اسمي مريم.
هل تعرفون من سماني بهذا الاسم! إنه والدي، أبي العزيز الذي رباني على البر والطاعة، وزرع بي احترامي لنفسي وللآخرين، أنشأني على مخافة الله عز وجل في ما أفعل، وفي كل حركة وفي كل تصرف، والدي العزيز يعتبرني وأختي درة مكنونة.
كل ذلك الاحترام تلاشى أمامي في لحظة واحدة، صفعة واحدة كانت كفيلة بأن تهد كياني، صفعة زلزلت الأرض من تحتي، وجعلتني لا أدري ما الذي وقع، صفعة زوجي! والتي كسرت أنوثتي، ورمت كل احترامي لذاتي وراء ظهري، حتى نسيت بأني التي كرمني الله، وجعلني ضلعا منه، واختارني النفس التي يسكن إليها، وأول ما خطر على قلبي آية كريمة، رفعت منزلتي و جعلتني أميرة، كزوجة
(يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) [النساء: 1]
نسي زوجي في ثورة غضب سريعة، أني التي عاشرها سنوات طوال، ولم يردعه غضبه عن الامتثال لأمر الله
(وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوف) [ النساء: 19]
لم أخبركم أني لم أدرك أمي بشكل كاف، فقد توفاها الله عندما كنت في السادسة من عمري، ولكن مازالت صورها الجميلة في ذاكرتي، تمشيطها لشعري، و حرصها علي، وعلى مظهري، فكانت تراني أميرتها الصغيرة، أذكر أن والدي كان يعاملها كملكة، كانا دائما ما يتمازحان، وكان والدي يحفظ مكانتها جدا، ورغم حداثة سني حينها، قد علقت في ذهني تلك النظرة التي كان والدي يرمقها بها، عندما تكون منهمكة بعمل ما، وهو يراقبها.
آه يا والدي، كم أرجو لو كنت معي حين صفعني ( حسام ) وهو يراني ضعيفة، ليستقوي عليه.
لو أنك يا أبي هنا لتملأ مساحة من هذا الفراغ الذي يملأ روحي، كم أنا بحاجتك الآن أكثر من أي وقت مضى، كي تشرح لي وتفهمني هل ما فعل حسام بي مباح ؟ أن تمسح عن عيوني هذا الدمع الذي لا يجف، وأشعر بملوحته تحفر أوصالي حزنا وكمدا.
هل يتوافق الإسلام مع ما فعل زوجي؟ هل يعطيه رخصة بصفعي هكذا؟
هناك أسئلة تراودني ولا أجدا لها جوابا شافيا، أنا حائرة يا أبت، بل أنا مشوشة حقا …. أشعر بالحنق والظلم في آن واحد.
لقد راعني ما فعل زوجي ( حسام ) ، وراعني أنه انهال على وجهي الضعيف بقوته، دون أن ينظر إلي أو يندم، فقد خرج من المنزل بسرعة، بوجه أحمر كالدم، و جسد يهتز غضبا وارتباكا، و مازاد ذهولي ومصابي هو هذه القسوة الفجائية التي يعاملني بها، وهذا الكبرياء والعجب، وكأنه يعاقبني بشيء لم أرتكبه.
وفي الآونة الأخيرة تغير بشكل كبير، في كل مرة عندما أريد الدفاع عن نفسي، يكون الرد :”أنا زوجك، ولي حق عليك”… ولكن أين حقي عليه ؟!
لقد تغير كثيرا، بل إنه ليس هو، فقد كان سمحا لينا، و لطالما أحبني و تودد إلي، و كثيرا ما عاملني بلطف ومعروف، ولا أفهم لماذا يتبدل رجل مثله.
ربما كنت مخطئة في بعض المرات، ولكن أخطائي لم تكن بتلك الفداحة، لأعامل هكذا، بل على العكس أنا أتقسى كل ما يحبه ( حسام ) لأني أحبه، هو أب أولادي، وزوجي.
المشكلة أن حسام بات يردد ( أنت ناشز) فهل أنا ناشز فعلا، هل في الشريعة ما يبيح له هذا.
والدي الحبيب، كم أنا محتاجة لك الآن، ليتك بقربي لتفهمني، لقد تعبت، حتى عيناي تعاتباني على كل هذا الدمع الذي يجري، لقد أنهك جسدي، وكل ما أريده هو الراحة، بل أريد أن أغط في نوم عميق، علني أستطيع ترتيب أفكاري…. بل يمكن أن…
( حلم!)
- لماذا تبكي يا عزيزتي؟!
- من هنا ؟!!
- هيا انهضي، اغسلي وجهك وتعالي لنتحدث.
- أبي الحبيب، الحمد لله، الحمد لله، لقد جئت، أرجوك يا والدي قل لي، هل الشرع يسمح لحسام بضربي بهذا الشكل، وهل أنا ناشز حقا… وهل …؟!
- ما هذا الذي تتحدثين عنه؟!
- هل تعلم ما الذي حصل معي، لقد ضربني يا والدي بعد أن ائتمنته علي، بعد عهد قطعه لك بعدم معاملتي إلا بالإحسان.
- اهدئي يا عزيزتي، إن الأمور لا تُحل بالطريقة هذه، ولا يؤخذ شيء بالصرعة، إن الدين وصاك بالصبر على زوجك، ثم أريد أن أسألك هل هو دائما هكذا؟ ولكن قبل أن تجيبي يجب أن تصمتي قليلا وتفكري وتحكمي بالعدل، وليس بهذا التعصب.
- الحقيقة يا والدي أنه منذ فترة وهو هكذا، منذ أن استلم عمله الجديد، لقد تغير كثيرا، تغير حتى مع طفليه الصغيرين، فهو قليلا ما بات يلعب معهما، و أراه أصبح قليل الصبر، و دائم التأفف، ولا يأبه لما يحزنني، وينقص من قدري عنده، وينشغل عني وعن الأطفال كثيرا!
- نعم ، ها أنت قد قلتها يا بنتي، هو لم يعاملك بقسوة و عصبية من قبل أبدا، ولكن يا حبيبتي الصغيرة، أنت تعلمين أن زوجك وحيدا الآن ، بعد وفاة أم ووالده بحادث رحمها الله، وهذا قد يكون أحد الأسباب، فالحادث لم يمر عليه شهور قليلة، ولا تنسي أنه كان معلقا بهما كثيرا، فهو ولدهما الوحيد، وأنت والأولاد الآن كل ما بقي له، و يجب أن تكوني سنده و سكنه في وقت الشدة، أعلم بأنه قد ارتكب خطأ كبيرا، ولكن يجب أن تصبري، وتحتسبي أمرك، إن زوجك يعاني من ظروف صعبة، وأنا لا أعفيه مما وقع به ولكن يجب أن يرحم بعضنا بعضا ولا نقف عند الزلة لمن نحب.
أشعر بالحزن يا أبت… فمنذ شهور وقد نسيت كيف كان قبل ما يحدث منه من عصبية وإيذاء لي …
- ولكن يا أبت إنه يقول، أن من حقه ضربي … كيف هذا والإسلام حث الزوج على معاشرة زوجه بالحسنى؟ ، قل لي يا والدي !
- هوني عليك يا ابنتي، نعم ما تقولينه صحيح، لقد ارتكب زوجك خطأ كبيرا، لأنه لا يجب الأخذ ببعض النصوص، والإعراض عن آيات كثيرة أمرت بحسن معاملة الزوج لزوجته وحسن معاشرتها بالمعروف والمودة إنما يريد ذلك من لا يعرف ديننا الحنيف، وينسب للدين ما ليس فيه، ويريد أن يضع شبهات ما أنزل الله بها من سلطان في شريعتنا السمحاء، من المشككين و الحاقدين، قال عز من قائل: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوف) وحاشا لله ورسوله ممن يقولون الكذب والافتراء والجهل، ولكن للأسف يبدو أن زوجك حسام وقع في الخطأ وقد يعذر لجهله بحقيقة الحكم الشرعي، ولكنه أيضا يلام بعدم البحث، وسؤال أهل الدراية، وفهم الحق على وجهه، والامتثال بأوامر الله ورسوله للزوج تجاه زوجته، ومعاملتها بالحسنى وإن كان منها بعض الأخطاء، وقد قال الله تعالى ( وللرجال عليهن درجة ) [ البقرة: 228] أي بالمعاملة الحسنى والصبر وأداء الواجب لهن ولو قصرن. وفي التفسير (فجعل الله للزوج على المرأة وللمرأة على الزوج حقوقا بينها في كتابه وعلى لسان نبيه مفسرة ومجملة ففهمها العرب الذين خوطبوا بلسانهم على ما يعرفون من معاني كلامهم….، وأقل ما يجب في أمره بالعشرة بالمعروف أن يؤدي الزوج إلى زوجته ما فرض الله لها عليه من نفقة وكسوة وترك ميل ظاهر..) 1
- أعلم يا غالية، ولا أملك إلا أن أدعو لزوجك إلا بالهداية والتبصر بديننا الحنيف، ولك بالصبر على ما فعل.
- هوني عليك يا عزيزتي، ولكن يبدو أن زوجك حسام هداه الله لم يفهم تدرج الآية ومعناها بشكل صحيح، فالآية واضحة وفيها ترتيب، لمن يرى من زوجته تقصيرا واضحا، وقد يرتكب بعض الأزواج هذا بجهل منهم وعدم فهم للنص، فيأخذ ما يأتي على هواه ويترك بعضها الآخر.
يا بنتي لقد أتت الشريعة الإسلامية رحمة للناس كافة، جاءت شريعة لكل مجالات الحياة، وقد كانت الحياة الأسرية عمادا للمجتمع المسلم، حيث تكون البذرة التي تنبت أبناء صالحين وبنات صالحات، وهي النواة التي ينطلق منها الأبناء لتكوين مجتمع سليم، وقال الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة: 3] فالإسلام لم يترك صغير ولا كبيرة، إلا وجعل لها حظا و عدلا في الشريعة، سيما الأسرة، والتي هي نواة الاستخلاف والاستمرار، لكل مسلم في عائلته ، ما يجعله خادما لدينه من خلال التربية والمعاملة بالحسنى، ولكن زوجك، و على ما يبدو لم ير حكمة الآية ولم يفهم ترتيبها، وقد يحصل هذا للبعض دون تبصر ودراية منهم للأسف، ولم يعلم أن الآية فقط للزوج الذي لم تطعه زوجته.
وفي قول الله تعالى ((وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا.)) [النساء: 34].
فالآية الكريمة واضحة وصريحة ولها قواعد فقد فبدأ والحكم بالوعظ، وثنى بالهجر في المضجع، وثلَّث بالضرب، واللجوء إلى الضرب مخالف لهذا الترتيب لو كان ضرباً موافقاً للشرع، وقع زوجك حسام في الكثير من الأخطاء في الأحكام الشرعية، فأولها هو مخالفة الأمر في المعاشرة بالمعروف، أيضا وقع منه ظلما كبيرا هداه الله وأرجعه لجادة الصواب والحق، والظلم محرّم في الكتاب والسنَّة ، وضرب الرجل لامرأته من غير مسوغ، وأنت لم تركتبي أي شيء يفضي لما فعل.
وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال : ( يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا) .
وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع : ( اتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذلك فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غير مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوف) رواه مسلم .
و بتفصيل الحكم الشرعي، لقد فند العلماء الآية و فصلوها، من حيث التدرج بالعقاب إن ارتكبت المرأة نشوزا ما، فدعيني أفصل لك ما ورد في تفسير النشوز أولا ثم تدرج العقاب للمرأة الناشز.
النشوز والعاقبة
- أرى أن الهم بدأ ينزاح عنك، وبدأت عيناك تلمعان، وبدأ وجهك يستعيد رونقه، فاستمعي جيدا.
في الآية الكريمة المرأة الناشز، النشوز لغةً: الاستِعصاءُ والامتِناعُ والترَفُّعُ، مِن النَّشْزِ، وهو ما ارتفَعَ وظَهَر)2 وأما اصطلاحا وشرعا فالنشوز هو: مَعصيةُ المرأةِ زوجَها فيما فرَضَ الله عليها مِن طاعتِه، والمرأةُ الناشِزُ: هي المرتَفِعةُ على زَوجِها، التَّارِكةُ لأمرِه، المُعرِضةُ عنه) 3
وقد حرم العلماء نشوز المرأة على زوجها وأمرها بطاعته. والالتزام بما يرضيه، والابتعاد عما يغضبه، ويُرى مما تبين أن ذلك يوجد الشرور بين الزوج والزوجة ويؤدي لنفور الزوج من زوجه ، ما يؤثر على سيرورة البيت، وابتعاد كل منهما عن الآخر وانعكاس كل ذلك على الأولاد، ما يؤدي في غالب الأحيان للطلاق.
والآن أحدثك يا عزيزتي، و يا بنيتي المرضية، عن علاج النشوز، وعن الضرب الذي لم يفهمه زوج، عدا عن مسالة تحريم الضرب على الوجه، ودعينا نقرأ الآية الكريمة بتمعن ونفهم الرحمة والتدرج الذي فيها، قال تعالى: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا) [النساء: 34]
لأن الرجل هو القوام على زوجته، و قد خلقه الحامي والمسؤول عنها، و هو كالخيمة التي تظللها من كل ما يسوءها، فقد كان هو بدرايته و عقله أرجح، وذلك لأن المرأة تغلب عليها عاطفتها، وقد تقع في أخطاء دون أن تدرك أحيانا ما تفعل وعظم عاقبته، ومن هنا نفهم أن الرجل هو المسؤول عن المرأة وعن تقويمها إذا بدا منها شيئا، وتقوم هي بنصحه وحثه على الصلاح بدورها.
فهنا بدأ التدرج بالوعظ، وهو بإجماع كل العلماء والمذاهب الحنفية والشافعية والحنبلية والمالكية ( يُذكِّرُها ما أوجب اللهُ عليها من حُسنِ الصُّحبةِ وجميلِ العِشرةِ للزَّوجِ، والاعترافِ بالدَّرَجةِ التي له عليها، ويذكُرُ لها ما أوجب الله عليها من الحَقِّ، وما يلحَقُها من الإثمِ بالمخالفة، وما يسقُطُ بذلك من النَّفَقةِ والكسوةِ، إلى غير ذلك) 4
بعد ذلك يا عزيزتي وإن لم تمتثل المرأة لزوجها، و زادت في عصيانها، جاء الهجر، ومن خلاله تأديب عظيم للزوجة، وهو ابتعاد الزوج عنها، (يقول لا تقربها للجماع)،5 كي يعرفها خطورة ما وقعت به، وأنها بهذا ترتكب شيئا عظيما، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ، وفي الحديث عن هجر المضاجع، عن أمِّ سَلَمةَ رَضِيَ الله عنها قالت: ((إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَلَف ألَّا يَدخُلَ على بَعضِ أهلهِ شَهرًا، فلمَّا مضى تِسعةٌ وعِشرونَ يومًا، غدا عليهم _أو راح- فقيلَ له: حلَفْتَ يا نبيَّ اللهِ ألَّا تَدخُلَ علينا شَهرًا. قال: إنَّ الشَّهرَ يكونُ تِسعةً وعِشرينَ يَومًا) أخرجه مسلم (1085)
أيضا يا عزيزتي، لا تظني أن هذا هو الهجر الوحيد الذي يمكن من خلاله ردع الزوجة الناشز، بل هناك هجران الكلام، وهو صورة من صور الهجر الذي يجعل المرأة تعود عن خطأها لما في طبيعة المرأة من حب للكلام، والحديث مع زوجها، وهذه فطرة فطرها الله عليها، أنها تحب التعبير والتودد، والمزاح ….، ولكن شريطة أن لا يدوم ذلك فوق ثلاثة أيام حسب الإجماع، وفي الحديث (لا يحِلُّ لمُسلمٍ أن يَهجُرَ أخاه فوقَ ثلاثِ ليالٍ، يلتقيانِ فيُعرِضُ هذا ويُعرِضُ هذا، وخَيرُهما الذي يبدأُ بالسَّلامِ) 6
وبعد ذلك كله، كيف لامرأة أن تمتنع عن طاعة زوجها، في غير ما بأس، يا ابنتي؟!، وهنا يأتي الضرب في قوله تعالى (واضربوهن) فالضرب له شروط وقيود، وأن يرى الزوج أن الضرب سببا ووسيلة لإرجاع زوجته عن النشوز والعصيان، والضرب يجب أن لايكون مبرحاً باجتماع المذاهب الأربعة، وهذا ماورد في الحديث عن الرسول ﷺ (عن عبدِ اللهِ بنِ زَمْعةَ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: (لا يجلِدْ أحَدُكم امرأتَه جَلْدَ العَبدِ، ثمَّ يجامِعُها في آخِرِ اليومِ) 7
ومن هنا يا ابنتي يمكن لك أن تعرفي زوجك على المصادر الصحيحة التي تجعله يتبصر و يفهم الأمر الشرعي.
وفي الحديث الشريف:8 عن جابرِ بنِ عبدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: (اتَّقوا اللهَ في النِّساءِ؛ فإنَّكم أخذتُموهنَّ بأمانِ اللهِ، واستحلَلْتُم فُروجَهنَّ بكَلِمةِ الله، ولكم عليهنَّ أنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكم أحدًا تَكرَهونَه، فإنْ فعَلْنَ ذلك فاضرِبوهنَّ ضَربًا غيرَ مُبَرِّحٍ، ولهنَّ عليكم رِزقُهنَّ وكِسوتُهنَّ بالمَعروفِ).
و رحم الله شيخنا ابن باز، في رده لسائل حول ضرب الزوجة حيث قال: (فينبغي للزوج أن لا يلجأ إلى الضرب إلا عند الضرورة، وعند الحاجة، وعند عدم جدوى الوسائل الأخرى؛ لأن الضرب قد يغيرها عليه أكثر، وقد يسيئ أخلاقها، ويسبب فراقها، ويثير أهلها أيضًا، ولاسيما في هذا العصر، الضرب في هذا العصر يسبب مشاكل كثيرة، فينبغي للزوج أن لا يعجل، وألا يسارع إلى الضرب إلا عند الحاجة، وأمن العاقبة، أمن العواقب السيئة.
فإذا كان ضربها يفضي إلى فراقه لها، وإلى قيام أهلها عليه، وإلى حصول مشكلة كبرى؛ فينبغي تجنب الضرب، والصبر على ما قد يقع من سوء الأخلاق..) 9
- و لكن يا أبي، ماذا عن ضربه وجهي!
- اهدأي يا عزيزة، هدى الله زوجك، دعيني أكمل لك فضائل هذا الدين الذي كرم الإنسان بكل شيء، والقرآن والسنة يحرمان الجور والظلم.
لقد حرمت الشريعة الضرب على الوجه، لأي سبب من الأسباب، فضرب الوجه محرم بالإطلاق، وليس ضرب الزوج لزوجته فقط، فالإنسان كائن ضعيف، سيما المرأة التي ميزها الله بالأنوثة والجمال والرقة، وقد خلق الله بني آدم بفطرة حب الجمال وحسن التعامل معه، خَلقيا وخُلُقيا، فكرم الله الوجه وخلقه بأحسن صورة، وأمر بالحرص عليه، وهذا قد يشمل الجسم كله من باب معاملة المسلم للمسلم بالمطلق باحترام وتقدير.
والضرب على الوجه له تبعات نفسية وخيمة، فهو يضعف الشخصية و يراكم الحقد والغضب والحنق في النفس، ناهيك عن أن الوجه من حيث طبيعة نسيجه التكويني رهيف و حساس، وقد يسبب الضرب تشويها فيه، ما يجعل الإنسان يكره نفسه وخلقته، ويحقد على من ضربه، وذلك لأن وجه الإنسان هو الذي يعكس شخصية الإنسان و صورته، من ناحية أخرى يا بنيتي، فإن الوجه قريب جدا من الدماغ وقد يتأثر من صرب بشكل كبير، وقد يؤثر الضرب على قدرته العقلية.
وفي الحديث، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ) رواه البخاري10
و عَنْ مُعَاوِيَةَ بن حَيْدَة الْقُشَيْرِيِّ قَالَ: قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ ؟ قَالَ : ( أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوْ اكْتَسَبْتَ وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ )11
- صغيرتي، إن لنا في هدي الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام نهجا إن تبعناه، لما ضاعت بوصلتنا ولم نضع، فالسنة النبوية هي المنجاة الوحيدة للمسلم الحق، ذكريه يا ابنتي بخلق الرسول، ومعاملته لأزواجه عليه الصلاة والسلام، فالرسول لم يضرب أحدا قط فما بالك بزوجاته رضي الله عنهن وأرضاهن، بل حتى حين كان يغضب منهن، أو يقع منهن أي سوء، كان يصبر عليهن .
ذكري زوجك يا بنتي بما حدث بين الرسول وسيدتنا عائشة، فقد (ورد من حديث النعمان بن بشير قال جاء أبو بكر يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فسمع عائشة وهي رافعة صوتها على رسول الله ﷺفأذن له فدخل فقال يا ابنة أم رومان (وتناولها) أترفعين صوتك على رسول الله ﷺ؟! قال فحال النبي صل الله عليه وسلم بينه وبينها قال فلما خرج أبو بكر جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول لها و يترضاها: ألا ترين أني قد حِلتُ بين الرجل وبينك … قال ثم جاء أبو بكر فاستأذن عليه فوجده يضاحكها فأذن له فدخل فقال له أبو بكر يا رسول الله أشركاني في سلمكما كما أشركتماني في حربكما)12.
يا بنيتي لا عليك، اعلم أن ما فعله زوجك، خطأ كبيرا غفر الله له، ولكن عليك أن تحدثيه كيف كان الرسول يعامل زوجاته، وكيف كان يذكرهن عند الصحابة ( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ )13
وهذه مكانة زوجات الرسول ﷺ الطاهرات القانتات واللواتي أبتغي أن تحتذي ابنتي حذوهن، وتمشي على خطاهن الشريفة، بالاتباع والامتثال، ولا تقفي لزوجك عند كل زلة، فالله عليم بما يمر به، وأنت التي شهدت له بأنه نعم الرجل، وأن ما يمر به ليس سهلا، فكثير منا قد يفعل أمورا لا يريدها ثم يرجع عنها ويطلب من الله المغفرة.
فيا مريمُ الحبيبة، ذكري زوجك بخشية الله، وذكريه بأنه رجل مسلم، يجب أن يتحلى بأخلاق المسلم، وأن يكون قدوة حسنة لأولاده، ولكن بأسلوب الصحابيات رضي الله عنهن، و أسال الله أن يجعل زودك قرة عينك، ويجعلك سكنا وراحة نفسه.
- آه يا والدي العزيز لقد زال كل حزني وغمي ، كنت حانقة بشكل كبير، وظننت أن هناك ما يردعني عن محادثة زوجي بعد ما فعل، ولكنك هونت علي وذكرت لي النصوص التي كرمني الله بها، وعرفتني بحق، ما هو حقي على زوجي وما هو حقه علي، أما زوجي الحبيب، فأسأل الله أن يغفر له. فمن منا لا يخطئ ويطلب من الله أم يمحو خطأه، سوف أطلب منه البحث و الرجوع لحكم الله علينا جميعا رجالا ونساء. 14«خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» هكذا قال رسول الله
كنت أردد هكذا قال الرسول، هكذا قال الرسول… ولم أشعر إلا بيد تمسح شعري بصوت دافئ.
- صلى الله عليه وسلم، مابك يا حبيبة القلب، غفر الله لي، على ما فعلت، أرجوك سامحيني على ما فعلت، والله كنت في المسجد وأنا أسال الله أن يرجع السكينة في قلبين لقد كنت لي نعم الزوج، ونعم العشيرة، وأنا عاملتك في الفترة اللآخيرة بقسوة، لم أستطع التعبير عن همومي وألمي، كان الغضب والعصبية ملاذا غير آمن اتبعته، لقد سجدت سجدة طويلة، أراحتني و كأن الله عز وجل يقول لي، إياك أن تضيع زوجك الحبيبة بكبريائك وتعنتك، ولا يسعني إلا أن أطلب منك السماح والعفو والصفح.
لم أدر ما حل بي من كلمات حسام، حتى أني نسيت حزني بكلماته الطيبة، تذكرته محبا عطوفا معطاء، تذكرته لطيفا حنونا، تذكرت وتذكرت، لم يكن ما مر بي حلما، لقد كان رسالة من الله عز وجل بأن الصبر والتأني، هو أعظم الحلول لأغلب المشاكل بين الزوجين، فقد رجع حسام بسرعة عن خطئه، وتاب لله عز وجل ، رجع بمودة ورحمة و محبة، صدق الله العظيم الذي قال (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [ الروم:21].
(قوارير) سلسلة من تأليف عبير ياسين القزاز
وهي سلسلة قصصية منفصلة، عن أهم الإشكاليات والحوادث الحياتية اليومية، و الشكوك حول بعض الأحكام الشرعية، و التي تخص المرأة والفتاة المسلمة، من خلال التركيز على الدلائل الشرعية من الكتاب والسنة، و توضح الشبه التي قد تقع بها النساء والفتيات والمسلمات بها.
المراجع
القرآن الكريم
صحيح البخاري
مسند أحمد
صحيح مسلم
صحيح الترمذي
سنن ابن داوود
كتاب الأم
تفسير القرطبي
تفسير مقاتل بن سليمان
تهذيب اللغة للأزهري
الصحاح للجوهري
كشاف القناع للبهوتي
المغني ابن قدامة
المغني المحتاج للشربيني
الشرح الكبير للدرديري
- الأم – للإمام الشافعي (5/ 114 ط الفكر ↩︎
- (3/899) يُنظر: ((تهذيب اللغة)) للأزهري (11/209)، ((الصحاح)) للجوهري ↩︎
- (2/343) يُنظر: (غير ذلك. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (5/171)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (المغني)) لابن قدامة (7/ 318)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/251)، ((الشرح الكبير)) للدردير ↩︎
- يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (5/171)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/209)) ↩︎
- «تفسير مقاتل بن سليمان» (1/ 371) ↩︎
- أخرجه البخاري (6077)، ومسلم (2560) واللفظ له.. ↩︎
- 5204 واللفظ له، ومسلم ↩︎
- (1218) أخرجه مسلم ↩︎
- http://الموقع الرسمي لسماحة الشيخ ابن باز- التفصيل في حكم ضرب الزوجة، ↩︎
- الصفحة أو الرقم: 2559 صحيح البخاري، ↩︎
- سنن ابن داوود (3/ 476) (2142)) ↩︎
- مسند أحمد، الجزء الرابع صفحة 272 ↩︎
- رواه البخاري 3769- ومسلم 2431 ↩︎
- صحيح الترمذي -3895 ↩︎