الكلمة الطيبة

|

قال أحدهم: (الكلمة الطيبة طائر جميل حين تطلق سراحه من لسانك سيغرد في صدور الاخرين. لتكن أخلاقنا باقة من زهور الحياة نهديها لمن حولنا).

في يومٍ مشرق، كان هناك صديقتان، “تسنيم” وهي امرأة في الثلاثينيات من العمر، لديها خبرة في أمور الحياة ولها صديقة أصغر منها اسمها “بسمة”، وهي في العشرينيات من العمر، تحب التحدث والنقاش معها وتستفيد من خبراتها في الحياة.

اتفقت الصديقتان على أن تتقابلا للمناقشة بخصوص مشكلة تمر بها بسمة منذ فترة طويلة وتحتاج إلى الوصول لحلٍ لها. كانت الأمور على ما يرام؛ لكن فاجأ تسنيم المرض، فخضعت لعملية جراحية نتج عنها تعب شديد. عندما اتصلت بها بسمة أخبرتها تسنيم بأمر العملية وبأنها متعبة جداً ولا تستطيع أن تخرج اليوم، وأنها ستقابلها عندما تتحسن حالتها الصحية. 

حاولَت بسمة التخفيف عنها؛ فبمجرد سماع ذلك قامت بالدعاء لها بالشفاء، وكان صوتها به الكثير من الامتنان، ثم أحبّت أن تقول لها كلاماً طيباً يزاحم الألم؛ فشكرتها بشدة أنها تحسن النقاش والاستماع، وأخبرتها بأن حبها محفور في قلبها، والأروع من ذلك: أنها متأثرة بها وبأحاديثها تأثيراً عميقاً، وبأنها شاكرة لها على هذا التغيير الكبير الذي طرأ لشخصيتها نتيجة علاقتها بها.

قالت بسمة كل ذلك بعفوية تامة وهي لا تعلم الذي ينتظرها، كانت تظن أنها تقول كلاماً عادياً؛ لكن فاجأتها تسنيم بصوتٍ يملؤه البهجة: (لقد أسعدني كلامكِ جداً؛ لدرجة أنني أشعر بالاستفاقة بعض الشيء، بعدما كنت متعبة جداً، أسأل الله أن يحقق لكِ كل ما تتمنيه يا عزيزتي).

سَرَت السعادة في جسد بسمة وامتنّت إلى الله لأنه وفقها للتحدث بهذا الكلام الطيب، وكانت تشعر بأنها تلقت مفاجأة جميلة؛ أن كيف يصل التغيير إلى درجة حدوث شيء من الاستفاقة؟ كانت مفاجأة راقية. وتعلمت درساً نبيلاً، وهو أن الكلمة لها مفعول السحر في القلوب، وأراد الله لحروفها أن تكون بلسماً علاجياً لآلام الصديقة الوفية.

ومن هنا أتسائل: إذا كان هذا التأثير القوي من كلماتٍ بسيطة، فكيف الحال لو عبرنا عما في قلوبنا لأحبابنا بعمقٍ أكثر؟ كيف يكون الحال لو أبدعنا في تعبيرات الحب التي تخرج من أفواهنا فجلبنا معها الهدايا؟ أو شبهنا من أمامنا بالتشبيهات الراقية؟ كيف يكون الحال لو نثرنا عبق الثناء في رسالة مكتوبة بالحبر ووضعناها في ظرف مع هدية وأعطيناها لمن أمامنا وعلى وجوهنا كل عبارات الشكر والحب؟

وما أروع أن نتفنن في الهدايا فتكون مختلفة ومميزة أكثر من السائد، وتكون مصنوعة خصيصاً للشخصية التي أمامنا فقط! وأن نبوح بأصواتنا بنبرات فعالة، وتعبيرات وجه مؤثرة فيمن أمامنا، متأثرة بما فعلوه بقلوبنا ليشعروا بأهميتهم لدينا وحجم محبتهم؛ فتزداد علاقة المحبة بيننا رسوخاً وقوةً كالجبل! 

وأنا أرى أن الكلمات لها تأثير الماء على الأرض المزروعة، ولها قوة في الوصول إلى الفؤاد قد لا تزول من داخل الطرف المستمع؛ إلا بزواله من على وجه الحياة؛ فيعيش عمره كاملاً وهو يتذكر، ويتذكر، ويتذكر.

والمنافع في هذا الشأن جمّة، ولو دققنا سنرى العجائب التي تجرنا جرّاً لطِيبِ عطور الكلمات: 

  • فأولاً: هو مرضاة للرب، “والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ” صحيح البخاري. وكما نعلم؛ فلساننا سينطق يوم الحساب شاهداً على ما قلناه.
  • ثانياً: توطيد العلاقات مع البشر من حولنا؛ فالعلاقات القوية هي زينة الحياة، وهي أيضاً مليئة بأوجه الاستفادة إذا ما سقطنا في مأزق، فبعد عناية الله وتوفيقه قد نحتاج المساعدة في أمرٍ طارئ ويساعدنا من هو ممتنٌ لنا على خير فعلناه مسبقاً. 
  • ثالثاً: الكلام الطيب هو بمثابة تدريب للقلب على الحب والامتنان والشعور بالبهجة والخير، وهذه المشاعر هي من أجمل ما يمر على المرء في أيامه، هي عسلِ الحياةِ الجاري. وما ألذ الشعور المتدفق عند معرفة أننا كنا سبب في استفادة وإسعاد من أمامنا، وتقول “بسمة” أن السرور الذي كان في صوت صديقتها هو سرور أطيب من العسل. قال تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة – ٨٣]، وقال أبو هريرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم: “إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن رِضْوانِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بها دَرَجاتٍ” صحيح البخاري.
  • رابعاً: نحن جميعاً نمر بابتلاءات تتفاوت درجة شدتها بين كل إنسان والآخر، منّا من يشعر بشدة الألم والهلاك وبأنه غير قادر على تحمل أعباء الحياة؛ فتخيل الآن أنك أمام إنسان يتألم وظللت تحاول لفترةٍ طويلة التخفيف عنه بطمأنته أن له الأجر على المشقة، وبث الطاقة الايجابية داخله عن طريق محادثته عن أن الأمور لا تسير على وتيرةٍ واحدة؛ بل أن التغيُّر والتبدل سنة الله في الأرض، وإخباره ألا أحد يعرف المستقبل، وبالتالي قد يكون الفرج قريبٌ منه أقرب من رؤية عينيه للضوء، ثم اعرض المساعدة عليه وإخباره بأنك موجود إذا احتاج إليك في أي وقت، ثم الاسترسال في سرد قصص عن الصبر وعن تحمل مشاقّ الابتلاءات وكيف أن الحال يتغير ولا شيء يثبت على ما هو عليه، وإخباره بآية: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر – 10].

كل ذلك قد يؤدي بمن أمامك إلى الامتنان إليك -على الأقل- وتذكُّرك وتذكُّر موقفك البطولي معه؛ لأنك ربَّتَّ على قلبه بكلماتٍ حانية كان في أشد الحاجةِ إليها! 

قال أحدهم: (الكلمة الطيبة جواز سفر إلى القلوب، تسعد بها النفس، وينشرح لها القلب فيبقى فيه أثرها الطيب وتنشر فيه أريجها الفواح). الكلمة الراقية هي بلسم الجروح وهي أغلى أنواع العطور، بها ننعم بالابتسامة المشرقة، بها نحيا بالحب والسلام، نُحدِثُ تأثيراً في الميدان.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة