دمعة تائب

|

نسيرُ في الحياة بخطىً ليست ثابتة، أحياناً نتقدم بسهولةٍ ويُسر، وأحياناً تعرقلنا المعاصي الناتجة عن الوساوس والأهواء؛ فنسقط ونُجرَح. لكن دمعة طاهرة صادقة تخرج من عيون التائبين، هي كالنسمة. ذلك الشعور الصعب الذي يختلج صدر الإنسان عندما يرى نفسه وقد سقط في معصيةٍ كانت بعيدة عنه بُعد المشرق والمغرب. يسأل نفسه: كيف حدث ذلك؟ 

يتذكر المعاصي السابقة والتي كانت أصغر وأقل جُرماً من الحالية. لقد نجح الشيطان في خطته في الإغواء، نجاحاً يتعجب له عقل الإنسان ويتألم ندماً. وفي هذه اللحظات الصعبة؛ هناك طريقين يمكن أن يسير فيهما، طريقاً خيِّراً وطريقاً سيئاً. أما عن الخيّر؛ فهو طريق الأسئلة التي منها نستنتج الوجهة الجديدة التي سنمضي فيها قدماً.

نسأل أنفسنا: ما هي البدايات؟ وما هي الأسباب التي أدت إليها؟ هل مثلاً الاستهانة بالمعاصي؟ هل السبب يكمن في التعري من الحصون والقلاع العظيمة التي يجب الالتزام بها يومياً مثل (أذكار الصباح والمساء – الصلوات الخمس – السنن الرواتب- ورد القرآن)؟ هل السبب هو الخلل في نظرتنا أو نظرة المجتمع المحيط بنا لهذه المعصية وأنهم يرونها شيئاً هيناً وأبسط من معاصي كثيرة أخرى؟ هل السبب هو تجاهل التعلم من الأخطاء؛ مما أدى إلى تفاقمها؟ هل السبب يكمن في المدخلات التي تهاجمنا بدون وعيٍ منا نتيجة السير في الشارع أو تصفح مواقع التواصل الاجتماعي؟ 

ذلك الشعور المؤلم الذي يسيطر على قلوبنا نتيجة أننا فوجئنا بأنفسنا مما اقترفته أيدينا، قد يكون سبباً في الاستفاقة، وقد يكون سبباً للانتكاسة عن طريق تدخل الشيطان لإحراق بذور الخير داخلنا وإنبات ثمر السواد بدلاً منها.

ومن أشهر وساوسه: (أنت أفضل من كثيرين غيرك؛ لا تؤنب نفسك)؛ لتكون النتيجة أن تتخدر مشاعر الاستفاقة لدينا ويزول أثر شعور السوء تجاه المعصية، فنرى أنفسنا أعلى شأناً من الكثيرين؛ إذاً نحنُ بخير، والجميع يذنب فلا توجد مشكلة. أو يوسوس بالعكس: (ماهذا الذي ارتكبته؟ لقد أصبحتَ إنساناً سيئاً بشكل منقطع النظير وعليك أن تفقد الأمل؛ لأن وصولك إلى هذه المعصية دليلاً على فشلك في ترويض نفسك)؛ لتكون النتيجة فقدان الأمل، ونرى أنفسنا من أسوء البشر، ونرى أننا لا نستطيع المقاومة ولا مجاهدة النفس -بدليل الذنب الذي اقترفناه-.

ويتسلط علينا الشيطان من هذا الباب ليشعرنا بأننا سنظل على هذا الحال السيئ للأبد؛ فلا داعي لمحاولة التغيير. ثم نمضي في طريق المعاصي بناءً على فكرة سيئة خاطئة وجدَت مدخلاً وشقَّت طريقها إلينا. 

نلاحظ أن الشيطان يحاول بطرق متضادة أن يضعنا دائماً في وادي المعاصي، تارة بإظهاره ناصحاً مُصلحاً {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف – 21]، وتارةً بكونه خرطوم ينهال على أفكارك راغباً بذلك التحكم فيك على أساس أنه أفضل منك، وأرقى منك شأناً، وكأنه صاحب الفضيلة وأنت المذنب الفاسد! وكأنه ليس المتسبب في المعاصي! قال الله عز وجل: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص].

هو عدوّك الأول؛ فاحذره، واحتَط لنفسك بفعل كل جميل تقدر عليه، قاوِم أهواءك ودافع رغباتك، حصن نفسك بالأذكار يومياً وارتشف من علوم الدين ما تقدر عليه في يومك. ولنتذكر جميعاً أننا سنُحاسَبُ على السعي وليس على النتيجة؛ لأن النتيجة بيد الله وحده ونحن عباده المسؤولون عن أفعالنا، فلنُطيّب الأجواء بِرَشّ الخيرات فيها؛ سنغادرها يوماً ما.

ختاماً، نريد أن نذكّر أنفسنا باستمرار بأن شعور الضيق من معاصينا هو خيرٌ جمّ وعلامة على صحة القلب. فتمسك؛ به لكن لا تقف محتاراً عنده؛ بل أثمِر في الأرض مبتعداً عن الوساوس الشيطانية الكائدة. لتكون كاسدة.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة