فيما يلي فوائد مستخلصة من كتاب “هكذا تكون الأمهات ” من تأليف عبد الكريم بكار.
وظيفة المرأة الأساسية
إن الله قد زود الأم بشيئين عظيمين يؤهلانها حقاً لأن تكون المربي الأكبر، وهذان الشيئان هما: حنان غير محدود؛ وصبر لا يعرف النفاد.
ولهذا فإن الوظيفة الأساسية للمرأة في الرؤية الإسلامية هي رعاية الطفولة، وبذر بذور الخير والصلاح والاستقامة في نفوس الأطفال. ومن أجل تحقيق ذلك أمر الله له النساء بالقرار في البيوت حين قال: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ.. ﴾ [الأحزاب: 33]
ومن أجل مساعدة المرأة على القيام بوظيفتها تلك، يُكلف الرجل سواء أكان أباً أو أخاً أو زوجاً أو ابناً بالإنفاق عليها.
وليس في ملازمة المرأة لبيتها ما يَغضُّ من قدرها، أو ينتقص من كرامتها، كما يحاول تصوير ذلك أهل الأهواء والشهوات، فما دام المنزل هو المكان الأساسي لممارسة نشاطها، فإن من الطبيعي أن تكون ملازمتها له شرطاً من شروط نجاحها في مهماتها، كما أن من الطبيعي أن يمكث كل الأشخاص الناجحين في حقول أعمالهم أطول فترة ممكنة، وكلما طالت تلك الفترة كانت أعون على النجاح وأدعى له.
ويوجهنا الإسلام في مقابل الدور العظيم للأم في خدمة الأمة إلى أن يكون نصيبها من الاحترام والتقدير والاعتراف أوفر نصيب.
(صفحة ١١)
الإنسانية لا تورث
إن الطفل حين يولد يكون ناقص الإنسانية، فهو لا يرثها عن أبويه، وإنما يكتسبها – وهذه نقطة مهمة للغاية – عن طريق التربية والمخالطة الأسرية والاجتماعية.
يكتسب الطفل الفكر والأخلاق والمشاعر واللغة ومعايير الخطأ والصواب، وإنَّ وَلدَ الإنسان لا يصبح إنساناً إلا إذا رباه إنسان، ومن هنا يأتي شرف المهمة التي تقوم بها الأمهات في البيوت. (صفحة ١٧)
تنمية الوازع الديني
ينبغي على الأم أن تلقن طفلها التعرف على الله عز وجل وحبه. وأنه هو الخلاق الرزاق المعطي الكريم اللطيف الخبير، الذي يستحق أعظم الحمد والشكر، وأنه سبحانه المطلع على أحوال عباده، البصير بنواياهم وأعمالهم، مما يقتضي مراقبته والإخلاص له والخوف من عقابه. وقد دلنا على ذلك النبي من خلال موعظته العظيمة، حين قال لابن عباس رضي الله عنهما، وهو راكب خلفه على دابة: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف.
وقد كانت أم أنس بن مالك رضي الله عنها، تلقن أنساً ابنها الشهادتين، وتشير إليه بقولها: لا إله إلا الله .. قُل: أشهد أن محمداً رسول الله. وكان مالك زوجها يقول: لا تفسدي علي ابني !! فتقول: إني لا أفسده.
الأم الفاضلة تربط أطفالها بالله من خلال السؤال تارة، ومن خلال التعليم والتلقين تارة أخرى، كأن تقول له: من الذي وهبك هذا الشعر الجميل..؟ ومَن الذي رزقنا هذا الطعام الذي نأكله..؟ ومن الذي يضيء لنا في النهار؛ حتى نبصر طريقنا..؟ فإذا أخطأ في الإجابة شرحت له وعَلَّمته.
بإمكان الأم إذا طلب ولدها شراء شيء، أن تقول له: اطلبه من الله و حتى يرزق أباك، فيحضره لك.. وبإمكان الأم إذا لاحظت كذباً على ابنها، أن تقول له: ألا تشعر أن الله له مطلع عليك، ويعرف أنك تكذب؛ وهكذا تتم تنمية الوازع الداخلي وتربية الحاسة الخلقية، وتكوين أحاسيس المراقبة الله والشعور بمعيته.
(صفحة ١٨ – 19)
النفاق الاجتماعي
وكثيراً من الأمهات تستخدم عوضاً عن هذه الألفاظ ألفاظاً تُعزز الاهتمام بآراء الناس، ولا تساعد على تنمية الوازع الداخلي!! فمنهن من يقلن : هذا عيب.. وماذا سيقول عنا الناس إذا عرفوا ذلك؟ هذا يجعل انطباعات الناس عنك سيئة .. والأم التي تفعل ذلك توحي إلى طفلها مـن طـرف خفـي بأنه لا بأس إذا فعل ما تنهاه عنه، بشرط ألا يراه الناس، وبذلك تؤسس لــدى ابنها النفاق الاجتماعي.
والمسلم الحق يمتلك القدرة على التضحية بشيء من مصالحه في سبيل الاستمساك بما يؤمن به، ولهذا فإن الأم المسلمة مطالبة بأن: تُعلي من شأن الثبات على المبدأ في نفوس أبنائها.
وتنمي لديهم القدرة على التخلي عن بعض المكاسب؛ في سبيل البقاء على الطريق الصحيح.
وتراقب عن كثب التطلعات غير المشروعة، التي تنشأ في نفوسهم، والتي تأتي غالباً من النماذج السيئة التي يراها الأطفال في بيئتهم الاجتماعية.
والذي ينظر في حياة النبي ﷺ يجد أنها عبارة عن سلسلة. المواقف العظيمة، التي يُضحى فيها بالمصالح من أجل المبادئ. وكلنا يعلم موقفه من عروض قريش عليه، وقد عرضوا عليه الجاه والمال، في سبيل التخلي عن دعوته ورسالته. وكلنا يعلم رفضه الاستسلام لضغوط قريش، حيث قال لهم: ما أنا بأقدر على أن أَدَعَ ما بُعثتُ به، من أن يشتعل أحدكم مـن هذه الشمس شعلة من نار.. أي: إنّ عجزي عن ترك دعوتي أكبر من عجز أحدكم عن مطاولة الشمس، واقتباس شعلة منها.
(صفحة ٢١ – ٢٣)
السنن والآداب الشرعية
لا يخفى أن التمسك بالسنة يُنمّي لدى المسلم الإرادة والتمنع على الأهواء والشهوات والمغريات، كما أنه إلى جانب ذلــك يـضـفـي عـلـى السلوك الاجتماعي طابع التوحد والانسجام، وهذا مهم جداً لتوحيد المشاعر والمفاهيم.
وانطلاقاً من هذا كان لزاماً على الأم المسلمة أن تلقن طفلها ما يمكن تلقينه من السنن والآداب الشرعية، المتعلقة بالسلوك الفردي، وهي كثيرة، ومنها ما هو قولي ومنها ما هو سلوكي عملي.
(صفحة ٢٦)
اللمسة الجمالية
من مهمات الأم الارتقاء بمشاعر التمدن والتحضر لدى الطفل، من خلال تنمية أحاسيس الجمال والأناقة لديه، وهي أحاسيس تتكون لدى الطفل منذ الشهور الأولى من ولادته، من خلال الابتسامة، والنظرة، والهمسة، واللمسة.
الجمال هو الحيوية التي في إمكانها التغلغل في كل الأشياء، وإن أشد الأمور قسوة ومرارة يظل قابلاً لإضفاء المسحة الجمالية عليه، كما قال : فاصْبِرْ صبراً جميلاً ﴾ [المعارج: 5].
فالصبر شاق على النفوس، ومع هذا ينبغي أن يكون جميلاً، وإنما يكون كذلك إذا لم تصحبه شكوى لغير الله عز وجل.
(صفحة ٢٨)
التمدن في لغة الخطاب
ويأتي في قمة الوسائل المعينة على تكوين الحس الجمالي في نفس الطفل وسلوكه: لغة الخطاب السائدة في المنزل.. حيث تقول الأم لطفلها من الأحسن، والأجمل، والألطف، والأبهى، والأروع أن تفعل كذا، وتترك كذا.. والحقيقة أن طريقة تعبير أهل البيت عما يريدونه، تعكس على نحو تام مشاعرهم وطرق تفكيرهم والمستوى التمدني الذي بلغوه.
وقد ورد عن النبي أنه قال: لا يقل أحدكم: عبدي أمتي، وليقل: فتاي، وفتاتي، وغلامي « لا يقولن أحدكم: خَبُثت نفسي، ولكن ليقل: لَقِسَتْ نفسي» ومعنى (خبثت) هو معنى (لقست) ولكن كره النبي صلى الله عليه وسلم بشاعة اللفظ.
(صفحة ٣٠)
الأم العارفة، والأم الجاهلة
الأم الصالحة العارفة بوظيفتها تستخدم دائماً التعبيرات الرشيقة، التي تبعث في نفس طفلها مشاعر الخير والرفق والسمو والنعومة. أما الأم الجاهلة بوظيفتها، والأم التي لم تتلق ما يؤهلها لأن تكون مربية.. هذه الأم تستخدم لغة أخرى تشيع في نفس الطفــل معـاني الإحباط والدناءة والانتقام..
وهذه بعض الأمثلة التي توضح الفرق بين اللغتين وبين الأمين: ذا غضبت الأم الصالحة قالت لأولادها: هداكم الله.. أصلحكم الله .. أما الأم الأخرى، فتدعو عليهم وتقول: الله يبتليكم بالمصائب!
الأم الصالحة المؤمنة المربية حقاً تقول: المسلم المؤدب يفعل كذا وكذا؛ حتى يدخل الجنة. أما الأم الأخرى، فإنها تهدد وتتوعد، وتقول: الذي يريد أن يُضرب يفعل كذا وكذا!
إذا أخذ الطفل ما ليس له قالت له الأم الصالحة: هذا ليس لك، هذا ليس من حقك.. رُدَّه لصاحبه. أما الأم الأخرى فتقول: يـا لص.. يا حرامي .. يا سراق..!
ذا سقط الطفل على الأرض، وجاء إلى أمه باكياً، فإن الأم الصالحة تقول له: قدَّر الله وما شاء فعل.. في المرة القادمة كــن أكثر حذراً. أما الأم الأخرى فتقول : أَحْسَن وتستحق ذلك.. وفي المرة القادمة تنكسر رجلك ..!
(صفحة ٣١)
الحسن والقبح
المربية الفاضلة الواعية لمهمتها الفاقهة بدينها، تُعلم أطفالها أن أفعال الخير تشكل قمة الجمال، فالشعور بالأناقة والرفاهية الروحية لا يأتي إلا من خلال الزيادة على ما هو واجب في العمل والأداء. فالذي يُلقي السلام والذي يصلي النافلة، والذي يتصدق بما فوق الزكاة، والذي يبذل العون لأخيه المسلم .. كل هؤلاء يتمتعون بشيء من جمال الباطن، وراحة السرائر وبهجة الأرواح.
وهي إلى جانب ذلك تعلم أطفالها أن كل شكل من أشكال المعصية، وكل لون من ألوان التقصير في القيام بأمر الله تعالى موصول بشكل من أشكال القبح. فالظلم والفساد والكسل في أداء الواجبــــات، وأنـــواع الموبقات.. هي أشبه بأوساخ تلطخ ثوباً أبيض ناصع البيان.
(صفحة ٣٢)
لا قيمة لحياتي؛ إذا تعرضت حياة أمتي للخطر، وانتهكت حرماتها.
الأم المسلمة تستطيع أن تبذر بذور التضحية في نفوس أبنائها: من خلال سلوكها أولاً، حين تُؤثر من حولها على نفسها. ومن خلال حنّها لطفلها على إعطاء إخوته وزملائه شيئاً من قطعة الحلوى التي لديه، أو شيئاً من المال الذي بحوزته. ومن خلال حثها له ليتيح لأبناء الضيوف أن يلعبوا بشيء من لعبه.
وحين تُتاح فرصة للخدمة العامة، فالأم الصالحة تحث أولادها على المشاركة والمساعدة حتى تزدهر البيئة وتغتني الحياة بالخير والرخاء.
أمة الإسلام أمة الرايات، أمة الشهداء، وقد ظلـت عـلى مـدار التاريخ تعج بالأمهات اللواتي يعرفن قيمة التضحية ويــربين أطفالهن عليها. وما زال فينا إلى اليوم بحمد الله الكثيرات من ذلك الطراز الرفيع، وإن كان الستار مسدلاً على السواد الأعظم منهن، لكن لا يضيع عند الله لا شيء.
(صفحة ٣٤)
نموذجين من سير بعض الصحابيات المباركات
النموذج الاول:
عن الشعبي أن امرأة دفعت إلى ابنها يوم غزوة أحد السيف فلم يطق حمله – لصغره – فشدته على ساعده بنسعة (أي برباط) ثم أتت به النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله .. هذا ابني يقاتل عنك؛ أي: يدافع عنك. فقال : النبي أي بني.. احمل ها هنا، أي بني.. احمل ههنا، فأصابت الغلام جراحة فقال النبي : أي بني.. لعلك جزعتَ؛ أي: لعلك لا تصبر على ما أصابك.. قال: لا يا رسول الله ».
إن سلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم في نظر المرأة أهم من سلامة ابنها الفتي؛ ولهذا بعثت به ليعرّض نفسه للخطر دونه. بمثل هذه النماذج بنيت أمجاد أمة الإسلام.
(صفحة ٣٥)
النموذج الثاني
وصية الخنساء لأولادها الأربعة:
قبل بدء القتال أوصتهم فقالت: يا بني إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين، فإذا أصبحتم غداً إن شاء الله سالمين، فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها.. فتيمموا وطيسها، تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة. فلما أصبح أولادها الأربعة، باشروا القتال واحداً بعد واحد حتى قتلوا جميعاً، وبلغها نبأ مقتلهم جميعاً، فقالت قولتها المشهورة: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته . هكذا تكون الأم المسلمة في دفع أولادها نحو ساحات الفداء، وهكذا يكون الصبر إذا نزل البلاء.
(صفحة ٣٦)
تعزيز ثقة الطفل بنفسه
من المهم تعزيز ثقة الطفل بنفسه، وتوسيع مدى طموحاته، حيث تقـص عليه حكايات من سير الرجال العظام، أهل الصلاح والنجاح والذين يمكن أن يقتدي بهم، ويقتبس من أخلاقهم وسلوكاتهم.
(صفحة ٣٨)
التعرف على ميول الطفل الحقيقية
التعرف على ميول الطفل الحقيقية، والوقوف على قدراته ومهاراته، من خلال درجاته التي ينالها في المدرسة، ومن خلال اهتماماته.. ويجب أن نقول هنا: إنه ما من واحد فينا إلا لديه جانب إبداعي، إذا رُعي حقّ الرعاية أتى منه ما يفوق كل توقع.
الأم حين تفعل ذلك فإنها توقف اندفاع الصبي نحو ما لا يناسبه، أو العمل فيما لا يعود عليه بالنفع والخير. وتوجيه الطفل نحو ما يجب أن يتقنه ويتعلمه قد يكلف المال الذي لا يتوافر لدى الأسرة بسهولة، ولا بد آنذاك من التضحية والتحمل وتدبر الأمر في سبيل أن يتعلم الولد ما يجب أن يتعلمه ويتدرب عليه.
(صفحة ٣٩)
تنمية روح الإصرار على الاستمرار في بذل الجهد.
لا بد للأم أن تنمي لدى ولدها روح الإصرار والدأب والقدرة على الاستمرار في بذل الجهد. وهذه السمة تعادل في كثير من الأحيان الذكاء الخارق المتوهج، الذي يتمتع به بعض الموهوبين، بل إن ذوي العزيمة، ولو كانوا من متوسطي الذكاء يحققون من النجاح أكثر بكثير مما يحققه الأشخاص المتفوقون ذهنياً المتصفون بالكسل والفوضى.
(صفحة ٤٠)
تزكية الجانب الاجتماعي في شخصية الطفل
من خلال قراءة واعية لأحكام الشريعة الغراء، استطاع علماؤنا في القرن الثالث الهجري بلورة ما سموه بالبديهيات أو بالكليات الخمس، وهي: حفظ الدين، حفظ النفس، حفظ العقل، حفظ النسل، حفظ المال. هذه الكليات يمكن أن ننظر إليها نظرة جديدة، فنتخذ منها مرتكزات ومحاور للتربية الاجتماعية. فهي تشكل بحق المنطلق العام لأمة الإسلام في علاقاتها الاجتماعية. وفي بناء الوعي الاجتماعي وفي بناء الإطار المرجعي للضبط الاجتماعي أيضاً فالمسلم مطالب بأن يدافع عن دينه، وأن يحافظ على تدينه والتزامه الخاص. بأن يحافظ على تدين إخوانه المسلمين، وأن يساعدهم في ذلك، فلا يعرضُهم للفتن، ويرشد الضال منهم ، ويأخذ على يد العاصي والمنحرف. بأن يحافظ على نفسه وصحته وعقله، فلا يتناول من الطعام أو الشراب، ولا يمارس من الأعمال ما يؤذيها. بأن يحافظ على حياة إخوانه المسلمين، من خلال النصيحة، ومن خلال الامتناع عن إيذائهم، ومن هنا حَرُم الاتجار بالخمور والمخدرات ولحوم الميتة، وكل ما يضر بالناس. وهكذا يؤمر المسلم بالمحافظة على عرضه وعلى أعراض المسلمين، ويؤمر بالمحافظة على ماله وعلى أموال المسلمين.
(صفحة ٤٢)
آداب الحياة السعيدة
الأولى :
إن اجتماع الناس بعضهم مع بعض، يولد بطبيعته التوترات والمعاكسات والمشاكسات، وإن معقد البلاء في الحياة الاجتماعية يتمحور حول عدم تطابق طبائع البشر، وعدم تطابق مصالح الأفراد مع مصالح جماعاتهم ومجتمعاتهم. والمطلوب منا أن نُعوّد أنفسنا ونربي أبناءنا على تفهم ما يثير النزاع بين الناس، ثم التعامل معه بالحكمة المطلوبة. ولا ينبغي أن نظن أن الطفل لا يستوعب مثل هذه المعاني، فهناك دراسات عديدة تؤكد أن ابن العاشرة يستوعب معظم المسائل الاجتماعية، إذا شُرحت له بأسلوب مبسط.
الثانية:
على الأم أن تُعلم طفلها احترام خصوصيات الآخرين، فلا يدخل على أحد في مكان خاص دون استئذان ولا يتجسس على مكالمة هاتفية، ولا يفتح شيئاً مغلقاً ليس له، سواء أكان باب بيت، أو بــاب ثلاجة، أو كتاباً، أو دفتراً، أو صندوقاً.. مهما طالت مدة إقامته في المكان، إلا إذا أُذن له بذلك.
ومن أهم ما يوصى الصغير بحفظه: ما يؤتمن عليه من أسرار. وما يدور في المجالس الخاصة، من أحاديث لا يرغب أصحابها في تناقلها. قال أنس رضي الله عنه: أتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الغلمان، فسلم علينا، فبعثني إلى حاجة، فأبطأت على أمي. (أي تأخرت عنها) فلما جئتُ قالت ما حبَسَك ؟ قلت بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة. قالت: ما حاجته؟ قلت: إنها ستر. قالت: لا تحدثن بسر رسول ر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا. انظري إلى موقف أم أنس رضي الله عنها وقارنيه بموقـف بـعـض الأمهات، حيث تلح على طفلها بأن يخبرها بكل شيء يراه أو يسمعا مهما كان الحديث مؤذياً للآخرين!
الثالثة:
شيء من الخير موجود لدى كل إنسان، وليس هناك شخص هـو مجموعة من الشرور، وهذه الفكرة ضرورية لتفسير أخطاء الآخرين. فليس كل خطأ يقع فيه الإنسان صادراً عن سوء نية، كما أن بذرة الخير الموجودة لدى كل مسلم تجعل التواصل والتفاهم معه ممكناً في كل الأحوال.
الرابعة:
قد لا يستطيع المرء أن يقدم سوى أشياء صغيرة لإخوانه وأحبابه، وزملائه، لكن يستطيع أن يقدمها مصحوبة بالعاطفة والحب، والعبارات اللطيفة والجميلة.
وكم هو جميل أن نعود أنفسنا وأطفالنا أن نقدم الهدية والخدمة والمعونة مشفوعة بالاعتذار المخلص والصادق عن التقصير ومصحوبة برجاء قبولها، إن هذا كثيراً ما يكون أهم من الهدية نفسها.
الخامسة :
كل منا يغضب وينفعل، وخاصة الأطفال؛ نظراً لضعف استيعابهم مما يجري، وعلى الأم أن تُعلّم الطفل وتعوده الطريقة الصحيحة في التعبير عن الغضب، من خلال عبارات واضحة ومهذبة.. كأنْ يُعوّد الطفل أن يقول: أنا مستاء من كلام فلان، وأنا منزعج من التصرف الفلاني.
السادسة:
حاولي أيتها الأم الفاضلة أن تفهمي أولادك أن كثيراً مما يتداوله الناس بينهم من أقوال وأخبار إما غير صحيح، وإما غير دقيق. حيث إن المبالغة والتزيد والتحريف وعدم الثقة؛ أمور عمـت بهـا البلوى بين الناس اليوم، ولا ينبغي للصغير أن يروي كل ما يسمع، ولا أن ينفعل به، وقد أمرنا الله و بالتثبت والتبين حين قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأَ فَتَبَيَّنُوا} – وفي قراءة صحيحة : فتثبتوا (4) – أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }[الحجرات: 6]. إن الأطفال كثيراً ما يسببون مشكلات للكبار ؛ بسبب عدم دقتهم في النقل، أو بسبب تصديقهم لكل ما يُقال.
السابعة:
عود الطفل استقبال الضيوف، وتوديعهم عند الباب، وملاحظة حاجاتهم. وشيء جميل: أن يقوم الطفل بعرض الماء على الضيف أو أن يأتيه بوسادة. أو يحضر له منديلاً؛ إذا رآه عطس.. إنها آداب رفيعة، تضفي على لقـاء النـاس بعضهم ببعض ابتهاجاً وبهاء خاصاً.
في عصرنا الحاضر استعر التنافس في كل شيء، وعلى كل شيء، إلى حد حبك المؤامرات والدسائس؛ في سبيل الظفر والتفوق على الأقران والزملاء!
الأم بحاجة إلى أن تزرع في عقل طفلها ووجدانه: أن الساحة رحبة جداً، أكثر مما يتصور. وأن في فضل الله له ما يسع الجميع.
وعلينا أن نعلم ونُعلّم أبناءنا أنّ تعاونهم مع زملائهم وأقربائهم أعودُ عليهم بالنفع والخير، من التنافس معهم. إذا كان تقدير ابنك جيداً، في حالة التنافس، وتقدير زميله جيداً جداً، فإن تقدير ابنك في حالة التعاون مع زميله يصبح جيداً جداً، ويصبح تقدير زميله ممتازاً.
الثامنة:
هناك جملة من الآداب الاجتماعية التي علينا أن نلقنها الطفل ونعوده الالتزام بها منذ الصغر، والإسلام يحث المسلمين دائماً على الاجتماع والالتقاء ونبذ الفرقة وعدم الاستغراق في الشأن الخاص، بعيداً عن العناية بالشأن العام، وحتى يرغب الناس في الاجتماع، فإنـه ينبغي أن يكون مريحاً مبهجاً جميلاً، خالياً من المنفّرات والمزعجات.
(صفحة ٤٥ – ٥١)
من آداب تنشئة الطفل
أولاً:
يعود الطفل عدم رفع الصوت، أثناء حديثه مع أحد أفراد أسرته، ومع الناس الغرباء، لا فرق في ذلك؛ فالصياح مؤذ للسمع، معكر لصفاء المجالس، فما أجمل ما نصح به لقمان ابنه، حين قال: ﴿ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الحَمِيرِ ﴾ [لقمان: 19].
حين تلاحظ الأم أن طفلها يرفع صوته أكثر من حاجة السامع، تنبهه إلى ذلك المرة تلو المرة، إلى أن يصبح ذلك طبعاً وتنبهه كذلك إلى عدم رفع صوته أثناء الضحك، فقد كان التبسم وما زال أجمل أنواع التعبير عن السرور.
ثانياً:
يُعلَّم الطفل كيفية تناوله الحديث، فلا يقاطع المتحدث حتى يفرغ من كلامه، وحين يكون في المجلس بعض الكبار، فإنه يُعلم أن لا يتحدث حتى يستأذن، وإذا تكلم تكلم باختصار.
ولا يعني هذا وضع الكثير من القيود التي قد تؤدي إلى حمل الطفل على الانكماش والسكوت، فتطبيع الطفل على الجرأة والشجاعة الأدبية أمر مهم وحيوي، ولكن لكل شيء أصول.
ثالثاً:
على الأم أن تحث طفلها وتعوده على البشاشة، وطلاقة الوجه والاستبشار؛ فهذا مما يعبر عن الرضى والسكينة والصفاء، ومما يدخل السرور والارتياح على نفوس من تلقاهم.
ولذا فلم يكن غريباً أن يكون التبسم نوعاً من أنواع القربة إلى الله كما ورد في الحديث: «تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ».
«لا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيئاً، وَلَو أنْ تَلْقَى أَخاكَ بِوَجهِ طَلْقٍ».
رابعاً:
يُعلم الطفل أن لا يمارس تنظيف بدنه أمام الناس فلا يزيل ما تراكم في أذنه أو أنفه، ولا يقلم أظافره أمامهم؛ فهذا مما تتقزز منه النفس.
وتنبيه الطفل إلى هذه الآداب مسؤولية الأم، وقد يعسر أن نجد بديلاً عنها، إذا هي تخلت أو تقاعست في أدائها.
(صفحة ٥١ – ٥٥)
الأساليب التي تحتاجها الأم في تربية الطفل
إن أول ما على الأبوين توفيره لتربية صالحة، هو توفير الجـو الملائم لنمو الطفل، فالجهود التربوية مهما كانت عظيمة، لا تؤتي ثمارها على النحو المطلوب إلا إذا تهيأت البيئة الصحية، التي تكتنف حياة الطفل وتغذيها بالمشاعر والمفاهيم غير الملموسة وغير المنطوقة.
لا يمكن لتربية حسنة أن توجد في بيت يسوده الخصام والنزاع بين الأبوين؛ ولذا فإن الوفاق الأسري مسؤولية مشتركة بين جميع من يعيشون تحت سقف واحد، ولاسيما الزوجين ولا يكون ثمة وفاق إذا لم يكن هنالك تنازل من كلا الطرفين وتفهم لأمر جوهري، هو أن أساس العلاقة بين الزوجين لا يقوم على المشابهة، وإنما على المخالفة على مبدأ: نختلف لنأتلف.
(صفحة ٥٥)
على الأم أن تحاول تنظيم أوقات ثابتة للوجبات الغذائية، وأن تمتلك شيئاً من الثقافة الصحية والغذائية؛ حتى تقدم لأسرتها وجبات متوازنة وغنية بما يحتاجه نمو الأطفال.
وقد صارت الحاجة إلى هذه الثقافة أكثر إلحاحاً اليوم من أي وقت مضى؛ حيث إن ما يراه ويسمعه الأطفال من دعايات وإعلانات قد جذبهم إلى أغذية كثيرة: قد لا تكون هي الأفضل.. وقد لا تكون هي الأنسب للطفل ولصحته.
ونحن نعلم أن الهندسة الوراثية تدخل اليوم في آلاف الأصناف من الأغذية، ونتائجها لم تُختبر بعد، وقد تؤدي إلى أضرار بالغة.
(صفحة ٥٦)
والأم مع كل هذا مسؤولة مسؤولية تامـة عــن تنـظـيـم بيتهـا وترتيبه، بحيث يكون جذاباً للإقامة فيه؛ فالبيت المتسخ والفوضوي، المملوء بالأشياء المبعثرة، يدفع ساكنيه دفعاً إلى مغادرته والخــروج منه؛ وإذا غادر الطفل المنزل تلقفه الشارع، وهناك يتعلم الكثير الكثير من الأمور السيئة.
لهذا كله فإن تجميل المنزل وتنظيفه، قد يصبح قربة إلى الله إذا قصدت الأم بذلك راحة أسرتها، وإبعاد أطفالها عن رفقاء السوء، الذين قد يتلقفونه إذا هو أكثر الخروج من البيت.
(صفحة ٥٨)
الحاجات النفسية للطفل الناجح
الحاجة الأولى:
الحاجة إلى المخاطرة والمغامرة، فهو حين يكتشف عالم الكبار يقوم بحركات وأنشطة كثيرة جداً، وقد لا تخلو من شيء من الخطورة.
وعلى الأم أن لا تتضايق من كثرة أنشطة ولدها، ولكن تراقب الألعاب التي يمكن أن تشكل بعض الخطورة عليه. إن حاجة الطفل إلى اللعب حاجة كبيرة جداً، فدعي طفلك يتحرك ويغامر ويخاطر، فذلك هو سبيله إلى اكتساب الخبرات، ووفري له المكان الذي يلعب فيه.
الحاجة الثانية:
الطفل بحاجة إلى التعاطف، أي أن يكون محبوباً ومحباً، فالسلام الداخلي في نفسه وقلبه لا ينمو إلا إذا فاضت عليه، من محيطه مشاعر الحب والعطف والحنان وسبحان الله العظيم.. فقد أثبتت الدراسات أن الطفل يتعرف على أمه منذ أيامه الأولى، بواسطة حاسة الشم، ويبدأ ارتباطه بها بوقت مبكر جداً.. وحتى تنمو لديه مشاعر العطف والحنان، فعلى أمه أن تضمه بين الفينة والفينة إلى صدرها وتداعبه وتناغيه وهو بحاجة إلى أن يكون محباً أيضاً، والدمية الصغيرة في يد الطفلة تنمي لديها مشاعر العطف، وتلبي هذه الحاجة.
الحاجة الثالثة:
الطفل بحاجة إلى التكريم والتشجيع، وعلى الأم أن تكون على وعي بأن الطفل ليس ناقص المشاعر، وإن كان ناقص الخبرات، وهو يشعر بما يشعر به الكبار. ابن سنة إذا عَبست في وجهه وقطَّبت حاجبيك.. بكى ؛ لأنه شعر أن وضعية وجهك تعني الغضب.
الطفل الذي تعود مواقف المذلة من مربيه وذويه يستنفذ رصيده كله، وتضيع فيه بالتالي جهود المربين، وحين يمتلك مشاعر العزة والأنفة، فإنه يمكن آنذاك أن نقول له: هذا لا يليق بك.. ومثلك لا يفعل هذا. ويكون لهذا الكلام معنى لديه.
الحاجة الرابعة:
الطفل لن ينمو النمو الجيد إلا إذا أتحنا له قسطاً من الحرية، وهذا ليس مهماً لنموه الجسدي فحسب، وإنما مهم أيضاً لنموه النفسي والعقلي والروحي.
ومع إيماننا بأهمية الإشراف على الطفل ووجود سلطة ضابطة في البيت تتدخل عند الحاجة، إلا أن من المهم جداً أن يشعر الطفل: أن أمامه خيارات عديدة في كثير من الأحيان.. وأنه يستطيع أن يرفض بعض الأمور التي لا ترضي ذوقه الشخصي، مما يتعلق بطعامه وشرابه ولباسه وعلاقاته.
(صفحة ٥٩ – ٦١)
الأسلوب الأمثل في تنشئة الطفل
أولاً:
من المهم للمربية الفاضلة أن تعرف أن التربية مهمة لا تخلو من المشاق؛ فمهما تكن الأم مثقفة وواعية وحريصة.. ومهما تكن طبيعـة طفلها ممتازة وطيّعة .. ومهما تكن الظروف التي تربي فيها مثالية.. فإن شيئاً من الصعوبات والمنغصات سيظل ينتظرها في الطريق.
فنحن إذ نربي نتعامل مع كائن يتمتع بالعنصر الروحي والإرادة الحرة، ويكاد يكون كل طفل عبارة عن مخطوطة فريدة، يحتاج التعامل معها إلى فقه خاص. ومع أن أي إنسان، ولاسيما الأطفال، يظل قابلاً لأن يتغير، إلا أن عنصر المرونة في أي واحد ممن نربيهم ليس مكتملاً. ومن ثم فإن المربي يظل فيما يشبه حالة النزال مع من يربي.
(صفحة٦٣)
ثانياً:
إن لغة الحال أهم من لغة المقال، وسيكون لكلام الأبوين تأثيره الإيجابي في نفسية الطفل وسلوكه إذا شعر أنه يعيش في أسرة محترمة، حقق فيها الأبوان نجاحاً مقدراً من خلال جهد دؤوب مشترك، ومن أهم ما يجعل الطفل يلمس ذلك الأمور التالية:
- ( 1) احترام كل واحد من الأبوين للآخر.
- ( 2) ممارسة كل منهما لمسؤولياته الأسرية.
- ( 3) معاملة الطفل بتقدير واحترام.
- ( 4) حسن استخدام موارد الأسرة ودخلها المادي.
- ( 5) توافر معنى الحياة العائلية، من خلال الاستمتاع باجتماع الأسرة، وانتظار عودة الغائب مـن أفرادها بشوق ولهفة.
أما الأسر التي تختل فيها هذه المعاني، فإنها لا تساعد أبناءهـا عـلى أن ينشؤوا النشأة الصحيحة.
ثالثاً:
عالم الأطفال عالم غريب عن عالمنا، فكيف للأم دخــول ذلك العالم ؟
تدل التجربة على أن أقصر طريق إلى ذلك العالم، هو طريق الرحمة والبر والعطف، فمن خلال الهدية والخدمة والملاطفة والبسمة والنظرة تطفح نفوسهم بالبشر والرضى والسرور والأمن، وآنذاك يمكن زرع بعض القيم والمفاهيم والأفكار، التي نرغب في تركها في ذلك العالم قبل مغادرته.
بعض المربين والمربيات يفعل العكس من هذا، حين يقدم النصيحة بعد وجبة دسمة من اللوم والتقريع ؛ ولذلك فنتائج تربيتهم دائماً مخيبة للآمال.
رابعاً:
على الأم أن تتعامل مع طفلهـا بـصـدق وأمانة وواقعية، وذلك إذا ما أرادت له أن يكون في المستقبل صادقاً وأميناً وواقعياً.
إذا رفض الطفل تناول دواء مرّ ، فلا تقولي له : ” هذا الدواء حلو، ولكن أنت تشعر أنه مر .. ” لكن قولي له : ” والله يا بني إنه مر، وأنـا لمـا كنتُ صغيرة مثلك كنتُ أتضايق منه ، ولكن لابد من أخذه حتى يذهب عنك المرض بإذن الله، ويمكن أن تكون أفضل مني وأمضى عزيمة.. “.
الكذب داء خطير للغاية، وكثيراً ما يصاب به الطفل؛ نتيجة الصرامة الزائدة من قبل الأهل، فيعمد إليه الصغير؛ حتى ينجو من العقوبة إذا وقع في خطأ من الأخطاء.
خامساً:
يحب الطفل والديه وأسرته؛ لأنهم يتقبلونـه عـلى مـا هـو عليه؛ ولأنهم يقدمون له ما يقدمونه من الحب والرعاية والمعونة مــن غير شروط ودون مقابل. ومن المهم لكل أسرة تود المحافظة على تماسكها أن تُبقي على هذه المعاني حية وفاعلة في علاقتها الداخلية.
إننا جميعاً كباراً وصغاراً نتقبل نقد عمل ما نقوم به، ولكننا جميعاً نرفض أن نُصنَّف تصنيفاً دائماً يوحي بالدونية الثابتة، والعجز والتأخر المستمر. وعلى الأم أن تتجنب الكلمات القادحة العابرة، فالطفل يلتقطها ويُعمل فيها خياله، وتسبب له أرقاً وخوفاً، والأم غافلة لا تظن أنهــا فعلت ما يسوء.. وعلى سبيل المثال، فإن إحدى الأمهات قالت يوماً ” إن ابنتي فلانة تشبه الصبيان، وعندما وُلِدَتْ كنا نظنها ذكراً؛ ولهذا سميناها باسم مشتق من أبيها، سميناها سعدية ؛ لأن اسم أبيها سعد..! ” هذا يورث الطفلة الخوف من أن تكون غير مرغوب فيها، وأن تكون ناقصة الأنوثة.
سادساً:
سيظل الوعظ غير المباشر أكثر نفعاً.
وشيء جميل أن لا تفاتح الأم طفلها في كل ملاحظاتها، وهذا أدب رفيع تعلمناه من النبي ﷺ فإن حفصة حين أفـشـت إلى عائشة مـا أسرها إليها النبي وأطلعه الله على ذلك، لم يناقشها في جميع ما أفشته، وإنما فعل كما قال الله : ﴿ فَلَا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ ﴾ [التحريم: 3] قال الحسن: ما استقصى كريم قط. قال سفيان ما زال التغافل من شيم الكرام.
حاولي أن تنمي لديه حسن المقارنة بين الأشياء، والمقارنة بين صور الخير والشر.. وهذا ما نجده في الكتاب العزيز، حيث يذكر الله الله صوراً كثيرة عن أحوال الذين استجابوا لدعوات الأنبياء والذين أعرضوا وكفروا.. وعن أحوال أهل الجنة وأحوال أهل النار.. وذلك لأن الأمور تزداد وضوحاً وتحديداً من خلال أضدادها، وكما قالوا: “وبضدها تتميز الأشياء.”
سابعاً:
علينا جميعاً أن لا نظهر أمام الطفل بمظهر المعصوم الذي لا يُخطئ، ومظهر الكامل الذي لا عيب فيه ؛ فهذا مخالف للواقع، وهو مثالية لا أساس لها، والصواب إذا أخطأنا.. أن نعترف بالخطأ. وإذا أجمع أولادنا على ملاحظة، فعلينا أن نستمع لهم بأذن صاغية، وأن نستفيد منهم ونتجنب الوقوع فيما يرونه مأخذاً أو أمراً غير لائق أو غير صحيح. فقد عاتب الله النبي صلى الله عليه وسلم في شأن إعراضه عن الأعمى، وفي شأن أخذه للفداء من أسرى بدر، وفي أمور أخرى ليُعلمنا التناصح فيما بيننا ولنستفيد من ذلك في تعاملنا مع بعضنا.
ثامناً:
العدل بين الأبناء واجب شرعي، وهـو أحـد متطلبات النجاح في التربية.. وقد نقلت لنا الآثار الصحيحة عن النعمان بن بشير له أن والده حتى منحه منيحةٌ ( غلاماً) فرفضت أمه عمرة بنت رواحة الأمر، حن يشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب الأب إلى رسول الله يعرض عليه الأم فسأله النبي الله فقال : أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا. قال: لا.. فقال : فاتقُوا اللهَ واعدِلُوا بَيْنَ أولادِكُم.
وفي رواية: فإني لا أَشْهَدُ على جَوْرٍ.
قد تتفاوت مشاعرنا نحو أولادنا، وقد يكون هذا خارجاً عن إرادتنا وفوق طاقتنا، ولكن لا يصح إظهار تلك المشاعر وإعلانها.
تاسعاً:
ليس من العدل أن نطلـب مـن جميـع أبنائنا أداء واحداً في دراستهم وأشغالهم، فقد يكون لدى بعضهم إمكانات أدنى من إمكانات البعض الآخر، أو لهم ظروف مختلفة.
ولذا فعلى الأم أن تبتعد عن إجراء المقارنات بين أبنائها، وبينهم وبين الآخرين.
عاشراً:
على الأم تعرف كيف توزع اهتماماتها بين أطفالها، فقد تهتم بالمولود الجديد، ويشعر المولود الأكبر منه سنًا أنه خسر أمه بسبب أخيه الصغير فيحقد عليه وقد يؤذيه، وقد تتنبه لديه أحاسيس الشعور بالظلم ويعاني منها طويلا.
الحادي عشر:
كثيراً ما ترى الأم نفسها محتاجة إلى استخدام نوع من العقاب في تربية طفلها. والعقاب أشكال: أدناها نظرة من طرف العين، وأقصاها الضرب.
على الأم أن تدرك أن العقاب شيء إن احتاجت إليه، فلا ينبغي أن تجعله شيئاً أساسياً في تربية أبنائها .. أما الضرب فينبغي أن لا تلجأ إليه إلا عند الحاجة الملحة، وهو أشبه بالتداخل الجراحي، والذي لا يلجأ إليه الطبيب إلا عند تعذر أنواع العلاجات الأخرى. وإذا كان لابد منه، فينبغي للأم أن تتقيد بالقيود التي ذكرها علماء التربية الإسلامية. ومن تلك القيود: أن الطفل لا يضرب قبل سن العاشرة.
ولا يجوز ضربه على الوجه أو الرأس.
على الأم أن لا تضرب الطفل وهي في شدة غضبها، وإنما بعد أن تهدأ. فالضرب ليس للانتقام، وإنما للتربية، وممارسته أثنـاء فــورة الانفعال تجعله مبرحاً.
(صفحة ٦٣ – ٧٥)
خاتمة
إن التربية مَهمة طويلة المدى، وثمراتها تحتاج إلى انتظار وصبر لا يعرف النفاد، كما أنها تحتاج إلى تبديل في الأساليب المتبعة. وعلى المربية أن تمتلك من المرونة الذهنية والنفسية ما يُمكنها من تغيير مواقفها، وقبل ذلك انطباعاتها نحو ابنها إذا ما تغير وتحسنت أوضاعه واستجاباته.
إن كل المنصفين يعرفون العناء الذي تلاقيه الأم في خدمة أسرتها وأطفالها، وستجد الأم بحول الله ثمار عملها في الدنيا براً وصلة ورعاية من أبنائها، عندما تكبر ويكبرون. لكن الجزاء الأوفى ستسعد به الأمهات في الآخرة ؛ حيث إن الأم التي ربت أطفالها على الفضيلة والاستقامة وحب الخير، ستجد أن جميع ما عمله أولئك الأبناء من عمل صالح في صحيفتها، وهذا شيء عظيم ومدهش بكل المقاييس.
(صفحة ٧٦)