النعيم لا يدرك بالنعيم

|

قال ابن القيم رحمه الله: (هيهات! ما وصل القوم إلى المنزل إلا بعد مواصلة السرى، ولا عبروا إلى مقر الراحة إلا على جسر التعب).

من الظواهر الخطيرة المنتشرة الآن “عدم الجدية”. يظن البعض أنه سيحقق آماله وطموحاته وينصر أمته وهو متكئ على سرير يحلم ويتمنى دون عمل، ولا يريد أن يُحمل نفسه مشقة؛ ولكن هيهات هيهات لما تحلمون!
كل طموحاتك وأمنياتك عانقت السحاب وأنت ما زلت في الوادي لا تريد عبور الجسر؛ فكيف لك أن ترتفع؟

ما سبب ذلك الإخفاق وتعثر الخطط؟ ذكر الشيخ إبراهيم السكران أن العامل باختصار: هو أن الخطط فوق الصخور والأرجل ما زالت ناعمة ما حفيت بعد. خذها قاعدة، ضعها أمام عينك، تذكرها دائماً: يستحيل لك أن تبلغ المجد أو أن تحقق الكمالات دون أن يكون لك حظ من المشقة.

يقول ابن القيم رحمه الله: (الكمالات كلها لا تٌنال إلا بحظ من المشقة، ولا يُعبر إليها إلا على جسر من التعب). فإذا تأملت قليلاً؛ تجد أن كل المعالي طريقها مفروش بالتعب؛ فلا بد للسالك أن يتحمل كل هذه المشاق ليصل، فالنعيم لا يدرك بالنعيم والراحة لا يوصل إليها إلا على جسرٍ من التعب، فإذا وُجِد النجاح وُجِد التعب.

وطموحنا وغايتنا الكبرى وسعادتنا السرمدية كذلك لا تنال إلى على جسر من التعب، فقال عليه أفضل الصلاة والسلام: (حُفت الجنة بالمكاره). فالجنة لن تصل إليها إلا بمجاهدة هوى نفسك وترك الشهوات. وقال الله عز وجل: {وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ (٤٠) فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِیَ ٱلۡمَأۡوَىٰ (٤١)}. فالمؤمن في الدنيا مُقيد، تشتهي نفسه المعاصي وهو يطمر هواها. وأهل الجنة كابدوا على جسر التعب في الدنيا فكان جزاؤهم جنة عرضها السماوات والأرض، على عكس من لم يعبر الجسر ظل يتمنى ويحلم ولم يحقق شيئاً، وقال الله عز وجل عن أهل الشمال: {إِنَّهُمۡ كَانُوا۟ قَبۡلَ ذَ ⁠لِكَ مُتۡرَفِینَ}.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر”؛ فالمؤمن في الدنيا يعيش في كبد ولا ينفك عن التعب والمشقة؛ ولكن الإنسان إذا انشرح صدره لما يطلب هان عليه ما يبذل، والنفس إذا كانت ذات همة عالية أتعبت البدن.


وإذا كانت النفوس كباراً *** تعبت في مُرادها الأجسامُ

أخاف أن تظل هكذا، تهاب العبور إلى أن تفوت الفرصة ويتصرم العمر وتدركك المنية وأنت لازلت تقف عند بداية الجسر ولم تحقق شيئاً. أدرك نفسك الآن ما دام في العمر بقية، حول الخطط إلى خطوات والمعاني إلى مباني.

هل الناس سِيان واحدة؟ قال المتنبي رحمه الله: لولا المشقة ساد الناس كلهم *** والجود يُفقر، والإقدام قتّالُ؛ فالمشاق والعناء هي التي تصنع الفروق بين الناس في المجد والمعالي وإلا أصبح الناس سِيان

إنها المعالي تحتاج مكابدة! المعالي والطموحات الكبرى لا تُنال إلا بالتنازل عن بعض الراحة والمرح والخروجات، تنالها عندما تتنازل عن ساعاتك في تصفح الإنترنت، عندما تترك فضول النوم وفضول الكلام والنظر، فالغايات الحميدة في خبايا الأسباب المكروهة الشاقة.

ختاماً؛ أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يدرك بالنعيم.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة