الحرية بين الإسلام والغرب

|

الحرية في الإسلام مفهوم عميق، يشمل الحرية في العبادة، التفكير، التصرف والاختيار؛ لكن هذه الحرية محكومة بشريعة الله ومبادئ الإسلام. الإسلام يولي أهمية كبيرة للحرية الفردية؛ ولكنه يشدد على أنها يجب أن تتوافق مع القيم الأخلاقية والمبادئ الإسلامية.

الحرية في الإسلام

الحرية في الإسلام لا تعني الفوضى أو التحرر المطلق؛ بل هي حرية منضبطة بضوابط الشريعة. فالإسلام يمنح المسلم حرية الإرادة في اختياراته؛ ولكنه في نفس الوقت يوجهه نحو ما هو خير له في الدنيا والآخرة.

وهي تتجسد في التحرر من عبودية الهوى والشهوات، والاعتراف بحرية العبودية لله تعالى وحده؛ مما يضمن للمسلم حياة مليئة بالسلام الداخلي، العدالة والمساواة، ومنظور الإسلام في الحرية يختلف تماماً عن المنظور المادي الغربي. 

الحرية في الإسلام تعني: الحرية في العبادة؛ فالإسلام يقر بحرية الإنسان في اختيار دينه، كما قال الله تعالى: {لا إكراه في الدين}، المسلم يعبد الله عن قناعة واختيار وليس بالإجبار {لكم دينكم ولي دين}، -ولا يجوز هنا احتكار فكرة لكم دينكم ولي ديني فقط أي كل في سبيله؛ فالمقصد في هذه الآيات وغيرها أنه لا إكراه في الدين، اختر دينك أنت حر؛ لكن الدين الحق هو دين الإسلام، وأنت كافر ومصيرك النار وأنا مسلم -وبإذن الله- مصيري الجنة-.

وتضمن في الإسلام أيضاً الحرية في التعبير؛ فالإسلام يضمن حرية التعبير بما يتفق مع مبادئ الأخلاق؛ فالشخص له الحق في التعبير عن آرائه، ولكن دون الإضرار بالمجتمع أو نشر الأفكار الفاسدة، وبحدود ما أمر الله جل في علاه.

والإسلام يضمن للإنسان حرية اتخاذ قراراته في الحياة، سواء كان في مجال العمل أو الزواج أو غيرها من المجالات، بشرط ألا تتعارض هذه الاختيارات مع شريعة الله، فالخيارت هنا محدودة: تشرب قهوة دون  سكر أو مع، تلبس اللبس الفلاني “الساتر” ولا تلبس الآخر، تختار مجال الهندسة أو الطب. فهذه خيارات مباحة في الإسلام تضمنها لك؛ أما الاختيار المحرمة: شرب الخمر، أخذ من الدين ما أردته وترك ما أبغضت.

والحرية لا تنطبق على الشخص نفسه فقط بقوله أنا حر ما لم أضر، هذا فكر أعوج، فمن يقرر ضررهم ليس أنت؛ بل من حولك؛ فما تراه نافعاً يراه غيرك ضرراً، وما تراه ضرراً يراه غيرك نافعاً، وإذا استندت إلى العقل؛ فالعقل لا يحكم في كل المقاييس، أحياناً الإنسان يرجع إلى القلب حكماً وإلا انهارت البشرية وذهب الضمير والإنسانية وتفككت الروابط المجتمعية.

لذلك؛ لا بد من مرجع أقوى من تلك المراجع كلها، ألا وهو المرجع الإلهي “القرآن الكريم”؛ فهو أعلم منا بنا، وهو خالقنا ويعلم ما ينفعنا وما يضرنا:

{وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.

والإنسان في الإسلام حر في الامتناع عن الأشياء التي تؤذيه أو تضر الآخرين، سواء كانت مرتبطة بالعادات والتقاليد الباطلة أو المعاملات المحرمة؛ إلا أن هذه الحرية ليست مطلقة؛ فهي مقيدة بالتوجهات التي أمرنا الله بها، وبحدود شرعه، نفعل ما يأمر به ونترك ما ينهى عنه، وكل هذه تصب في مصلحه الإنسان وحمايتها؛ فرب البشر أعلم بالبشر منهم؛ فهو خالقهم ومقدر مصيرهم وأقدارهم. 

والحرية هنا تنبثق من الأساس في ديننا الحنيف، وأول قاعدة والتي بغيرها لا تكون مسلم، وأسمى ما جاءت به الرسل والأنبياء هو التوحيد.

شهادة ألا إله إلا الله

الشهادة في الإسلام تعني أن يقر المسلم بلسانه ويؤمن بقلبه ويعمل بجوارحه وفق ألا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله. وهي أساس الدين الإسلامي، وتمثل اعترافاً بعبودية الله تعالى وبالرسالة التي جاء بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

الشهادة هي مفتاح الدخول في الإسلام، واعتناق الإسلام يتم من خلالها، وهي بمثابة إعلان الحرية من جميع أنواع الشرك؛ الهوى والنفس والأصنام والطاغوت والمناصب والجاه والدنيا…

والشهادة في الإسلام تتضمن الإقرار بأنْ لا إله إلا الله، وهذه الجملة تعني التحرر من عبودية أي شخص آخر أو أي قوة مخلوقة؛ فالمسلم بذلك يعلن تحرره من عبودية البشر والآلهة الباطلة، ويصبح خاضعاً لله فقط. وهذا يعكس مفهوم الحرية في الإسلام، الذي لا يتحقق إلا بالتحرر من كل ما يقيد الإنسان ويهينه ويخضعه ويذلة.

والشهادة تمثل بداية الطريق نحو الحرية؛ فمن خلال الإيمان بالله ورسوله، يتحرر الفرد من الخوف من الطغاة والأنظمة الظالمة، ويعيش حياة مليئة باليقين في قدرة الله ورعايته، فيصدح بالحق كما تصدح المآذن شامخة. هذا النوع من الحرية يجعل المسلم يشعر بالأمان الداخلي والاستقلالية الحقيقية في مواجهته لأي تحديات أو ظلم خارجي، ولا يخاف إلا من الله. 

وعند إشهار الشهادة، يصبح المسلم حراً في اختياراته الدينية والاعتقادية؛ فقد اختار المسلم بحرية تامة أن يكون جزءاً من الأمة الإسلامية، وأن يتبع ما جاء به القرآن الكريم والسنة النبوية. هذا الاختيار يعكس الحرية الفكرية والدينية التي يؤمن بها الإسلام، حيث يُحترم حق الإنسان في اختيار طريقه؛ لكن هذا الاختيار يتحقق ضمن إطار إيماني يعين المسلم على اختيار الأفضل في حياته الدنيا ويحقق له النجاة في آخرته.

والشهادة تمنح المسلم قوة إيمانية لمواجهة الظلم والاستبداد. بما أن الإسلام يعترف بالحرية كحق للإنسان، فإن من يتحلى بالشهادة ويؤمن بالله ورسوله؛ يدرك أن حريته في الدنيا والآخرة مرتبطة ارتباطاً عظيماً بدينه؛ فالإسلام يوجه المسلم للتمسك بحريته في مواجهة الطغاة والظالمين، ويحثه على الوقوف في وجه الظلم بكافة أشكاله.

قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: (الناس أعداء ما جهلوا). وقال الأمام الشافعي- رحمه الله-: (من تعلم العلم فاضلًا فالعلم أقوى من السيف في بسط السلطان). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: (الظلم إذا استمر أفسد البلاد وابتلى العباد).

الشهادة في الإسلام هي إعلان حرية الفرد من عبودية أي قوة غير الله، وهي بداية لحياة حرة إيمانياً، نفسياً، وفكرياً واعتقادياً ومجتمعياً؛ فالإسلام هو العدل والقسط والسلام، ومن خلال الشهادة يصبح المسلم حراً في اختياراته الدينية، ويتحرر من قيود الدنيا التي قد تمنعه من السير في طريق الإيمان. لذا؛ الشهادة في الإسلام تُعد الأساس الذي يبدأ منه المسلم في تحقيق حريته الحقيقية، حيث يحقق توازناً بين الحرية الشخصية واتباع شريعة الله التي تحفظ حقوق الإنسان وتضمن له حياة كريمة وتنهاه عن الحرام والأخطاء؛ لتحافظ بذلك على عقله ونفسه وجسمه، وتحفظ له: دينه، وعرضه، وماله، ونفسه وعقله.

من أقوال العلماء في الحرية في الإسلام:

(الحرية في الإسلام هي الحرية التي لا تضر الآخرين، والحرية التي تؤدي إلى السلام الداخلي والعدالة، والحرية التي تحترم الشرع ولا تعارضه).

ابن القيم

(الإسلام منح الإنسان حرية الاختيار، لكنه وضع قيودًا على هذه الحرية لحماية المجتمع وضمان العيش الكريم للناس جميعًا).

(الحرية الحقيقية هي أن يتحرر الإنسان من أهوائه وشهواته، ويفكر في مصيره الأخروي، والحرية التي لا تقيدها الشريعة هي فوضى تهدم المجتمع).

محمد الغزالي

(الحرية التي ينشدها الإسلام ليست حرية الفوضى، بل حرية منضبطة بحدود تضمن حقوق الفرد والمجتمع).

مالك بن نبي

الحرية في التصور الغربي

أما الحرية في الفكر الغربي؛ فتتمثل في حرية الفرد في اتخاذ قراراته الشخصية بعيداً عن تدخل الدولة أو أي سلطة ما لم يضر أي شخص وعلى ما أراد لهو هواه ونفسه.

ويُنظر إلى الحرية على أنها حق أساسي للفرد في اتخاذ قراراته الشخصية دون تدخل من الدولة أو المجتمع. هذا يشمل حرية الرأي، حرية الدين، وحرية التعبير عن الذات حتى ولو كان في ذلك ضرر على نفوس بعض الآليات والأشخاص، وطبعاً حتى لو سب القرآن أو استهزء بالنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فتضمن حقوقه، ما لم يكن ذلك فيه إساءة لليهود أو الشواذ والمنحطين!

الحرية المطلقة والمساواة المطلقة في المقررات والتصرفات والآراء والأهواء، والمساواة المطلقة بين المرأة والرجل والصغير والكبير، الطفل له الحق في تغيير جنسه والنساء لها الحق في الزنا وشرب الخمر إلا الزواج، والرجل له الحق في التحول!

فالغربي يرى أن من الحرية التفسخ والانحالال والشذوذ، وينظر لها على أنها أعظم وأسمى مراتب الحرية؛ بينما هي بالحقيقة عبودية للهوى والنفس: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}.

فالغرب اليوم وصل إلى مرحله الرغبة والشهوة، وترك العقل والمنطق في حافة الطريق، حتى لو تشدق وقال إنه يحكم بالعقل والعلم. 

{فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.

ومن أعظم سبل الانحطاط والانحدار والضياع  هو اتباع الهوى، أجارنا الله؛ فمن اتبع هواه لن يقعنه منهج ولا دين ولا عقل، وسيفرض على الناس ما أراد -كما نرى اليوم في الغرب تحولوا من مرحلة التقبل إلى الإجبار والعياذ بالله-.

وفي الختام

  • التصور الإسلامي للحرية مرتبط بشكل وثيق بالقيم الدينية، وهو يتضمن مسؤوليات أخلاقية تجاه الله والمجتمع؛ مما يعني أن الحرية ليست مطلقة ولكنها مقيدة بالشرع.
  • التصور الغربي للحرية يعتمد على فلسفات فردية تركز على حقوق الإنسان، في غالب الأحيان، دون أن تكون هناك قيود دينية أو أخلاقية واضحة؛ مما قد يؤدي إلى تبني مفهوم الحرية المطلقة في كثير من الأحيان.
  • الحرية في الإسلام تختلف عن الحرية في الغرب، حيث إن الإسلام يشدد على أن الحرية يجب أن تكون في إطار المسؤولية الأخلاقية والاجتماعية التي تتماشى مع المبادئ الدينية؛ بينما في الفكر الغربي، تُعتبر الحرية غالباً حقاً فردياً يتجاوز حدود أي قيود دينية أو أخلاقية. 

وأعظم ما قيل في الحرية قول الصحابي ربعي بن عامر حينما بعثه عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- إلى رستم فقال: (اللّه ابتعثنا لنخرج مَنْ شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومِنْ ضيق الدنيا إلى سَعَتها، ومن جَور الأديان إلى عَدْل الإِسلام، فأرْسلنا بدينه إلى خلقه لندعوَهم إليه، فمن قَبِل ذلك قبلنا منه، ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبداً، حتى نفضي إلى موعود اللّه).

فالأمة الغربية التي تدعي الحرية وأنها سابقة للأمم بها؛ انبهرت من صمود شعب غزة في تلك البقعة الصغيرة التي إلى يومنا هذا تسطر أعظم ملاحم السمو والإصابات واليقين، وتنكل وتقتل في العدو في كل لحظة وحين؛ برغم القصف العنيف والحرق والتوغل والدعم طيلة السنة والبضع أشهر؛ الا أنهم أثبتوا للعالم ولقنوه أعظم وأعتى معاني الحرية الإسلامية الشامخة الصامدة؛ فلله غزة وشعب غزة وكل مسلم في الوجود.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة