أعظم النساء قيمة

|

إن قيمة المرأة لا تكمن في مغالاة مهرها، ولا يرتفع مهرها بمستوى جمالها؛ فهي روح تبحث عن روح، لا غرض ينتظر الشراء. يقول الرافعي: (إنها لا تبايعك صفقة يدٍ بيد، إنها تُبايعك خفقةَ قلبٍ على قلب). والحقيقة التي لا يعيها الكثير، أن صداق المرأة يكون بعد الزواج لا قبله، مهرها في حسن معاملتها، في حفظها ورعايتها وإعانتها على دينها.

 المهر لا يدفع لجمال وجه وتناسق جسد كما يظن البعض، فمن عرفت قدر نفسها وأنها متكاملة بين جمال روح وحسن خلق ورزانة عقل؛ لم تقبل بمن يراها هيئة خارجية فقط. والجمال مع الكبر سرعان ما يهلك ويبلى، فإذا تزوجها لذلك؛ سينقص حبه، وتجفو مودته، أو إذا رأى من هي أجمل منها؛ ازدرى ما في يديه؛ فتكون عروس اليوم مطلقة الغد.

وأن يبحث الرجل عن من تسره إذا نظر إليها مطلوب، فقد “سُئِلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ النِّساءِ خَيرٌ؟ قال: الَّتي تَسُرُّه إذا نظَرَ إليها، وتُطيعُه إذا أمَرَ، ولا تُخالِفُه فيما يَكرَهُ في نَفْسِها، ولا في مالِه”. وقال ﷺ: “أعظمُ النساءِ بركةً أيسرُهنَّ صداقًا”. وما قلت قيمة مهر المرأة؛ إلا على ارتفاع قيمة خلقها ودينها، أما من كانت غير عاقلة وغير مسددة الرأي؛ فتأبى إلا أن يضاعف المهر لحسنها.

والصداق يدل على كرم الرجل ورغبته فيمن يتقدم لها، حتى في قليله؛ فإنه يظهر ما يبذله الرجل لأجلها، كما في الحديث “كُنَّا عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جُلُوسًا، فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ تَعْرِضُ نَفْسَهَا عليه، فَخَفَّضَ فِيهَا النَّظَرَ ورَفَعَهُ، فَلَمْ يُرِدْهَا، فَقالَ رَجُلٌ مِن أصْحَابِهِ: زَوِّجْنِيهَا يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: أعِنْدَكَ مِن شيءٍ؟ قالَ: ما عِندِي مِن شيءٍ، قالَ: ولَا خَاتَمٌ مِن حَدِيدٍ؟ قالَ: ولَا خَاتَمٌ مِن حَدِيدٍ، ولَكِنْ أشُقُّ بُرْدَتي هذِه فَأُعْطِيهَا النِّصْفَ، وآخُذُ النِّصْفَ، قالَ: لَا، هلْ معكَ مِنَ القُرْآنِ شيءٌ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: اذْهَبْ فقَدْ زَوَّجْتُكَهَا بما معكَ مِنَ القرآن”. وفي الحديث سعي الصحابي لإتمام أمر الزواج؛ فكان سيعطيها بردته فهي كل ما يملك. وفيه أن الكفاءة إنما هي بالدين لا في المال، فقد زوجه بما معه من القرآن.

 وقد قال الرسول ﷺ: “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير”. فالمشكلة أن يردُّ من هو على دين وخلق والذي سيحسن معاملتها ويعطيها حقها ولا يبخسه ويحميها ولا يسيء إليها؛ لأجل المهر، وتقبل بمن ليس هذه صفاته؛ لارتفاع المهر، فهنا الفتنة وهنا المغالطة التي يقع بها الكثير.

 وعلى الأب أن يتقي الله في ابنته ويزوجها لمن هو كفء لها، ويعرف حق المعرفة أنه على خلق ودين وأمانة؛ فيكون على دينها أميناً وعلى حقوقها أميناً وفي معاملاته أميناً، ولا يبالي بالمهر لمن وجدت هذه الصفات فيه. 

ولنا في قصة زواج ابنة سعيد بن المسيب موعظة، بعد أن أتاه رسول عبد الملك ليخطب ابنة الشيخ سعيد، للوليد ابن أمير المؤمنين، وقد رغبه في جاه ابن الأمير والمال، ورهبه بالتحدي والقتال، فلم يأبه الشيخ له، وأحسن رعاية ابنته، ولم يزوجها لمن يخاف على دينها من فتنة الدنيا، وتحرى فيما هو صلاح أمرهم. وزوجها لعبد الله بن أبي وداعة، طالب لديه كان يأخذ منه ويلزم حلقته. وكان مهرها ثلاث دراهم.

ثلاث دراهم مهر الزوجة التي أرسل ليخطبها الخليفة لولي عهده؛ فما ضن الشيخ سعيد بن المسيب -رحمه الله- على ابن أمير المؤمنين بابنته ولا أنه ليس بكفء لها؛ إنما خشي عليها فتنة الدنيا.

لذا؛ فليحرص الآباء أن يزوّجوا رعيتهم لمن يأمنوا على دنياها وآخرتها معه، ولتتأنى الفتاة في التفكير قبل أن ترفض من هو على دين وخلق لأجل المهر، وترفض من يعطها بثقلها ذهباً إن كان يسعى لها لرغبته في حسنها فقط ولا يهمه جمال الخلق والروح. فإن الجمال يبلى والجسم يشيخ، ولن يبقى معها حين تتعرج على العكازة، ويشيب شعرها، وترسم الحياة خطوطها على وجهها، ويصيب المرض جسدها؛ سوى من أحبها بمميزاتها وبعيوبها ،باختلافها بخاصتها، لمن تبحر بأعماقها واختارها لمعناها لا لشخصها؛ فهذا الزواج الذي يدوم والحب الذي لا يفنى.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة