جوابات لأب قلق

|

جوابات لأب قلق

يتساءل أب قلق فيقول:

ابنتي في عشرينيات عمرها، لا أنقص عنها شيئًا، وآتيها بكل ما تريد، وأقدم لها الحب والعاطفة؛ لكن مع هذا ألمس فيها رغبة بالزواج وحزنًا لأنها لم تتزوج. ألا يكفيها حبنا لها واهتمامنا بها؟

لعل هذا ينبع من مغالطات في فهم الزواج أصلًا عند كثيرين، وليس في فهم نفسية الابنة ورغباتها فحسب. إن الغاية التي تُبنى عليه الزواج هي أن تأنس النفس بنفس مثلها وتسكن إليها، قال الله جل في علاه: “ومن آياته أن جعل لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها”. جعل لكم أزواجًا؛ لتسكنوا. هذه هي غاية الزواج، وهذا مبناه، رجل وامرأة يجتمعان تحت سقف واحد، يأوي كلاهما للآخر ويسكن إليه، تهدأ نفوسهما ويكونان لباسًا لبعضهما، يعين كل منهما الآخر في جهاده، يحمل كل منهما قلب الآخر براحتيه ويعتني به بماء عينيه، ويبدد كل منهما خوف وقلق وحزن الآخر بحنانه ومودته ورحمته.

الزواج ليس مرتبط بتوفير الحاجيات الأساسية من سكن وطعام ولباس ليعتقد الأب أنّه مقصرٌ في حقّ ابنته إن آنس منها رغبةً في الزواج، هذا خاطئ تمامًا. قد لا يقدّم رجل لابنتك ما قدمته لها وما وفّرته لها طيلة أيامها معك، وقد لا يحبّها الحبّ الذي أحببته لها؛ لكن لا يزال لها حاجة لزوج من نفسها؛ يلاطفها وتلاطفه، يسكن إليها وتسكن إليه. أنت أبٌ لا غنى عنك ولا بديل، وهو زوجٌ لا غنى عنه ولا بديل، حاجتها الفطرية له لا تختفي باهتمامك بها، وهذا ليس لسوء منها ولا هو قلة أدب أو تجاوز للحد؛ بل هو من تمام سويتها ومن حسن مقصدها وأهدافها.

لكني أرفض من يتقدم لها لأنها غير جميلة، وأخشى إن رآها خاطب ورفضها أن تؤذى وتُحرج، وأيضًا أخشى أن يتزوج عليها.

حرمانك لابنتك من الزواج لأنها غير جميلة -بنظرك- فيه إثم عليك وجورٌ عليها؛ إذ إن الجمال نسبي لا يتفق الناس فيه، وقد يجد بها خاطبٌ ما لا تراه أنت فيها، فهي للرجال أنثى ولك ابنة، نظرته لها مختلفة عن نظرتك، وحاجته لها مختلفة عن حاجتك. ثم إنك لا تدري أين يجعل الله لها قبولًا وعند من؛ فلا تمنعها ذلك يا رعاك الله. بل قد يكون في ابنتك من الصلاح والخير ما يجعل الخاطب يتجاوز عن بعض من عيوبها الشكلية طمعًا فيما عندها من دين وفضل وحسن تبعل وحسن تربية وغير هذا.

بل وفي مثل هذه الحالات تتجلى أحد حكم التعدد؛ إذ يكون به إعفافٌ وسكنٌ لمسلمة لا كبير حظ لها في الجمال، ويتسنى لها من خلاله أن تكون زوجة وأمًّا؛ فلا نشدّد على أنفسنا أكثر، ولا نحرمها الزواج بقول: تبقى عندي خير من أن يتزوج عليها زوجها، وخير من أن تتزوج من معدد.

ليعدد زوجها وما البأس؟ ولتتزوج من معدد ما البأس؟ أليس ذلك خير من بقائها وحيدة متشوقة للزواج في ظل هذه الفتن التي تفتك بالناس وتهوي بهم في جرف هار؟ بل حتى الجميلة أيضًا قد يعدد زوجها، وهو له؛ لكن صار الأمر معيبًا مؤخرًا وغالى الآباء به برفض أزواج لبناتهم -وغالت البنات معهم- قد يحتمل أنهم يريدون أن يعددوا، وقد لا يحتمل؛ لكن احتياطًا، حتى لا تظهر ابنتهم بمنقصة وأنها غير كافية.

وهذا ينقلنا لتشويه صورة الأنثى التي يعدد زوجها، والتي ما جاءت إلا لما وضعت شروط للتعدد منها أن تكون الزوجة الأولى مقصرة أو سيئة أو غير جميلة؛ فصار التعدد منقصة بحق الأنثى، وصارت تُرى غير كافية وغير جيّدة، فرفض الآباء التعدد ورفضته النساء، وهذا قد حرم نساء كثر من حقّهنّ في الزواج لأجل عيب ما فيهنّ، وحرم رجال أكفاء قادرين على التعدد ومحتاجين له مما أُحِلَّ لهم. وهذا يظهر لك أيه الأب الكريم أن المشكلة في فهم الناس وليس في التعدد ولا في زواج ابنتك من معدد، وكلنا يعلم أن إرضاء الناس غاية لا تدرك، وأن كلام الناس لا يقف؛ فاعقل أمرك رعاك الله، وكن عقلًا مدبرًا لابنتك وقوّامًا راعيًا يحسن مهمته.

فيا أيها الأب الفاضل، اتقِ الله في ابنتك، لا تضيّق عليها أمر زواجها؛ فإن جاءها خاطب ترضى دينه وخلقه فلا ترفضه قبل أن ينظر إليها وتنظر إليه؛ فلعل الله ينزل القبول بينهما ويتم زواجهما على خير. نتفهم خوفك على ابنتك وحرصك عليها، نتفهم أنّك تريد لها الخير؛ لكن لا يصير هذا إعضالًا لها عن الزواج وحرمانها منه.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة