استيقظ الناس يوماً على صيحة “الله أكبر فتحت حماة”، ثم في أحداث متوالية سريعة فتحت المدينة تلو المدينة، حتى فتحت دمشق ذاتها في مدة لا تتجاوز الأحد عشر يوماً، فكان هذا هو رأس الجبل الذي رآه الناس؛ لكن ما خفي هو الجزء الأعظم. هذا ما حدث في سوريا:
بالفعل فتحت حماة بمنتهى اليسر، ولعل السبب الأبرز في ذلك بعد توفيق الله عز وجل؛ هو عامل المفاجأة. تلك التي سببت تداعياً سريعاً جداً في صفوف النظام وانسحاب أشد سرعة. لكن الأمر اختلف قليلاً في حلب؛ فقد بدأت قوات النظام تقاوم وتناور بعض الشيء، مع ازدياد قصف الطيران على المجاهدين وعلى إدلب ذاتها، غير أن قوات جيش النظام وحلفائها لم تصمد طويلاً، وانسحبوا وتم تحرير حلب.
أما حمص؛ فقد كانت أصعب محطة، حتى أنه في السياق الطبيعي كانت ستفتح حمص، ثم يتم الزحف ناحية دمشق لفتحها؛ لكن هذا ما لم يحدث، فقد علق بها المجاهدون قليلاً بسبب استعداد قوات النظام للدفاع عنها ودحر التقدم؛ لكن ما حدث هو أن المجاهدين التفوا حول دمشق من الجنوب ومن الناحية الغربية فطوقوا دمشق، ففتحت حمص مع دمشق في نفس الوقت تقريباً.
شبيحة النظام وبث الشائعات:
عمل شبيحة النظام على بث الشائعات؛ ليثيروا المخاوف بين أفراد الشعب؛ بل وأفراد الأمة كلها الذين كانوا يتابعون الأحداث بمزيج فرح وخوف وترقب. فمنذ اللحظة الأولى، بدأوا بنشر الشائعات على أن ما حدث في سوريا لم يكن سوى اتفاق تسليم وتسلم، وأن هناك لعبة دولية تتم حول سوريا، وأن المجاهدين ما هم إلا عملاء للصهاينة!
ومع مفاجأة الأحداث وقلة وصول التفاصيل؛ أثارت تلك الشائعات الخوف والوجل في قلوب الناس، خاصة وقد كانت قضية سوريا قد أزفت على النسيان وعلى أن تطوى صفحتها تماماً. بيد أنه مع تكشف المشهد شيئاً فشيئاً، لعل الاطمئنان عاد يتسلل للقلوب ثانية. إنه بعد فضل الله عز وجل وتوفيقه، كان بفعل التخطيط الجيد للمعركة من الناحية التنظيمية والاستخباراتية، وثبات المجاهدين وانهيار الروح المعنوية لعناصر النظام وتداعي الجيش، ففتح الله عليهم دمشق.
ثورة أم فتح؟
كان هذا هو السؤال الذي طرق أذهان كثير من متابعي المستجدات على الساحة السورية؛ فطريقة سير الأحداث اختلفت تماماً عما حدث في ثورات تونس ومصر وليبيا واليمن، من حيث المنعطفات التي اتخذها مسار “الثورة” في سوريا؛ فالثورات عادة تكون عشوائية لا رأس لها، ومعلوم كما في الأمثال “أن مركباً برأسين؛ تغرق”، كيف والثورات يكون لها ألف رأس بدون خطة حقيقية مثمرة؟ فلذلك قلما تجد ثورة حققت أهدافها. أما في الفتح؛ فهناك رأس يقود الجموع، يضع الخطط، يستدرك الأخطاء، والأهم أن لديه قوة يستند عليها.
جدير بالذكر أن القاموس الإسلامي لم يعرف مصطلح “الثورة” من قبل، حتى أدخله جمال الدين الأفغاني وطلابه، حينما أرادوا نقل القاموس الغربي خاصة في باب الجهاد واستبداله بالقاموس الإسلامي الشرعي في محاولة لتدجين الشعوب المسلمة وجرها إلى جحر الضب. بل كان “الفتح” هو ما أقره القرآن الكريم حتى في الأمم السابقة، فالله عز وجل يقول في كتابه: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15)}. قال أبو جعفر: (يقول تعالى ذكره: واستفتحت الرُّسل على قومها: أي استنصرت الله عليها) {وخاب كل جبار عنيد}. حتى اليهود كانوا يستعملون لفظ الفتح: {وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا}.
فالحاصل في سوريا بالفعل هو فتح حقيقي، وليس مجرد ثورة بمفهومها الغربي الذي لا يهتم إلا ببعض المكتسبات المادية الدنيوية وحسب.
ختاماً
لعل الله عز وجل يهيئ لهذه الأمة أمراً عظيماً، أو يهيئها لأمر عظيم، فلا وقت الآن سوى للإعداد ولزوم كل امرئ ثغره؛ وإلا فليخش الاستبدال.