يُعد الترحم على الكافر الميت من المواضيع الدارجة اليوم، وخصوصًا عند فئة الشباب المعلقين بحب بعض المشاهير والفئات، ومع نقص معرفة اتجاه الأحكام الشرعية؛ تجد الشباب المسلم يترحم على الكفار بسبب محبته الشخصية، خاصة عندما يتعلَّق الأمر “بالعواطف”.
قد يعتقد البعض أن الترحم على الكافر أمر بسيط أو مجرد فعل إنساني يعبِّر عن الرفق والرحمة، وأن الإسلام دين سلام وتعايش، وطبعًا ديننا هكذا؛ لكن ليست بهذه الصورة الناقصة التي تجعل الإسلام بحالة ضعيفة. فمن منظور الشريعة الإسلامية، هناك إيضاح لحكم هذا الفعل الذي يجب أن يُفهم وفقًا لما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية.
حكم الترحم على الكافر الميت من القرآن والسنة:
قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113].
هذه الآية تدل على تحريم الترحم على الكفار والمشركين، حتى وإن كانوا من الأقارب. وبذلك فإن طلب المغفرة أو الترحم عليهم من بعد وفاتهم لا يجوز شرعًا؛ لأنهم لم يؤمنوا بالله وكفروا به.
وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: أن النبي صلَّى الله عليه وسلم مر على قبرين فقال: “إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة” [متفق عليه]. وفي حديث آخر، النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يستغفرون للكافرين، لأنهم ليسوا أهل للمغفرة”.
وهذا يدل على أن الإسلام يحرِّم طلب الرحمة أو الاستغفار من الله للكافرين بعد وفاتهم، فالاستغفار هو طلب المغفرة والرحمة.
الكافر في الإسلام هو من رفض الإيمان بالله ورسوله، ولم يصدق بما جاء به القرآن الكريم أو السنة النبوية أو شك في بعض منها أو عطلها، فإذا كان الإنسان لم يؤمن بالله في حياته؛ كيف يمكن أن يرحمه المسلمون بعد وفاته؟
والترحم على الكافر بعد موته يعد نوعًا من الاستهزاء بعقيدة التوحيد؛ لأنه يتناقض مع الإيمان بأن الله هو الذي يقرر مصير الإنسان بناءً على إيمانه به، وكيف تترحم على من أنكر وجود الله لو أشرك به، أو من جعل له الولد وجعل له زوجة حاشاه سبحانه؟
لو فرضنا أن شخصًا ما أتى إليك وأخبرك أن أمك حملت من غير أبيك؛ لاستهجنت ذلك وأقمت الدنيا ولم تقعدها، فما لك إذا صار الأمر في مقام الله سبحانه طأطأت رأسك ومليتهُ بالأحضان؟
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [آل عمران: 87].
هذه الآية توضح أن الذين كفروا بالله وماتوا على الكفر هم في حالة من اللعن الأبدي، واللعن هو الطرد من رحمة الله.
قال سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء :٤٨].
وفي هذه الآية وضح الله سبحانه أنه يغفر كل شيء إلا أن يشرك به، وإن من أشرك فقد أتى إثمًا عظيمًا.
والرحمة التي يطلبها المسلم من الله يجب أن تكون في حدود الإيمان والتقوى، فالله سبحانه وتعالى ذكر في القرآن الكريم أن رحمة الله واسعة؛ لكن هناك شروطًا لهذه الرحمة، وهي الإيمان والعمل الصالح. وبالتالي، فإن الترحم على من لم يؤمن بالله ولا رسوله لا تنطبق عليه تلك الرحمة. ومن صفات الكافر أنه رفض الإيمان بالله ورسله، واستمر في إنكار الحقائق من عند الله التي أرسلها الله على أنبيائه.
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال: 36].
الكافر صدَّ عن سبيل الله في حياته؛ بل ومنهم من عادى الإسلام والمسلمين. كيف إذًا يمكن أن يطلب المسلمون الرحمة لشخص اختار هذا المسار في حياته، وهو كافر بهم وصاد عنهم؛ بل وعدوهم!
وفي بعض الأحيان قد يتألى الكافر على الله، أو يزعم أنه هو من يحدد مصير نفسه. هذا التفاخر بالعظمة يُعد اعتداءً على خالق الكون، الذي وحده له القدرة على تحديد مصير الإنسان، وهذا بسبب التطور الهائل للبشرية ووجود التكنولوجيا، فغدا بعض الناس يضحك على نفسه بأنه لا داعي لوجود الله، تعالى الله عما يقولون، ففي مثل هذه الحالة؛ كيف نترحَّم على من لم يقدر عظمة الله وخلقة وقدرته؟
إن الترحم على الكافر من جهة إيمانية يتناقض مع أساسيات العقيدة الإسلامية، فإذا كان الشخص في حياته اختار أن يتبع طريقًا آخر غير الإيمان بالله ورسوله؛ فكيف نريد أن نطلب له الرحمة بعد موته؟ ذلك يتنافى مع عدله سبحانه، فالله هو الذي حدد الطريق الصحيح للبشرية من خلال الإسلام، فهل يستوي المؤمن الذي صبر على الشهوات والملذات واستقام ومن اختار طريق الكفر والخسران المبين؟
-الضباب
ونعلم أن الانسان قد يغلبه الشعور بالعاطفة تجاه الأقارب أو الأصدقاء الكفار الذين ماتوا، خاصة إذا كانوا من الأشخاص الذين كانوا طيبين في تعاملهم أو ساعدوا الآخرين؛ ولكن من المهم أن نفرق بين العاطفة الإنسانية التي قد تنشأ بسبب المواقف الاجتماعية وبين الفهم العقائدي الصحيح، فالعقيدة لا مجال فيها للتساوم (لا مجاملة على حساب الدين).
في هذه الحالات يجب أن نتذكر أن الدين الإسلامي ليس فقط مجموعة من العواطف؛ بل هو التزام حقيقي بالقيم والتوجيهات التي وضعها الله سبحانه وتعالى. الإسلام يعلِّمنا أن الرحمة الحقيقية تأتي من الإيمان بالله، وأن الترحم على الكافر يتناقض مع الأسس العقائدية التي بنينا عليها إيماننا، فدين الإسلام كله رحمه وتعايش؛ لكن ليس على حساب أسسه وقواعده. والإسلام لا يطلب منا أن نتجاهل عواطفنا؛ ولكن يوجِّهنا إلى أن الرحمة الحقيقية تكون بإيماننا بالله ورسوله، وأن من رفض الإيمان بهما اختار مصيره بيده.
ويجب على المسلمين أن يفهموا أن طلب الرحمة للكافر يتعارض مع عدله سبحانه التي نص عليها القرآن والسنة. إذا كان الشخص قد اختار الكفر في حياته؛ فلا يجوز أن نطلب له الرحمة أو المغفرة بعد موته.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في مجموع الفتاوى: (وقد قال تعالى: “ادعوا ربكم تضرعًا وخفية إنه لا يحب المعتدين” ـ في الدعاء، ومن الاعتداء في الدعاء: أن يسأل العبد ما لم يكن الرب ليفعله، مثل: أن يسأله منازل الأنبياء وليس منهم، أو المغفرة للمشركين، ونحو ذلك. انتهى).
وقال العلامة ابن باز -رحمه الله-: (أما إن كان معروفًا بشيء آخر يدل على كفره، مثل سب الدين، مثل إنكار وجوب الصلاة، إنكار وجوب الزكاة، الاستهزاء بالدين، هذا كافر، ما يدعى له، ولا يترحم عليه).