اختاري بطانتك بعناية

|

كل إنسان يحتاج أن يُنصَح، ويطلب المشورة في بعض شؤونه، وفي هذا يتجه للأمينين وسديدي الرأي، ممن لا يغشونه ولا يحرفونه عن غايته مساره. فلما يستجدّ لك مستجدّ، وتحتارين في أمرك، أو تحتاجين توجيهًا ونصحًا؛ اختاري بعناية من تطلبين منهم النصيحة ومن يمكنك سماعها منهم.

ومفصل ذلك هو أن يكون سائرًا في نفس طريقك، يحمل نفس غاياتك، متواجدًا في المكان الذي تريدين أن تصليه. وباعتبارك مسلمة، غايتك هي إرضاء الله لتنالي محبته وجنته وتُصرَفي عن ناره، الذي ينبغي عليك طلب النصح منه، هو من يحمل نفس غايتك ويسير في نفس الطريق، أمينًا يتقي الله ويخافه، أهدافه ونظرته أخروية لا دنيوية.

أنتِ فتاة مسلمة تجاهدين للاستقامة، وعلى سبيل المثال، تقدّم لك شاب مثلك يجاهد للاستقامة باحثًا مثلك عمن تعينه في أمر دينه ودنياه، وتحتاجين لمشورة من غيرك في قبولك أو رفضك؛ فتستشيرين بهذا من تملك نفس غايتك، من ترى الزواج عبادةً لله أولًا ثم سكنًا للنفس وحفظًا لها ومن ثم محضنًا لأبناء صالحين مصلحين يعبدون الله ويحملون همّ الدين، وما سوى ذلك من مقاصد ونوايا للزواج. تستشيرين من ترى أن الماديات مهمة إلى حد ما ليتحصّل كفاف العيش والاستغناء عن طلب الناس؛ ولكن ليست مفصلًا في الزواج يرفض لأجلها خاطب ديّن خلوق يملك الكفاف لكن ليس بغنيّ.

نظرتها لطاعة الزوج، التبعل، القرار في البيت، الإنجاب، الأمومة، التربية، القيام على شأن البيت، القوامة وغيرها هي نظرة من تجاهد لترضي الله وتنفذ أمره وليست نظرة من تجاهد لتحقق ذاتها وتضخم نفسها وتتلذذ في الدنيا وزخرفها. تبحثين عمن ترين أن زواجها مستقرًا -نوعًا ما-، زوجها راضٍ عنها، أطفالها يظهر عليهم صلاحها وزوجها، سمتهم وخلقهم يظهر منه استقامتهم، وغير ذلك؛ لتطلبي منها النصح والمشورة.

وفي هذا؛ ستظهر لك المقتحمات، من تقدّم نصائحها الرنانة بلا طلب، متشدّقةً ترى نفسها ختمت الإصلاح، تشوّش عليك غايتك، وتسفّه من نظرتك، وتحاول أن تحترف في حرف بوصلتك وإمالة شراعك. فلا تسمحي لهنّ بذلك ولا تسمعي لهنّ، طالما أنهنّ لا يحملن غايتك، ولا يملكن نظرتك، ولا يعلمن ما في داخلك؛ فلا يصددنك عن خير. من لا تسير في نفس طريقك، ولا ترى من الامتثال لأمر الله وإرضائه غاية وأساسًا؛ لا تعطها سمعك ولا تعيريها انتباهك.

ستظهر –على سبيل المثال- ابنة خالة تقول: لقد أقمت عرسي على شاطئ البحر، هذا الخاطب لن يجعلك تفعلينها. وتقول ابنة الجيران: وأنا ذهبت إلى اليونان لقضاء شهر العسل، وهذا الخاطب لا يؤمن بشهر العسل، كم مرة تتزوجين لترضي بهذا. وزوجة ابن خالك تقول: وأنا اشترى لي دبلة مزدوجة (خاتم الزواج)، وهذا الخاطب لا يرى شراء الدبلة. هذه تقول: تاجي المرصع بالألماس، وتلك تقول: فستان زفافي بالقماش الإيطالي الفاخر، وأخرى تقفز: يريد النقاب، لا توافقي! وأخيرة مذهولة: قرار في البيت يقول، صرنا في عام 2024 ويقولون قرار!

وكلهنّ يقلن، وكلهنّ ينصحن ويقفزن ويخترن لك بحسب ما تتشهى أنفسهنّ، ويتجرأن على شرع الله وعليك، وأنت تتخبطك الأمواج، ويجذبك الزخرف الذي نحبه ونجاهد نفسنا فيه وتستهويك اللذائذ البراقة؛ فتتشوش غايتك، وتلمع مقلتيك متسعة لأنك أحببت ما سمعت واستحليته، وتردين خاطبًا صاحب دين وخلق استسلامًا منك لغايات الناس وإلقاءً لسمعك لمن لا يحمل غايتك وأهدافك ولا يسير بذات طريقك آخذةً بنصحهنّ مبدّلة معاييرك في قبول الخاطب وناسية آمالك في الزواج من رجل صالح يعينك في أمر دينك ودنياك. 

فيا رعاكِ الله، يا حبّة اللؤلؤ المكنون، احفظي سمعك عن التائهات، وادعي لهنّ بالرشد والهداية، وخذي بنفسك بعيدًا عن الناصحات غير الناصحات، وتوجهي للناصحات ذوات الفضل والعقل ممن يوجهنك للخير ويحفظن عليك غايتك ولا يسلبنك أمانيك في مكان أمانٍ سخيفة في دنيا زائلة.

اختاري بعناية من تسمعين منهنّ النصيحة والرأي، اختاري بعناية من تؤثر فيك وتوجهك، ولا تتبدلي الخبيث بالطيب. قد اخترت أن تكوني غريبةً في زمن بات الدين فيه غريبًا، قد اخترت أن تتعالي عن سفاسف الدنيا وما لا يرضه الله، أن تسيري في سبيل المؤمنين والسابقين، أن تصحبي آثار أمهات المؤمنين ونساء الصالحين؛ فاثبتي على ما منّ الله عليك به وما وفّقك له، حفظك ربي ويسّر أمرك. أنت ملكة بمجاهدتك؛ فاختاري بطانتك بعناية.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة