تستهين بالله وأنت لا تشعر؛ فماذا عن النار؟

|

انتبه! تستهين بالله وأنت لا تشعر عندما يوسوس لك الشيطان بفعل معصية ثم تبرر لنفسك: (إنها نفسي الضعيفة وسأتوب بعدها فوراً). فمصيبة التبرير هذه تجمع بين خلاياها السرطانية الكثير من الطوام يا بني.

أولاً: أنت تمهد لنفسك فعل الذنوب

وبدلاً من الخوف من تلك الخطوة تقوم بالتبرير لنفسك لتسهيل الذنب في عيونك دون ألم ووخز في الضمير؛ مما يؤدي إلى اعتياد المعصية من كثرة تكرارها، وأما عن الألم فيذهب في مهبّ الريح؛ لأنك بررت فعلتك بالضعف، وكأنك طفلاً ليس مسؤولاً عن فعلته. قال تعالى: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135]. اعلم أخي أنه حتى لو كان الضعف مكون رئيسي في النفس البشرية؛ إلا أن المقاومة والمواجهة -كذلك- سِمتان مميزتان فيها، وهما أساس كل نجاح في الحياة. ولكي نحارب العدو علينا أولاً معرفة الطريقة التي يفكر بها، وقد لخص الدكتور أحمد عبد المنعم في محاضرته “جهود الشيطان في الصد عن القرآن” الطريقة التي يتعامل بها الشيطان معنا:

“ما هي المسارات التي يسعى الشيطان بها لصرف الناس عن النور؟

المسار الأول: إفساد مكان تلقي الغذاء (القلب)

عن طريق العبث بالمشاعر بالوسوسة والبدء في بث المشاعر المختلفة تجاه بعض الشبهات والشهوات والمعاصي المختلفة وأمراض القلوب.

المسار الثاني: عمل حالة من الإلهاء والإشغال عن الغذاء

عن طريق صنع أماني، ويتم توجيه الإنسان للتفكير في كل ما هو ليس مهماً وليس نافعاً، فيتم السير في طريق الشبهات والشهوات التي سبق التحدث عنها، والأماني الفاسدة تتم زراعتها وسقايتها مثل البذرة وتنمو تدريجياً، وكنت تعيش حياتك بدونها بشكلٍ طبيعيّ. 

المسار الثالث: محاولة تقديم غذاء بديل للغذاء المفيد (استثارة الشهوات بأنواعها المختلفة)

فبدلاً من تلقي العلوم الدينية وتعلم القرآن وحفظه وتدبره، وقراءة الكتب النافعة، يمضي في إلهاء وقته بالعلاقات المحرمة، الأفلام والمسلسلات، حفلات الغناء والفجور، مواقع التواصل الاجتماعي -كلما زادت فترة التصفح كلما زادت مشاعر متشعبة من كمية المدخلات التي يتلقاها الإنسان وهي أكبر من طاقته النفسية-، ويستمر في هذا الطريق فيضيع كنزه الثمين: وقته. وبهذه الطريقة يكون فريسة سهلة للشيطان”.

ثانياً: ما الضامن بأن لا يقبضك الله على المعصية

هل تضمن بأن لا تموت ميتة سوء وخِزي؟ ثم ما أدراك أن يلهمك الله التوبة بعد المعصية؟ أليس من الممكن أن يزول شعورك بأنها “معصية” أصلاً، وبالتالي يزول شعورك بالحرمانية وتصبح أمراً معتاداً لا ترى فيه عيباً؟ 

ثالثاً: أنت لا تعلم -يا بني- ما هي قيمة هذا الذنب عند الله

فربما لا يتم قبول توبتك إن لم تكن صادقاً فيها، وربما يظل ميزان سيئاتك أثقل من ميزان حسناتك -نتيجة استهانتك بالله-؛ فتهلع وتندم يوم لا ينفع الندم. 

رابعاً: ما أدراك أن حسناتك أقوى من الكبائر التي ارتكبتها

أنت تظن أن ذنوبك صغائر بينما أن الصغائر تتحول لكبائر مع الإصرار عليها؟ كيف يتقبل منك الله وأنت تعيش حياتك وفق مبدأ “سأعصي الله كما أشاء ثم أستغفر”؟ قال الله عز وجل في كتابه الكريم أن أهل النار يتقون النار بوجوههم؛ لأنَّ أطرافهم مغلولة، قال تعالى: ﴿أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ ﴾ [الزمر: 24]، وقال: ﴿يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا ﴾ [الأحزاب: 66]. تأمل جيدًا: يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا. قال تعالى: ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّار ﴾ [الأعراف: 38]. لن ينفعك الممثلين والمطربين والكفار أعداء الدين، لن يحملوا العذاب بدلاً منك؛ بل الكل سيحاسب. 

هذه النصيحة رسالة لك شعرت بواجبي أن أرسلها إلى قلبك، لربما تُحدِث تأثيراً جيداً بداخلك. واجب علينا أن نخاف من عذابٍ لا نستطيع تحمل ١٪ منه ونحن في الدنيا، قد ألهتنا الحياة ونامت أعيننا عن طريق الحق على سرير الغفلة؛ لكن إلى متى؟

قال تعالى: ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ﴾ [فاطر: 37]. 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “نَارُكُمْ جُزْءٌ مِن سَبْعِينَ جُزْءًا مِن نَارِ جَهَنَّمَ”، قيلَ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً، قالَ: “فُضِّلَتْ عليهنَّ بتِسْعَةٍ وسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا” صحيح البخاري.

يعني نار الآخرة حرارتها ٦٩ ضعف أعلى درجة حرارة في الدنيا! يعني لو قمنا بجمع حطب الدنيا كله وتم إشعال النار فيه؛ سيكون جزءاً واحداً فقط من أجزاء النار السبعين. 

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضاً” صحيح مسلم ، وقال عليه الصلاة والسلام: “حُفّت الجنةُ بالمكارِه، وحفّت النار بالشهوات”؛ فهل تستحق هذه العلاقة المحرمة الفانية أن تأكلنا النار من أجلها؟ هل يستحق هذا المغني أن نُعذّب لأجل رِفعته في الدنيا الزائلة؟ يوماً ما ستذهب كل المتع في الهواء ولن يبقى سوى ألم الاحتراق!

واعلم أن الإنسان كلما أذنب، كلما قسا قلبه أكثر.  واعلم أن بالتدريب يمكننا الوصول إلى أعالي الدرجات. ما زالت حديقة ورود الفرص -فرص التوبة والعودة إلى الله- سانحة يمكننا السير فيها والاقتطاف منها متى أردنا، ما زلنا أحياء ونتنفس؛ إذاً ما زال الأمل ساطعاً مبتسماً أمام عيوننا.

قال أبو حامد الغزالي: (فمتى رَغَّب العبد نفسه بثمار التعبد، ورَهّبها من عاقبة الانغماس في الشهوات؛ طاوعته في الإعراض عن الدنيا، بل وتلذذت بمشاق العمل الصالح والإقبال على الله تعالى).

وهناك حيلة جميلة نحدث عقلنا بها يومياً ونتعامل على أساسها، وهي أن نعيش كل يوم وكأنه آخر يوم في حياتنا؛ فنشحذ أسلحتنا متأهبين، وأقول حيلة لأن نتيجتها تتغير قلوبنا ونظرتنا للأشياء؛ مما يؤدي إلى الركض في طريق الخير. بهذه الطريقة نواجه سهام الغفلة؛ لأنها قد لا تميتنا هي، وإنما نموت أثناء فعل الطاعات التي من الممكن أن تنتهي مسيرتنا وتصعد أرواحنا إلى الله ونحن متمسكين بها. فلنشحذ أسلحتنا.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة