البيان عرفنا كيفية العبادات من صلاة وصوم وزكاة وحج وأحكام المعاملات الشرعية من نكاح وبيع وغير هذا.

وهذا البيان هو وحي من الله تعالى، بنص القرآن الكريم،

 قال الله تعالى: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}. 

فمن قال إن هذا البيان لم يحفظ، فقد كذّب قول الله تعالى:

{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}

فكيف ينتفع الناس بالقرآن إذا ضاع بيانه الذي أوحاه الله تعالى إلى نبيه -صلى الله عليه وسلم- .

وإنَّ وجود أخبار في السنة غير مذكورة في آيات القرآن الكريم، هذا لا يطعن في السنة، لأنه لا يوجد دليل من القرآن الكريم، ولا من العقل السليم، يقضي بضرورة أن يكون كل ما يقوله النبي -صلى الله عليه وسلم- أو يفعله؛ ذُكر بلفظه في آيات القرآن الكريم.

ولأن الله سبحانه وتعالى لما أمر بطاعته وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- كقوله سبحانه:

 {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}. 

دل ذلك على أنه قد بيّن على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم- مالم يذكره بنصه في القرآن الكريم.

قال الشاطبي رحمه الله تعالى:
“وسائر ما قرن فيه طاعة الرسول بطاعة الله؛ فهو دال على أن طاعة الله ما أمر به ونهى عنه في كتابه، وطاعة الرسول ما أمر به ونهى عنه مما جاء به مما ليس في القرآن؛ إذ لو كان في القرآن لكان من طاعة الله.

وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ}.

فقد اختص الرسول -عليه الصلاة والسلام- بشيء يطاع فيه، وذلك (السنة) التي لم تأت في القرآن،

وقال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}. 
وقال تعالى:  {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}.

وأدلة القرآن تدل على أن كل ما جاء به الرسول، وكل ما أمر به ونهى؛ فهو لاحق في الحكم بما جاء في القرآن؛ فلا بد أن يكون زائدا عليه ” انتهى من الموافقات (4 / 321 – 322).

قال الشافعي رحمه الله تعالى:

“لم أسمع أحدا نسبه الناس، أو نسب نفسه إلى علم؛ يخالف في أن فرض الله -عز وجل- اتباع أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، والتسليم لحكمه… ” انتهى

وقال ابن حزم رحمه الله تعالى:
“لم يختلف فيه مسلمان؛ في أن ما صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قاله، ففرض اتباعه، وأنه تفسير لمراد الله تعالى في القرآن وبيان لمجمله. فإن السنة من الوحي كما قال تعالى:

 {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}.

فيشملها الحفظ الوارد في قوله تعالى: 

{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}".

وقال أيضا: “فأخبر تعالى كما قدمنا أن كلام نبيه -صلى الله عليه وسلم- كله وحي، والوحي بلا خلاف ذكر، والذكرُ محفوظ بنص القرآن. فصح بذلك أن كلامَه -صلى الله عليه وسلم- كلُّه محفوظ بحفظ الله -عز وجل- ، مضمونٌ لنا أنه لا يضيع منه شيء، إذ ما حفظ الله تعالى فهو باليقين لا سبيل إلى أن يضيع منه شيء، فهو منقول إلينا كله”.اهـ.

قال ابن تيمية: “فما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة محفوظ”. اهـ.

وقال ابن القيم: “قال تعالى آمرا لنبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يقول:

 {إن أتبع إلا ما يوحى إلي} وقال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}  وقال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم}

قالوا: فعلم أن كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الدين كله وحي من عند الله، وكل وحي من عند الله فهو ذكر أنزله الله، وقد قال تعالى:

{وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة}

فالكتاب القرآن، والحكمة السنة، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : (إني أوتيت الكتاب ومثله معه) فأخبر أنه أوتي السنة كما أوتي الكتاب، والله تعالى قد ضمن حفظ ما أوحاه إليه وأنزل عليه ليقيم به حجته على العباد إلى آخر الدهر”. اهـ

والقول بأن السنة المنقولة لا يمكن التأكد من صحتها قول باطل، فهناك قدر كبير من السنة المنقولة أجمعت الأمة على صحته وقبوله والعمل به، كجملة أحاديث الصحيحين، وإجماع الأمة حجة قاطعة.

قال ابن تيمية: “ومن الصحيح ما تلقاه بالقبول والتصديق أهل العلم بالحديث كجمهور أحاديث البخاري ومسلم؛ فإن جميع أهل العلم بالحديث يجزمون بصحة جمهور أحاديث الكتابين، وسائر الناس تبع لهم في معرفة الحديث،

فإجماع أهل العلم بالحديث على أن هذا الخبر صدق كإجماع الفقهاء على أن هذا الفعل حلال أو حرام أو واجب، وإذا أجمع أهل العلم على شيء فسائر الأمة تبع لهم؛ فإجماعهم معصوم لا يجوز أن يجمعوا على خطأ.

وأما ما اتفق العلماء على صحته فهو مثل ما اتفق عليه العلماء في الأحكام وهذا لا يكون إلا صدقا، وجمهور متون الصحيح من هذا الضرب، وعامة هذه المتون تكون مروية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من عدة وجوه رواها هذا الصاحب وهذا الصاحب من غير أن يتواطآ ومثل هذا يوجب العلم القطعي؛

فإن المحدث إذا روى حديثا طويلا سمعه، ورواه آخر ذكر أنه سمعه، وقد علم أنهما لم يتواطآ على وضعه، علم أنه صدق؛ لأنه لو لم يكن صدقا لكان كذبا إما عمدا وإما خطأ؛ فإن المحدث إذا حدث بخلاف الصدق: إما أن يكون متعمدا للكذب؛ وإما أن يكون مخطئا غالطا.

فإذا قدر أنه لم يتعمد الكذب ولم يغلط لم يكن حديثه إلا صدقا، والقصة الطويلة يمتنع في العادة أن يتفق الاثنان على وضعها من غير مواطأة منهما، وهذا يوجد كثيرا في الحديث يرويه أبو هريرة، وأبو سعيد؛ أو أبو هريرة، وعائشة؛ أو أبو هريرة، وابن عمر؛ أو ابن عباس. وقد علم أن أحدهما لم يأخذه من الآخر”. اهـ

وقال أيضا: “فلا يجوز أن يكون في نفس الأمر كذبا على الله ورسوله، وليس في الأمة من ينكره، إذ هو خلاف ما وصفهم الله تعالى به”. اهـ

ثم إن من لم يأخذ بالسنة كيف سيعبد ربه، والقرآن العظيم ليس فيه ذكر تفاصيل صفة الصلاة وشروطها، وكذلك الزكاة وبقية الشرائع، كما جاء عن الحسن أن رجلا، قال لعمران بن حصين: ما هذه الأحاديث التي تحدثوناها وتركتم القرآن؟

قال: أرأيت لو أتيت أنت وأصحابك القرآن، من أين كنت تعلم أن صلاة الظهر عدتها كذا، وصلاة العصر عدتها كذا، وحين وقتها كذا، وصلاة المغرب كذا؟ والموقف بعرفة ورمي الجمار كذا، واليد من أين تقطع أمن هاهنا أم هاهنا أم من هاهنا، ووضع يده على مفصل الكف ووضع يده عند المرفق ووضع يده عند المنكب، اتبعوا حديثنا ما حدثناكم، وإلا والله ضللتم. (أخرجه الخطيب في الكفاية)

ومن الأدلة العقلية على صحة الأحاديث التي تلقتها الأمة بالقبول ما فيها من إخبار بالمغيبات التي وقعت بعد ذلك، وهذا لا يمكن أن يكون إلا بوحي من الله، ولا مجال للاختلاق والكذب فيه.

والنبي -صلى الله على الله عليه وسلم- بعث إلى الناس كافة كما أخبر -عليه الصلاة والسلام- ، فمن زعم أنه لن يحتج بسنته لعدم ثبوتها فقد قصر رسالته وبعثته على من رآه وسمع منه -صلى الله عليه وسلم- فحسب.

وبالجملة فهذا القول بعدم ثبوت السنة في غاية الوهاء والبطلان .

وإنكار السنة يعد كفرا مخرجا من الملة لأن السنة هي المبينة للقرآن والشارحة له، بل وفيها أحكام تشريعية ليست في القرآن.
ومن كان يؤمن بالقرآن فلا بد من أن يؤمن بالسنة لأن الله تعالى يقول:

 {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}.
ويقول سبحانه وتعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله}. 
ويقول عز وجل: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون}. 

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة