سلسلة قوارير: 3-﴿مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ﴾

|

مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ

 ساخطة تتشكى، كانت صديقتي عندما زارتني،  لقد قسم إخوتها الميراث!،   كانت غاضبة جدا، حانقة حاقدة، تتلفظ بعبارات وكلمات بنبرة رفض لأحكام الميراث، و (سلمى) ليست بالمتدينة، بل هي متأثرة جدا بالخطاب النسوي الذي بات ينهش في أمتنا كالنار في الهشيم ،  ومن إحدى الجمل التي كانت ترددها،  كرة وراء مرة،( وما الشيء الذي يزيد أخي به فضلا … ولماذا لي  ولأختي نصف  ما أخذ إخوتي من مقدار الحصة التي تركها والدي….. هذا ظلم وجور….)!

تركت سلمى حتى تنته من تسخطها و شكواها غير المبررة .. ولكن انتظرت حتى تهدأ تلك العاصفة الهوجاء، لأني أعلم أنها باتت مؤخرا  تتحدث بما لا تدرك و لا تعرف، نتيجة لتقلديها الأعمى ، لمن يتشدق بملء فيه عن ( حقوق المرأة) و كلمات المساواة، و نقد التراث، وتحديث تفسير  النصوص، و مواكبة الحداثة  والعصر، والاحتياجات التي تتطلبها كل أنثى في هذا العصر، كانت سلمى نموذجا لأي فتاة مستلبة الفكر،  سطحية الفهم لما يهدف له  ( الهدامون)،  ولم تدرك  أن المساواة منطقيا لا تستوي ولا تصح، لأن مختلفين لا يتساويا!، بل إن المساواة المزعومة  هي الظلم   بأقبح صوره،  لأنها لا تأخذ الاختلافات الكبيرة  و التضاد بين تكوين ا لمرأة والرجل، من مسؤوليات و  تكاليف لكل حسب جبلته و فطرته و نشأته.

تركت سلمى تطلق الكلمات،  لأنها في هذه الحالة لن تدرك أي شيء مما أقول، وأنا التي مر علي كحالتها الكثير بحكم اطلاعي على هذا الفكر و الخوض في غماره الجارف، وبعد نصف ساعة، من هز رأسي، مستمعة لا موافقة،  أصبحت أرى علائم ركون البركان الثائر….

  قطار وشجرة …  ومساواة !

  • والآن أنهيت ما في جعبتك؟!
  • ماذا تقصدين؟
  • كلانا نعلم، ولكن لا بأس،  نشرب الشاي ثم نبدأ، ودعيني أخبرك  فحديثي معك لن يرضيك، ولكنه سوف يؤثر فيك؛  لأني أعلم تمام  العلم  أن ما بداخلك  سحابة صيف جراء تشبعك بفكر ليس منك ولا يشبهك….
  • بكل الأحوال سوف أسمع وليس شرطا أن أوافق.
  • صدقيني يا سلمى بعد أن نتحدث، سوف تعلمين أنك منصفة أيّما إنصاف.
  • طيب.

كانت ( سلمى )  تقولها على مضض وهي تهز رأسها، وكأنها تريد الحكم على كلامي  قبل أن يبدأ، ولكن لأني أعرف شخصيتها الهشة التي اهتزت و  تداعت بسبب بعض المؤثرات، أعلم أيضا أنها باحثة عن الحقيقة ولهذا كنت منذ  فترة، الحديث معها بشأن أفكارها الغريبة التي لا تمثلها، ولا تمثل فكر أي فتاة مسلمة،

نظرت لوجهها، بابتسامة، وبدأت ..

  • لو قلت لك،  لدينا- قطار  وشجرة، ماذا يخطر ببالك؟     
  • لم أفهم، ما علاقة القطار بالشجرة، بحديثنا ؟!!
  • فقط أجيبي.
  • ليس من علاقة، فليس هناك أي شيء يربطهما ببعضهما، القطار شيء والشجرة شيء آخر .
  • جميل، لقد أجبت عن سؤال لطالما أرقك دون أن تري الحقيقة الما ثلة أمامك، وأنت تعاندين وتكابرين دون وعي.
  • لم أفهم!
  • من هذا المنطلق يا عزيزتي، أنت والرجل مخلوقان مختلفان، فلا يمكن لمختلفين أن يتساويا أبدا، فلكل ما خلقه الله عليه وفطره  ميسر.
  • ولكن هذا ليس… أقصد أننا جميعا بشر …، أنا مثله فما هو الفرق.
  • طيب، دعينا نتفق أولا، أن لا تتعنتي بالحديث، وأريد منك أن تفهمي ما أنوي قوله، ولا تصدري أحكاما مسبقة، وسوف أكمل.
  • نعم، حاضر، وهذه رشفة شاي، سوف أسمع وكلّي آذان صاغية، أليس هذا ما يقال؟.
  •  جزاك الله خيرا … نِعم الرد، الآن اتفقنا أن الرجل والمرأة  مخلوقان مختلفان تماما بالفطرة والخلقة، و من هنا نبدأ بالحديث عن المسؤوليات،  فنحن  نعلم أن الله خلق الذكر والأنثى وجعل لكل مسؤوليات جمة ملقاة على عاتقه، فالرجل مسؤول عنك، كأخت وابنه وزوجة وأم،  وجعل الله  واجب الرجل أولا حماية المرأة والقوامة عليها،  فالأب ينفق على ابنته، والأخ  مع الأب ينفق على أمه وأخته، والزوج مسؤول تمام المسؤولية بالإنفاق على عائلته و زوجه، دون أن تتدخل هي في الإنفاق  إلا تصدقا وعن طيب نفسن قال تعالى: ((وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحۡلَةٗۚ فَإِن طِبۡنَ لَكُمۡ عَن شَيۡءٖ مِّنۡهُ نَفۡسٗا فَكُلُوهُ هَنِيٓـٔٗا مَّرِيٓـٔٗI))[ النساء : 4]

وبينما كان الزوج والأب والأخ والابن،  مسؤولون مكلفون بات لزاما أن تكون الحصة في بعض الأحوال أكبر نظرا لعظم ما يتحملوه من تكاليف و مصاريف وأعباء، فإن أخذ الأخ الضعف، كان عليه الإنفاق على عائلته، فتصوري لو كنت زوجة هل تقبلين بأن يأخذ زوجك  نصف ما أخذت أخته، و أنى له الإنفاق هكذا، و أين العدل بأن تأخذ الابنة وهي ليست بالمنفقة أكثر من أخيها الضعف؟!!.

فهذا لا يستوي منطقيا فما بالك بالشريعة  الإسلامية، التي أمرنا الله بالأخذ بها جملة وتفصيلا، والتي تدخل  في الحياة  والمجتمعات فتعالجها وتقومها.

ودعيني أعود بالزمن لما قبل الإسلام وكيف كانت المرأة تعامل  في  الجاهلية، إذ كانت( شيء) بل إنها كانت تورَّث، تماما  كباقي  الميراث، حتى أنّ الرجل كان يرث زوجة أبيه فيتخذها له، وقد نزلت سورة النساء بأحكام الميراث، وهذه التي يعدّها  كل أعمى بصير ة  (جورا ) ، فتعالي معي نرى العدل  الإلهي في حق المرأة والتي أعطاها حقها حتى آخر  تفصيل في حياتها وليس فقط في الميراث، في قَوْله تَعَالَى: (( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 7]

وقال العلماء في الآية: ((فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: ‌قَالَ ‌قَتَادَةُ: ‌كَانَ ‌أَهْلُ ‌الْجَاهِلِيَّةِ ‌يَمْنَعُونَ ‌النِّسَاءَ الْمِيرَاثَ وَيَخُصُّونَ بِهِ الرِّجَالَ، حَتَّى كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ إذَا مَاتَ وَتَرَكَ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا وَقَرَابَةً كِبَارًا اسْتَبَدَّ بِالْمَالِ الْقَرَابَةُ الْكِبَارُ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ «رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ مَاتَ وَتَرَكَ وَلَدًا أَصَاغِرَ وَأَخًا كَبِيرًا، فَاسْتَبَدَّ بِمَالِهِ، فَرَفَعَ أَمَرَهُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ الْعَمُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ الْوَلَدَ صَغِيرٌ لَا يَرْكَبُ وَلَا يَكْسِبُ، فَنَزَلَتْ الْآيَةُ». وَكَانَ هَذَا مِنْ الْجَاهِلِيَّةِ تَصَرُّفًا بِجَهْلٍ عَظِيمٍ؛ فَإِنَّ الْوَرَثَةَ الصِّغَارَ الضِّعَافَ كَانُوا أَحَقَّ بِالْمَالِ مِنْ الْقَوِيِّ؛ فَعَكَسُوا الْحُكْمَ وَأَبْطَلُوا الْحِكْمَةَ؛ فَضَلُّوا بِأَهْوَائِهِمْ وَأَخْطَئُوا فِي آرَائِهِمْ))1

فانظري لعدل الله عز وجل وتكريمه لحق المرأة في الحصول على ميراثها، صغيرة وكبيرة،  لدرجة أن تنزل آيات من آجل ذلك، فأين الجور ؟!!، ودعيني أكمل ففي هذه الآية 19 من سورة النساء  تظهر لك ولكل مسلمة رحمة الله و عدله في خلقه، و عظمة تكريمه لنا معاشر النساء، ففي صحيح البخاري في سبب تنزيل   ((حدثنا محمد بن مقاتل: حدثنا أسباط بن محمد: حدثنا الشيباني، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ الشَّيْبَانِيُّ: وذكره أبو الحسن السوائي، ولا أظنه ذكره إلا عن ابن عباس: ((يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا ‌لا ‌يَحِلُّ ‌لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن)). قَالَ: كَانُوا إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ أَحَقَّ بِامْرَأَتِهِ، إِنْ شَاءَ، بَعْضُهُمْ تَزَوَّجَهَا، وَإِنْ شاؤوا زوجوها، وإن شاؤوا لم يزوجوها، فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ أَهْلِهَا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآية في ذلك.))2

  • هذا ظلم بحق المرأة، كيف يرثوا المرأة هكذا، وأين تكريم النفس التي خلقها الله لها الحقوق والواجبات،  الحمد لله أنّا مسلمات.
  • أحسنت يا عزيزتي، إذن أنا وإياك على الطريق الصحيح، طالما عرفت أن المرأة كانت مظلومة، والآن دعينا ننتقل إلى بيت القصيد، وهو ميراث المرأة في الإسلام، وهل هناك ظلما كما يدعي مرضى العلمانية والحداثة و أشباههم  من مرضى العقل والروح!.

نصف ثلث سدس  …!

والآن ننتقل لاعتراضك، لماذا لك النصف، ولكن هل حقيقة هذا هو   معنى الآية، :(( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا))[النساء: 11]

لقد  سولت لك نفسك وشياطين الإنس والجن، أن المراث هو ميرات النصف فقط، ولكن الآية فيها  أحكام أخرى غير حصة الابن والابنة، و نبدأ بأول حكم و فيما جاء من تفسيره:   ((قال أبو جعفر: وقد ذكر أن هذه الآية نـزلت على النبي صلى الله عليه وسلم، تبيينًا من الله الواجبَ من الحكم في ميراث من مات وخلّف ورثة، على ما بيَّن. لأن أهل الجاهلية كانوا لا يقسمون من ميراث الميت لأحد من ورثته بعده، ممن كان لا يلاقي العدوَّ ولا يقاتل في الحروب من صغار ولده، ولا للنساء منهم. وكانوا يخصون بذلك المقاتلة دون الذرية. فأخبر الله جل ثناؤه أن ما خلفه الميت بين من سَمَّى وفرض له ميراثًا في هذه الآية، وفي آخر هذه السورة، فقال في صغار ولد الميت وكبارهم وإناثهم: لهم ميراث أبيهم، إذا لم يكن له وارث غيرهم، للذكر مثل حظ الأنثيين)).3

وفي تفسير ابن رجب الحنبلي ((فهذا حكم اجتماع ذكورهم وإناثهم أنه يكون للذكر منهم مثل حظ الأنثيين، ويدخل في ذلك الأولاد، وأولاد البنين باتفاق العلماء، فمتى اجتمع من الأولاد إخوة وأخوات، اقتسموا الميراث على هذا الوجه عند الأكثرين، فلو كان هناك بنت للصلب أو ابنتان، وكان هناك ابن ابن مع أخته اقتسما الباقي أثلاثا، لدخولهم في هذا العموم . هذا قول جمهور العلماء، منهم عمر وعلي وزيد وابن عباس ، وذهب إليه عامة العلماء، والأئمة الأربعة . وذهب ابن مسعود إلى أن الباقي بعد استكمال بنات الصلب الثلثين، كله لابن الابن، ولا يعصب أخته، وهو قول علقمة وأبي ثور وأهل الظاهر، فلا يعصب عندهم الولد أخته إلا أن يكون لها فريضة لو انفردت عنه، فكذلك قالوا فيما إذاكان هناك بنت وأولاد ابن ذكور وإناث: إن الباقي لجميع ولد الابن، للذكر منهم مثل حظ الأنثيين))4

وهنا كما ترين كان التكريم بإعطاء الأنثى حق  في مال أبيها المتوفى، بعد أن لم يكن لها أي شيء، و  من المعلوم كما ذكرت لك أن من واجب الذكر الأخ الإنفاق على أخته فهي ليست مطالبة بشيء من مالها، فحين قسم الله الميراث،  هذا من فضله عز وجل، وهو العليم بكل حاجات خلقه، وبما يترتب على كل واحد منهم في هذه الحياة.ـ وفي هذا الحكم كان للابن مثل حظ أختيه، لأنه الموكل بهما، وعليه أيضا نفقة عائلته، أولاده وزوجته،

 وإذا كان هذا الحال، فمن الواضح والجلي أنه قد ينفق كل ماله، بين أسرته و أخواته وأمه، بينما لم تطالب المرأة بشيء، إلا إن رغبت، ! فأين هو الجور والظلم يا سلمى ؟!!ـ وكيف يرضى عاقلا أن يصف هذا بالجور وعدم الإنصاف!، ثم إن المساواة التي يتشدق بها هؤلاء المعاتيه، أظلم الظلم للمرأة لأنها سوف تنفق واجبا، فالمساواة هنا لن ترحمها، وهذا منتهى الحمق لكل أنثى تصدق بما ينطق المجانين، وما هدفهم إلا تشتيت الإناث وضياعهن وضياع بوصلتهن.

و قد رد للرافعي رحمه الله و طيب ثراه على أحدهم من (المتغربين) المستلبين5، والذي يدعو  لمساواة الميراث بين الرجل والمرأة، و هنا   اقتبس منه غيض من فيض كلام عذب  نطق بالحق بحجة وبلاغة: ((إن ميراث البنت في الشريعة الإسلامية لم يُقصد لذاته، بل هو مرتب على نظام الزواج فيها، وهو كعملية الطرح بعد عملية الجمع لإخراج نتيجة صحيحة من العملين معًا، فإذا وجب للمرأة أن تأخذ من ناحية وجب عليها أن تدع من ناحية تقابلها؛ وهذا الدين يقوم في أساسه على تربية أخلاقية عالية يُنشئ بها طباعًا ويُعدل بها طباعًا أخرى؛ فهو يربأ بالرجل أن يطمع في مال المرأة أو يكون عالة عليها؛ فمن ثَم أوجب عليه أن يَمْهَرَها وأن ينفق عليها وعلى أولادها، وأن يدع لها رأيها وعملها في أموالها، لا تُحد إرادتها بعمله ولا بأطماعه ولا بأهوائه؛ وكل ذلك لا يُقصد منه إلا أن ينشأ الرجل عاملًا كاسبًا معتمدًا على نفسه، مشاركًا في محيطه الذي يعيش فيه، قويًّا في أمانته، منزهًا في مطامعه، متهيئًا لمعالي الأمور، فإن الأخلاق -كما هو مقرر- يدعو بعضها إلى بعض، ويعين شيءٌ منها على شيء يماثله، ويدفع قويُّها ضعيفَها، ويأنف عاليها من سافلها؛ وقد قلنا إنه لا يجوز لمتكلم أن يتكلم في حكمة الدين الإسلامي إلا إذا كان قوي الخلق، فإن من لا يكون الشيء في طبعه لا يفهمه إلا فهمَ جدلٍ لا فهم اقتناع، للمرأة حق واجبٌ في مال زوجها، وليس للرجل مثل هذا الحق في مال زوجه؛ والإسلام يحث على الزواج، بل يفرضه؛ فهو بهذا يضيف إلى المرأة رجلًا ويعطيها به حقًّا جديدًا، فإن هي ساوت أخاها في الميراث مع هذه المِيزة التي انفردت بها انعدمت المساواة في الحقيقة، فتزيد وينقص؛ إذ لها حق الميراث وحق النفقة وليس له إلا مثل حقها في الميراث إذا تساويا….))6

و  لا غرو أن نقول: إن الحاقدين على الإسلام موجودون  ما وجدت البشرية، فكل ينعق بما لا يسمع ولا يفهم، ولكن هيهات هيهات، فإن الله كتب على هذا الدين الظهور على الدين كله،   وعصمه  و حفظه،  فقد رضيه لنا ورضيناه لأنفسنا مسلمين طائعين، قال تعالى ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ))[ آل عمران: 3].

ثم دعينا نرى الحكم الثاني في الآية وهي عندما تكون أكثر من أنثى وانظري لعدل الله عز وجل حيث ذكر في تفسيره  (حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ” يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثلُ حظ الأنثيين “، كان أهل الجاهلية لا يورِّثون الجواريَ ولا الصغارَ من الغلمان، لا يرث الرجل من ولده إلا من أطاق القتال، فمات عبد الرحمن أخو حسان الشاعر، وترك امرأة يقال لها أم كجَّة، وترك خمس أخواتٍ، فجاءت الورثة يأخذون ماله، فشكت أم كجَّة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنـزل الله تبارك وتعالى هذه الآية: فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ = ثم قال في أم كجة: وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ))7

((ثم قال تعالى: فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف فهذا حكم انفراد الإناث من الأولاد أن للواحدة النصف، ولما فوق الاثنتين الثلثان، ويدخل في ذلك بنات الصلب وبنات الابن عند عدمهن، فإن اجتمعن، فإن استكمل بنات الصلب الثلثين، فلا شيء لبنات الابن المنفردات، وإن لم يستكمل البنات الثلثين، بل كان ولد الصلب بنتا واحدة، ومعها بنات ابن، فللبنت النصف، ولبنات الابن السدس تكملة الثلثين، لئلا يزيد فرض البنات على الثلثين ، وبهذا قضى النبي – صلى الله عليه وسلم – في حديث ابن مسعود الذي تقدم ذكره، وهو قول عامة العلماء، إلا ما روي عن أبي مسعود وسلمان بن ربيعة أنه لا شيء لبنت الابن، وقد رجع أبو موسى إلى قول ابن مسعود لما بلغه قوله في ذلك.))8

((قال أبو جعفر: يعني بقوله: ” فإن كن “، فإن كان المتروكات =” نساء فوق اثنتين “، ويعني بقوله: ” نساءً”، بنات الميت،” فوق اثنتين “، يقول: أكثر في العدد من اثنتين =” فلهن ثلثا ما ترك “، يقول: فلبناته الثلثان مما ترك بعده من ميراثه، دون سائر ورثته، إذا لم يكن الميت خلّف ولدًا ذكرًا معهن.))9

 ((وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وأما “ميراث البنتين” فقد قال تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف)؛ فدل القرآن على أن البنت لها مع أخيها الذكر: الثلث، ولها وحدها النصف، ولِما فوق اثنتين: الثلثان. بقيت البنت إذا كان لها مع الذكر الثلث لا الربع، فأن يكون لها مع الأنثى الثلث لا الربع أولى وأحرى.

ولأنه قال: (وإن كانت واحدة فلها النصف) فقيد النصف بكونها واحدة؛ فدل بمفهومه على أنه لا يكون لها إلا مع هذا الوصف؛ بخلاف قوله: (فإن كن نساء) ذكر ضمير (كن) و (ونساء)، وذلك جمع، لم يمكن أن يقال: اثنتين؛ لأن ضمير الجمع لا يختص باثنتين؛ ولأن الحكم لا يختص باثنتين، فلزم أن يقال: (فوق اثنتين) لأنه قد عُرف حكم الثنتين؛ وعرف حكم الواحدة، وإذا كانت واحدة، فلها النصف، ولما فوق الثنتين الثلثان: امتنع أن يكون للبنتين أكثر من الثلثين، فلا يكون لهما جميع المال لكل واحدة النصف، فإن الثلاث ليس لهن إلا الثلثان؛ فكيف الاثنتين، ولا يكفيها النصف لأنه لها بشرط أن تكون واحدة، فلا يكون لها إذا لم تكن واحدة))10

وبعد أن أنهينا ما للبنت تعالي و انظري كيف جعل الله للأم نصيب مماترك ابنها المتوفى، فكما أمره الله ورسوله ببرها في الحياة الدنيا، هاهي ترث من ماله، مرة السدس ومرة الثلث ففي نفس الآية قال تعالى ((وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ)) والأم لها حالات كما ترين ((فترث السدس في حالتين: أولاهما: إذا وجد للميت فرع وارث: ابن أو بنت أو ابن ابن أو بنت ابن وإن نزل، فإذا وجد فرع وارث كان للأم السدس ، وثانيهما: إذا وجد للميت جمع من الإخوة أو الأخوات أخوان فأكثر أو أختان فأكثر أو أخ وأخت .

وترث الثلث إذا لم يوجد للميت فرع وارث ولا جمع من الإخوة، وترث ثلث الباقي إذا لم يوجد للميت فرع وارث ولا جمع من الإخوة، ووجد أحد الزوجين. فيأخذ الزوج فرضه وتأخذ هي ثلث ما بقي، والباقي للأب))11

الحكم واضح فالأم هنا ترث مثل الأب، أي نفس المقدار من التركة، و لو  لاحظنا بعين الحقيقة  ما يكذب به الحاقدين على ديننا الحنيف، ورأينا   كيف يتعامل هؤلاء مع أمهاتهم، لرأينا العجب في حالة الفصام التي يعانون منها، فليس هناك أي حق للأم في ميراث ولدها، كما أن أغلب الأمهات عندما يبلغن الكبر يكون مصيرهن دور الرعاية والتي هي بالأصل ( بلا رعاية )، وكأننا نسمع الحكمة من أفواه المجانين، بل الشياطين،   فنأخذ الكلام  والجعير والعويل، دون تحليل ولا تفسير ،  فنتلقفه ونتبناه أيضا، فيال حال هذه الأمة إن كانت بناتها ونساؤها مغيبات عن حقيقة ما ينسج لهن!.

وما أجده يوضح حالة الاستلاب الذي نعيشه هو من يطالب بتصحيح أحكام المواريث ، فينادون بنبذ حكم الله، ليشتروا أحكاما وضعية من البشر ، وهذا ما يذكرني باليهود، الذين يأخذون ما يعجبهم ويتركون ما لا يوافق الهوى عندهم، فأي ضياع أكثر من هذا يا سلمى!.

ثم تعالي وتبيني كيف هناك حالات ترث فيها المرأة أكثر من الرجل وهي كثيرة  فمثلا :  

  1. لو مات وترك بنتاً وأماً وأباً؛ فالبنت ترث النصف، وللأم السدس، وللأب الباقي تعصيباً، فالبنت هنا ورثت أكثر من الأب.
  2. لو ماتت وتركت بنتاً وزوجاً وأباً، فللبنت النصف، وللزوج الربع، والباقي للأب؛ وهنا البنت ورثت أكثر من الزوج ومن الأب، وهي أنثى،
  3. مات وترك بنتاً وبنت ابن وأماً وأباً، للبنت النصف، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين، وللأب الباقي تعصيباً،
  4. مات عن بنت وابن ابن وأم، للبنت النصف، وللأم السدس، ولابن الابن الباقي تعصيباً،
  5. مات عن زوجة وبنت وأخ، للزوجة الثمن، وللبنت النصف، والباقي للأخ.
  6. ماتت عن زوج وأم وجد وأخوة لأم وأخوة لأب،للزوج النصف، ولكل من الأم والجد السدس والباقي للأخوة لأب، والأخوة لأم محجوبون، فالأم ورثت أكثر من نصيب الواحد من الأخوة لأب، (٧) مات عن أخت وأم وجد، للأخت النصف وللأم الثلث والسدس الباقي للجد….))12

هذا ونحن لم نخض في  نصيب الزوجة من زوجها، و  الأخت من أخيها في الكلالة، وحالات كثيرة أخرى، فهل هذا كاف، أم  مازلت تريدين أن تتساوي مع إخوتك في الميراث؟!!

لا أجد ما أقول، دعيني فقط أفكر بكل ما مر من حديثك وتلك الآيات العظيمة لله عزو وجل، صراحة  لقد أصابني الذهول، لم يكن لدي أدنى علم ولا دراية عن أحكام المواريث، وأنها معقدة كل هذا التعقيد، ومفصلة كل هذا التفصيل، و لم أكن أعلم أصلا أن هناك حالات ترث فيها المرأة أكثر من الرجل!، كم كنت مغيبة، وأنا لا أقول هذا كردة فعل، بل أكاد أجزم أن كثير من النساء والفتيات، لا يعرفن الحكمة من جعل ميراث البنت نصف ميراث الابن ، وأن هذه رحمة من الله، لأنها عير مكلفة بأي إنفاق.

حمدا لله، ظهر الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا، قال تعالى ((بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ))[الأنبياء: 18]

كم كرمنا هذا الدين،  صدق الله وكذب الشياطين، من يخربون العقول، ويتسببون في هدم الأسرة المسلمة  وتشتتها،  ولكن أقول يا عزيزتي: أن من يعتصم بالله ودينه  يقوي الله نفسه و عزيمته، ويبعده عن كيد هؤلاء، فالمسلم مطالب بالعلم والمعرفة والبحث عن الحق، وأنا أطالبك يا صديقتي بالبحث و التدقيق، فلا تكوني وغيرك لقمة سائغة، بل المسلمة التي كرمها الله بدينه، و دائما ما يقع  هؤلاء بكيدهم فيبين الله الحق ولو كرهوا.

  • جزاك الله خيرا، والله أشعر بأني أفقت من غيبوبة، الحمدلله الحمدلله…
  •  وأنا أزيد أن الحمدلله حمدا يوازي نعمه ويكافئ مزيده، و  الذي هيأ لنا سبل الحق، ليميز الخبيث من الطيب، أسال الله أن يعيد لهذه الأمة عزتها، ويعيدنا  للحق  فكلنا خطاء،  وخير  الخطائين التوابون.
  1.  أحكام القرآن ، المؤلف: القاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي المعافري الاشبيلي المالكي (ت 543هـ) راجع أصوله وخرج أحاديثه وعلَّق عليه: محمد عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان
    الطبعة: الثالثة، 1424 هـ – 2003 م، الجزء 1- صفحة 426 ↩︎
  2. «صحيح البخاري» (4/ 1670) ↩︎
  3. جامعة الملك سعود – المصحف الإلكتروني – تفسير الطبري – صفحة 78 – آية 11. ↩︎
  4. تفسير ابن رجب ،( ابن رجب الحنبلي – عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي) الجزء 1 الصفحة 281 ↩︎
  5. ((سلامة موسى القبطي المصري (1304-1378هـ = 1887-1958م): كاتب مضطرب الاتجاه والتفكير. ولد في قرية كفر العفي بقرب الزقازيق. وتعلم بالزقازيق وباريس ولندن. ودعا إلى الفرعونية. وشارك في تأسيس حزب اشتراكي، لم يلبث أن حله الإنجليز واعتقلوه وسجنوه مدة. وجحد الديانات في شبابه، وعاد إلى الكنيسة في سن الأربعين… وقام بحملة على الصحافة اللبنانية بمصر، فنشرت “دار الهلال” رسائل بخطه تثبت أنه كان عينًا عليها لحكومة صدقي… وكان كثير التجني على كتب التراث العربي، يناصر بدعة الكتابة بالحرف اللاتيني» ا.هـ. ↩︎
  6. الألوكة الشرعية – حق النساء في الميراث، والحكمة من جعل نصيب المرأة نصف نصيب الرجل ↩︎
  7.  تفسير الطبري سابق ↩︎
  8. تفسير ابن رجب الحنبلي سابق ↩︎
  9. تفسير الطبري سابق ↩︎
  10. الإسلام سؤال وجواب – محمد صالح المنجد ↩︎
  11. إسلام ويب ↩︎
  12. كتاب تفنيد الشبهات حول ميراث المرأة في الإسلام، [أبو عاصم البركاتي] صفحة 55-56 ↩︎

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة