الانتفاع بالقرآن

قاعدة مهمة لمن أراد الانتفاع بالقرآن وتدبره وفهمه، قد ذكرها الله عز وجل في كتابه، فقال سبحانه: ﴿إِنَّ في ذلِكَ لَذِكرى لِمَن كانَ لَهُ قَلبٌ أَو أَلقَى السَّمعَ وَهُوَ شَهيدٌ﴾ [ق: ٣٧]. وفي الآية بيان لكفية الانتفاع بالقرآن، بإثبات شيئين ونفي ضدهما. 

أولاً: {إِنَّ في ذلِكَ لَذِكرى لِمَن كانَ لَهُ قَلبٌ}.

أي أن القلب الحي هو الذي يعقل آيات الله، وحياة القلب تقتضي صفائه ونقائه، وذلك إذا ورد عليه شيء من آيات الله تذكر وانتفع. 

ونفي ضده بأن يكون القلب مليئ بالران والنقاط السوداء من الذنوب؛ كما قال النبي ﷺ: “إن العبدَ إذا أخطأ خطيئةُ نُكِتتْ في قلبهِ نُكتةً سوداءَ فإذا هو نزعَ واستغفرَ وتابَ سُقلَ قلبهُ وإن عادَ زيدَ فيها حتى تعلو قلبهُ وهو الرانُ الذي ذكرَ اللهُ كَلّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ”. فمن كان هذا حال قلبه؛ فإن تأثره بالقرآن يضعف، فالقلب هو المكان القابل للتأثر، فإذا كان ليسَ صافٍ وبه ما به من الشوائب من حقد وغل وحسد وغيرها، ومِن تعلق بالأغاني وحب سماعها؛ فإنَّ ذلك يضاد تأثير القرآن بالقلب والنفس. فسماع القرآن وسماع الأغاني في القلب لا يجتمعان، وإرادة الحق مع اتباع الهوى في النفس لا يصلحان.

فكما كان الأساس حياة القلب؛ فضده موته، والذنوب تميت القلب كما ذكر ابن القيم فقال: (والذنوب للقلب بمنزلة السموم، إن لم تهلكه أضعفته ولا بُدَّ، وإذا ضعفت قوته لم يقدر على مقاومة الأمراض قال طبيب القلوب عبدالله بن المبارك : «رأيت الذنوب تميت القلوب») [زاد المعاد (186/4)]. وأما علاج ذلك بالاستغفار والتوبة كما ذكر نبينا ﷺ بالحديث.

ثانياً: {أَو أَلقَى السَّمعَ وَهُوَ شَهيدٌ}.

أي ألقى سمعه إلى آيات الله وهو شهيد أي حاضر القلب. 

ونفي ضده بسهو القلب وغيابه عن تعقل كلام الله وفهم معانيه، وهذا السهو علاجه اليقظة والتذكر؛ أما أعراض القلب عما أنزله الله من الحق لأجل اتباع الهوى، فمن وجد بنفسه هذا الإعراض؛ فلن يتأثر بالقرآن ولن يهتدي به؛ لأن قلبه ليسَ مهيأ ومزكى لقبول هذا الحق واتباعه.

وقد وردت آيات كثير في الإعراض، ومما وقفت عليه آية: ﴿وَمَن أَظلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعرَضَ عَنها وَنَسِيَ ما قَدَّمَت يَداهُ إِنّا جَعَلنا عَلى قُلوبِهِم أَكِنَّةً أَن يَفقَهوهُ وَفي آذانِهِم وَقرًا وَإِن تَدعُهُم إِلَى الهُدى فَلَن يَهتَدوا إِذًا أَبَدًا﴾ [الكهف: ٥٧].

أي أن من أعرض عن آيات الله بعد بيان الحق له من الباطل والهدى من الضلال، أشد ظلماً ممن لم تأته آيات الله ولم يذكَّر بها؛ فجعل الله على قلوبهم أكنة؛ أي أغطية تمنعه من التفقه بآيات الله وتدبرها، وفي آذانهم وقراً؛ أي صمماً يمنعه من سماعه على وجه الانتفاع به. 

وفي الآية بيان أن من أعرض عن الحق مع علمه بأنه الحق وتبع الهوى وهو على بصيرة بضلاله؛ فهذا من لا ترجى هدايته، ولا تقتضي حكمة الله هداية من لم يرد الهداية لنفسه.

وأما السهو والإعراض فيختلفان. فالسهو هو نسيان الشيء والغفلة عنه وذهاب القلب عنه إلى غيره كما جاء في لسان العرب. والإعراض هو أن يصُدَّ عنه ويولِّيه جانِبَه ولا يلتَفِتَ إليه بعد علمه به. فالأول لا يُؤاخذ والثاني يأثم.

فالخلاصة، أن من أراد الانتفاع بالقرآن وأن يتأثر به؛ فعليه عند قراءته أن يكون قلبه حيّاً ويسعى جاهداً لتصفيته من الشوائب التي تعتليه، ويلقي سمعه له ويستحضر أنه يخاطب به، ويكون قلبه شاهد على آياته ليسَ ساهٍ ولا معرض، فبهذا يحصل الانتفاع والهداية لقارئه بإذن الله.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة