“لمَ لا نصنع أنمي عربيًا خاصًا بنا؟”
ينتشر بين الناس الترويج لفكرة صنع أنمي عربي يعكس الثقافة العربية والإسلامية؛ فيقولون: لمَ “لا نصنع أنيميشن مشابهًا للأنمي الياباني، يعرض أفكارًا من ثقافتنا، وعروبتنا، وإسلامنا؛ ليكون بديلًا عن الأنمي الياباني والأجنبي، وغيره!”
إن غالبية من يروِّجون لهذه الفكرة يظنون أنه لا عوائق لذلك، إلا ماهية صناعة هذا الأنمي، والمؤسسات التي ستدعم المشروع؛ فنقول -وبالله التوفيق-:
- أولًا: هل نحتاج إلىٰ صنع أنمي عربي إسلامي؟
= كانت لصناعة الإنمي غاياتٌ شتّى، فلم تقتصر علىٰ المكاسب المادية فحسب، بل تعدَّتها إلىٰ غايةٍ أعمق: طمس صفحات التاريخ المظلم، وتلميع صورة البلاد التي أنتجته في أنظار العالم.’¹’
فلمَ قد تحتاج أمتنا إلىٰ مثل هذه الصناعة، وهي التي يزخر تاريخها بالمجد والشرف، ويفيض بالإيمان والعزّة والفتوحات، والأهم من ذلك ما تمتاز به من سوية نفسية متوازنة بين الأفراد والجماعات؟! - ثانيًا: التشبُّه بالكفار:
= جاء في النصوص الشرعية نهي صريح عن التشبُّه بالكفار وأَمْرٌ بالتشبُّه بالمؤمنين، ومن ذلك الحديث الذي رواه الإمام أحمد: عن أبي واقد الليثي أن رسول الله -ﷺ- لما خرج إلىٰ حُنين مرَّ بشجرة للمشركين يُقال لها ذات أنواط، يعلِّقون عليها أسلحتهم، فقالوا: “يا رسول الله! اجعل لنا ذات أنواط، كما لهم ذات أنواط.”
فقال النبي ﷺ: «سبحان الله، هذا كما قال قوم موسىٰ: ﴿اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة﴾، والذي نفسي بيده لتركبُنَّ سُنَنَ من كان قبلكم!» اهـ.
ولا ريب أن الدعوة إلىٰ صنع أنمي عربي يشابه الأنمي الياباني (الذي يعجُّ بالكفر والشرك والسحر) تندرج تحت التشبُّه المحرَّم.قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: “اعلم أن التشبُّه بالكفار يكون بمجرد عمل ما يعملون، قصد المشابهة أو لا.” اهـ.
وقد بيَّن العلماء أن بعض التشبُّه في الصناعات مما يفيد الناس لا يدخل في هذا النهي، إلا أن صناعة الأنمي غير داخلة في هذا الاستثناء؛ ففيها الكثير من المخالفات الشرعية، ومن أخطرها:
- ١- تعظيم صور الصالحين:
فكرة رسم وتصوير وتحريك شخصيات عربية مسلمة، مثل الصحابة ومن تبعهم؛ لعرض قصصهم؛ بهدف انتفاع الناس، علىٰ عِظَم وجمال القصد الحسن من ذلك، إلا أن تقديمها بهذه الطريقة يعد محرَّمًا؛ لأنها تفتح الباب للشرك بالله تعالىٰ.
قال تعالى: ﴿وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ (نوح: 23).
قال ابن عباس: “هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أَوحىٰ الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلىٰ مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًا، وسمُّوها بأسمائهم؛ ففعلوا، فلم تُعْبد، حتىٰ إذا هلك أولئك وتنسَّخ العلم عُبدت.”
[رواه البخاري، 4920].
فكان مبتدأ الشرك: صنع صور للصالحين، ثم الغلو فيها شيئًا فشيئًا حتىٰ تُعبد، قال رسول الله ﷺ: “لا تُطروني كما أطرتِ النصارىٰ ابنَ مريمَ، إنما أنا عبدٌ، فقولوا: عبدُ اللهِ ورسولُه”.
الغلو، والمدح المجاوز للحد الذي يرضاه الله تعالىٰ، وهذا ما فعله قوم نوح، والنصارىٰ والرافضة، والصوفية، وغيرهم من أهل البدع. فمع تتابع الأجيال، لن يفرق الناس بين هذه الشخصيات العظيمة، وبين ما كانت تدعو إليه؛ ولهذا نُهي عن صنع الصور، والتماثيل، وغيرها من أشكال الغلو؛ لسد ذرائع الشرك.
- ٢- هدم أعظم ركائز الدين:
وهو الإيمان بالغيبيات؛ عبر تعويد الأطفال علىٰ مشاهدة الرسوم المتحركة “المصنوعة”؛ لتلقينهم العلم والإيمان، الذي هو أعظم العلوم وأشرف الغايات؛ فيولِّد ذلك زيادة النزعة المادية، وتعليق الإيمان علىٰ المشاهدة والنظر؛ فلا يؤمن الطفل بالشيء الذي لم يره كما يؤمن بالشيء الذي رآه، وهذا خلاف ما رُبي عليه التابعون الفاتحون ومن تبعهم!
روىٰ الحاكم، عن عبد الرحمن بن يزيد قال:
“ذكروا عند عبد الله أصحاب محمد ﷺ وإيمانهم، فقال عبد الله: “إن أمر محمد كان بينًا لمن رآه، والذي لا إله غيره ما آمن مؤمن أفضل من إيمانٍ بغيب”.ثم قرأ: ﴿الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين﴾ إلىٰ قوله تعالىٰ: ﴿الذين يؤمنون بالغيب﴾” اهـ.
والإيمان بالغيب مرتبط بكل باب من أبواب الشريعة، وهذه الطريقة الفاسدة في التربية والتعليم لا تظهر آثارها إلا بعد أن يكبر الطفل؛ فيواجه إشكاليات في دينه وإيمانه، مثل عدم الإيمان بما لا يستطيع تخيله.
- ٣- تحريم رسم ذوات الأرواح:
فهل نتغاضىٰ عن النصوص الشرعية التي جاءت في هذا الشأن؛ لننافس القوم في فسادهم بحجة “بدائل”؟ ‘²’
- ٤- الاختلاط، والموسيقىٰ، وتحريف التاريخ:
غالبية الأعمال العربية -غير الرسوم المتحركة- التي تعرض شيئًا من التاريخ الإسلامي دلِّس فيها؛ فيُركَّز علىٰ الأحداث التي يستحسنها المخرج، وتقبلها المؤسسة الراعية بما يخدم مصالحها العلمانية أو الليبرالية، حتىٰ وإن كانت منكرة أو مكذوبة.
فهل ستسلم هذه الأنميات “الجديدة” من تحريف تاريخ أهل القرون الأولىٰ؟
هل ستسلم من الاختلاط المحرَّم -قطعًا- في استوديوهات العمل، أو في قصة العمل ذاته؟
وكذا الموسيقىٰ؟
إن هذه المخالفات الشرعية التي يتساهل بها الناس- كافية لإلغاء الفكرة من أساسها والتحذير منها، فكيف وقد جمعت ما هو أعظم وأخطر؟
- ٥- إهمال مصادر تلقي العلم والمعرفة
يتجلَّى إهمال أحد أعظم ما تتميز به الأمة الإسلامية: الإسناد، الذي عده ابن قتيبة من دلائل النبوة.
قال رحمه الله: “وليس لأمة من الأمم إسناد كإسنادهم رجل عن رجل، وثقة عن ثقة عن ثقة، حتىٰ يبلغ بذلك رسول الله ﷺ وصحابته، يبيِّن الصحيح والسقيم، والمنقطع والسليم”.
فيتحوَّل الناس إلىٰ الاعتماد على الأنميشن في استقاء المعلومات والتفقه، بدلًا من الرجوع إلىٰ العلماء، أو قراءة كتب الحديث والفقه.
وكما اعتمدت فئة من الشباب واليافعين سابقًا علىٰ الأنمي الياباني كمصدر للثقافة والمعلومات، قد يتكرر الأمر مع الأنمي الإسلامي المقترح.
فأقول: لمَ أُجهد نفسي بالتعلُّم من الشيوخ، أو قراءة الكتب القصار والطوال، أو بذل الجهد لتحصيل معلومة، بينما يمكنني معرفتها من خلال متابعة أنميشن بصور حية، وبكل متعة؟
والحال أنها لم تكن مجرد فكرة عابرة؛ فقد صنعوا بالفعل نماذج أنيميشن عربية، ولم تسلم أي منها من المخالفات التي سبق ذكرها.
بل إن هذه النماذج إما احتوت علىٰ جميع هذه المخالفات، أو وقع بعضها في عدد منها.
وأبرز تلك الأنميات وأشهرها، والتي سنتناولها علىٰ سبيل المثال لا الحصر: أنمي “سر الكهف”، وفيلم “الرحلة”.
الأول يُعرض منذ سنوات علىٰ شاشات التلفاز العربية؛ مستهدفًا الجيل الناشئ.
أنمي “سر الكهف”:
تنطلق أحداث هذا الأنمي عندما تجد البطلة حجرًا كريمًا في كهف؛ لتنطلق مع أصدقائها اليافعين -ذكورًا وإناثًا- في مغامرات مختلطة، يظهر خلالها تجاوزٌ للقيم الإسلامية التي ينبغي أن تُرسَّخ في نفوس هذه الفئة العمرية، مثل:
- غياب الحجاب الشرعي.
- الاختلاط بين الجنسين.
- حوارات تعزز أفكارًا مغلوطة، مثل تصوير الصداقة بين الفتىٰ والفتاة كأمر طبيعي.
- الموسيقى التشويقية التي تُرافق الأحداث، فضلًا عن موسيقىٰ الشارة.
- رسم ذوات الأرواح؛ بما يثير خلافًا شرعيًا معتبرًا.
ولأننا اعتدنا علىٰ ما هو أسوأ من ذلك؛ قد يستخف كثير من الناس بهذه المعاصي العظيمة، لكن يجب أن نذكر أن الصغائر إذا ما استهين بها- يُخشىٰ أن تكون كبائر بحق فاعلها المستهين بها، فكيف بمن يرضىٰ بها ويروج لها؟
وكيف بمن يتجاهل النصوص الشرعية؛ ليستحل الحرام؛ بحجة الخلافات الفقهية!
القصة ومآخذها العقدية:
قصة هذا الأنمي تبدأ عندما ينطلق أبطاله للبحث عن أثمن الأحجار الكريمة علىٰ الأرض؛ من خلال هذا الكهف؛ فيدخلون إلىٰ عالم، ويخرجون منه إلىٰ آخر، تمامًا كفكرة السفر عبر الزمن في الأفلام الهوليدية، والأنميات اليابانية، وغيرها علىٰ حد سواء؛ فينتقل أبطال المسلسل إلىٰ العصور البائدة، كالفراعنة، وعصر الديناصورات وغيره؛ وهذه الفكرة بحد ذاتها من الطوام التي يجهلها أغلب الناس، الزمن هو من خلق الله، وهو من الغيبيات التي لا يمكن للناس التدخل فيها أو تجاوزها.
ولعل أهم ما يتعلق بالعقيدة منها:
- القدرة على التحكم بالزمن تخص الله وحده ، لا يمكن للناس أن يغيروا أحداث الماضي أو يتحكموا بالمستقبل، لتعارض ذلك مع عقيدة القضاء والقدر.
قال الله تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر: 49].
فالتلاعب بالزمن، كما يظهر في أفكار “السفر عبر الزمن”، يتناقض مع هذه العقيدة لأنه يوحي بقدرة الإنسان على تجاوز إرادة الله وتغيير ما قدره.
- الغيب من اختصاص الله وحده: المستقبل والماضي كلاهما جزء من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله.
قال تعالى:﴿قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [النمل: 65].
والسفر عبر الزمن يتضمن ادعاءً لمعرفة الغيب، وهو أمر محرم ومخالف للعقيدة.
- التلاعب بالماضي يناقض حكمة الله: الماضي هو جزء من الحكمة الإلهية، وأحداثه جرت وفق قضاء الله، ففكرة التلاعب فيه تتضمن التقليل من شأن حكمة الله وكمال عدله.
قال الله تعالى: ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا﴾ [الأحزاب:٣٨].
وبما أن هناك أحجارًا كريمة؛ فلا بد أن يدسوا شركياتهم، كالاعتقاد أن هذه الأحجار تضر وتنفع، ولكن ذلك لا يكفي لإثارة التشويق في نفوس المتابعين؛ فيعرض المسلسل عدة أفكار مضللة عن السحر والسحرة؛ تهوي بأصحابها إلىٰ الشرك والنار؛ حيث تناولت حلقة واحدة من هذا المسلسل عدة حوارات شركية، منها:
- “أيها النجم الأكبر ألقي عليهم تعوذيتك لإبطال السحر”.
وهذا إبطال للسحر بسحر، وهو محرم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “والمسلمون وإن تنازعوا في جواز التَّداوي بالمحرَّمات؛ كالميتة والخنزير؛ فلا يتنازعون في أنَّ الكفر والشِّرْك لا يجوز التداوي به بحال”.
- وقالوا: “حجر العقيق يستخدم للحماية من العواصف، والبرق، والسحر الأسود”.
فنذكر قول الشيخ محمد صالح المنجد في الرد على هذا المعتقد:
“فقد سبق الحديث عن شيءٍ ممَّا يتعلَّق بمزاعم العلاج بالأحجار والكريستال، وذكرنا بعض ما يعتقده القوم في تلك الأحجار من خصائص طاقيَّةٍ -نسبةً إلىٰ الطَّاقة- وروحانيةٍ وقوةٍ شفائيةٍ، وبيان بطلان ذلك، وذكرنا أنَّ هذه العلاجات والاستعانات بتلك الأحجار داخلةٌ في الشِّرك من وجوهٍ، وأنَّه قد يكون شركًا أكبر أو شركًا أصغر؛ بحسب اعتقاد صاحبه، وأنَّه يدخل في الشِّرك أيضاً من خلال الفلسفة التي تقوم عليها هذه العلاجات بالأحجار التي يسمُّونها كريمةً، ورُبَّما نسيمِّها نفيسةً -مثلًا- لارتفاع ثمنها، أو ندرتها ونحو ذلك؛ فيقولون إنَّ فيها طاقةً كونيَّةً حيويةً، وشكرات، واتصال بالكُلِّي، وعرفنا أنَّ الكُلِّي عندهم هو ما يعطونه صفة الرُّبوبية، وأنَّ هذا من الشِّرك في الرُّبوبية والانحراف في فهم الكون، وكذلك الاعتماد علىٰ مبدأ وحدة الوجود الكفري المخرج عن الملَّة، وغير ذلك من العقائد الباطلة، وبيَّنا أنَّه يدخل في الشِّرك من باب تعليق التَّمائم، وقد قال عليه الصَّلاة والسَّلام: «من علَّق تميمةً فقد أشرك»” اهـ.1
أما فيلم “الرحلة”:
فالإضافة إلىٰ المخالفات الشرعية التي احتواها؛ فقد تضمن قلبًا وتضليلًا للحقائق التاريخية، والروايات المرتبطة بحادثة أبرهة وجيشه، وتحريفًا لمعجزات الأنبياء، مع تضليل الناس بشأن حال العرب آنذاك وعبادتهم للأوثان؛ محاولًا تحسين صورة الجاهلية وتعظيم أمرها.’³’
إلا أن محاولات الفلترة لأحوال الجاهلية وطمس الأوثان والشرك المنتشر آنذاك لم تنجح تمامًا في ستر كفرهم؛ ففي أحد الحوارات، تقول هند لزوجها أوس لتواسيه علىٰ ماضيه السيء: “أنا واثقة أن الله غفر ذنوبك يا أوس؛ ألا ترىٰ أن هناء عيشنا دليل علىٰ ذلك!”
فيشكرها أوس علىٰ كلامها.
تسللت كلماتها الرقيقة إلىٰ قلوب المتابعين، كما تسللت إلىٰ قلب أوس في الفيلم، وهو ما أراده المخرج من بث معتقدهم الدنيوي الباطل، فهي تستدل علىٰ محبة الله للعبد وغفرانه للذنوب، بهناء العيش وطِيبه!
وهذا مردود بنص كتاب الله، قال تعالىٰ: ﴿ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقىٰ﴾ [سُورَةُ طه: ١٣١].
بل الترف فتنة، وأكثر الطغاة كانوا مترفين، وأفضل خلق الله وأحبهم إليه -وهم أنبياءه- لم يكونوا كذلك، فالله يعطي الدنيا للبر والفاجر.
الترويج غير المباشر للمعتقدات الباطلة:
قد يقول قائل: هم نقلوا شيئًا من التاريخ -شرك قريش- فقط، ليس بالضرورة قصدهم الترويج لذلك.
ولكننا نقول: القصة المختلقة من بدايتها إلىٰ نهايتها تصور فئتين؛ فئة مظلومة أخيار، وفئة معتدية أشرار؛ لذا، فإن إظهار أي أفكار كفرية أو غير كفرية لدىٰ إحدىٰ الفئتين- يجعل المتابعين، وخصوصًا النشء، يحببون هذه الأفكار أو يكرهونها بحسب السياق الذي عُرضت فيه.
وهذا الأسلوب أقبح وأخطر من الترويج الصريح؛ لأن الترويج الصريح للكفر يُرفض مباشرة، أما الترويج بهذه الطريقة المغلفة بمسحة قومية جاهلية فإنه يُقْبَل دون وعي؛ فهم يظهرون كأخيار يتصفون بالشجاعة والفضيلة؛ مما يدفع الناس للتغاضي عن عقائدهم.
التصوير الجسدي الخاطئ للفارس العربي:
كذلك يعمدون إلىٰ إنشاء صور معينة مدروسة لشخصية الفارس العربي الشجاع؛ فيصورونه مفتول العضلات، حسن الوجه، في مقابل السمين الذي يظهرونه ذا عقل صغير، لا فائدة منه، ولا يهمه شيئًا سوىٰ الأكل والشراب، وضعفاء البنية بشخصيات هزيلة، كعظامهم!
وهذا خاطئ تمامًا؛ ففي الإسلام: أكمل الرجال هم أكملهم إيمانًا، سواء أكانوا نحيفي البنية أم عظامها، فبحسب قوة إيمان الرجل يكون شجاعًا مقدامًا في المعارك والحروب.
- أمثلة من التاريخ الإسلامي تفند تلك الصور:
فأبو بكر الصديق -رضي الله عنه- ثاني اثنين، وخليفة رسول الله ﷺ، وأكمل الرجال بعد الأنبياء، والذي قاد الحروب علىٰ أهل الردة طوال فترة خلافته- لم يكن عظيم البنية الجسدية، بل يُروىٰ عكس ذلك، قالت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- في الطبقات لابن سعد: “أن رجلًا قال لها: صفي لنا أبا بكر؛ فقالت: رجل أبيض، نحيف، خفيف العارضين”.
وعبد الله ابن مسعود، المجاهد الشجاع، الفقيه العالم- كان رجلًا نحيفًا، قصير القامة، ويقال أنّ رجليه كانتا دقيقتين جدًا، ومِن ذلك روي أنّه كان يتسلّق شجرة النخيل؛ لإحضار التمر إلىٰ النبي، فانكشفت رجلاه، فضحك بعض الصحابة من دقّتها؛ فنهاهم النبي -ﷺ- وقال: ” … لَرِجْلُ عَبْدِ اللَّهِ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أُحُدٍ “.(٤)
وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- الحكيم، رابع الخلفاء الراشدين، ملجم الخوارج المعتدين- كان عظيم البطن، رَوىٰ الإمام أحمد في فضائل الصحابة: “عن أبي سعد التيمي قال: كنا نبيع الثياب علىٰ عواتقنا ونحن غلمان في السوق؛ فإذا رأينا عليًا قد أقبل قلنا: بوذا شكنب فقال علي: ما يقولون؟ فقيل له: يقولون: عظيم البطن، قال: أجل، أعلاه عِلم، وأسفله طعام.”
- التفاضل الحقيقي في الإسلام:
فيتفاضل الرجال بالإيمان، لا بالبنية الجسدية، ولا بالوجه الحسن، ولا بالنسب الشريف؛ فإن كانت كلها مجتمعة دون الإيمان لما كان أبو لهب -شريف النسب، وضيء الوجه- أبا لهب، ولا أبو جهل -شريف النسب- أبي جهل!
وهذا المسلك الدقيق يجب أن لا يُغفل عنه إيمانيًا وتربويًا، في ظل هذا التطور المرعب؛ في تحسين الصور وتجميلها، لدرجة تجعل الإنسان سَوي الخلقة يشك في ذلك!
فهذا شيء من تجربة العرب في صناعة الأنميات، وإلا فالأمثلة كثيرة، لكننا نكتفي بذكر ما أَثَّر بوضوح علىٰ الأطفال والشباب، والله المستعان.
(٤)رواه أحمد في مسنده/ ٩٢٠