إن ما يصيب اليوم غزة الصابرة سيصيب بلدًا من بلدان المسلمين غيرها، وفقا لما يقوله الواقع الذي لا مهرب منه، وحسب خطة اليهود المعلنة، فهم يعيثون في الأرض فسادًا، وكيف لا وهم الذين وصفهم الله تبارك وتعالى بالمفسدين في الأرض؟
لا نعلم أي أرض سيجتاحون في الخطوة التالية، ولا أي بلد مسلم سيحتلون بحجة تأمين حدود “إسرائيل” المزعومة التي لا وجود لها إلا في مخيلاتهم. أتساءل كيف ستكون ردة فعل المسلمين إن حدث ذاك الذي تخشاه الناس؟ هل ردة فعل المسلمين ستكون نفسها؟ نعم، ستكون هي هي، ولن يتجدد شيء في تحركاتهم، ولن ينالوا شيئًا من نصرتهم؛ إلا أن يشاء الله رب العالمين. فقد حدث للغوطة الشرقية وحلب، أشد مما يحدث لغزة الآن، ومع هذا لم ينصرها إلا قلة قليلة من أبناء المسلمين الصادقين.
قام ثلة منهم فهاجروا من ديارهم قاصدين أرض الشام، ولبّوا النداء، وأجابوا داعي الجهاد، فلم يهنأوا بعيش رغيد بين أهلهم وأحبابهم، واختاروا عيش الجهاد، وخاضوا غمار الموت، وبذلوا أغلى ما يملكون، يحملون أرواحهم على أكفهم، وقد قاتلوا دفاعًا عن الشام، وسالت دماؤهم الزكية على ثراها، ودافعوا عنها حتى قُتل منهم في سبيل الدفاع عن دين الله عز وجل، وعن المسلمين المستضعفين، منهم من اصطفاه الله شهيدًا، ومنهم من ينتظر، نحسبهم والله حسيبهم، ولا نزكي على الله أحدًا.
ورأينا كيل الاتهامات لهم، وتبرأ حكام بلادهم منهم، وإنزال أشد العقوبات بهم. ومنهم من حُكِم عليه بالإعدام غيابياً، ومنهم من أُسر أهله أو زوجته حتى يعود ويسلم نفسه، ومنهم من خرج دون علم أهله، ومنهم من ابتلي بفقد أحبابه، وموت أمه وأبيه وهو عنهم بعيد، لم يستطع أن يودعهم الوداع الأخير.
ابتلوا في الله، وأوذوا في الله، وصبروا لله، فلله درهم وعلى الله أجرهم، فهل نرى أمثال هؤلاء الميامين يهبون من كل فج، ويلبون نداء النصرة ويؤازرون المستضعفين؟ وليس هذا على الله بعزيز، فهذه الأمة أمة الخيرية، الأمة التي يتباهى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، أمة ولود تلد الشجعان والأبطال، وهي قابلة لأن تلد لنا عمر وخالد والقعقاع. هذه أمة الجهاد والاستشهاد والبذل والتضحية والعطاء، وبها سوق الشهادة قائم، وفيه تباع النفس لله، وتشترى بها جنان الخلد والحور الحسان.