الإعداد وسيلة للإحسان في مواسم الطاعات

|

من رحمة الله بنا أن يسر لنا مواسم الطاعات، نتخفف فيها من الذنوب والمعاصي ونصلح بها قلوبنا وأنفسنا. 

وها هي الأيام تطوى وها هو الحبيب قد اقترب؛ إنه شهر رمضان شهر الرحمات والغفران، وها قد حل شعبان “رمضان المصغر”. عظمه النبي ﷺ وينبغي على المؤمنين تعظيمه كما عظمه النبي ﷺ.

كان النبي ﷺ يصوم شعبان كله وفي رواية “إلا قليلاً”، وقال لما سئل ﷺ عن صيامه لشهر شعبان: “ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم”.

فإن أردت أن تتذوق حلاوة رمضان؛ فعليك بإعداد العدة، عليك بتجهيز نفسك. لا تتخيل أن تستقبل رمضان بقلب غير مجهز وجسدٍ غير مستعد لقيام ولا لفجر؛ فهذا زعم كاذب. بالله عليك هل ذقت رمضان من قبل؟ يمر عليك رمضان عام بعد عام ولا تدري متى يكون آخر عهدك مع هذا الشهر الكريم؛ فأحسن استقباله.

كيف كان حال السلف مع شهر شعبان؟

قال الحافظ ابن رجب: (ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان، شرع فيه ما يشرع في رمضان من صيام وقراءة القرآن؛ ليحصل التأهب لتلقي رمضان، وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن). ومما قاله أيضاً: (كان عمرو بن قيس إذا دخل شعبان، أغلق تجارته وتفرغ لقراءة القرآن وكان يقول: طوبى لمن أصلح نفسه قبل رمضان). ومن أقوالهم المشهورة: (لا رمضان لمن لا شعبان له).

فمن لا يستعد في شعبان تمام الاستعداد لن ينتفع في رمضان. ومن الملاحظ أن بدخول شعبان يترك الناس العبادة والطاعة ويقصرون، وهم مقصرون من قبل أصلاً، ويقول القائل لنفسه: (يأتي رمضان ونعوض كل ذلك، ها قد اقترب رمضان وسننطلق به).

مسكين ذلك الشخص، ظل الشيطان يفتح له باب التمني والأمل حتى يقعد عن العمل في شعبان ويتكاسل عنه. فالنفس كلما اقتربت مواسم الطاعة، بدل أن تعلو همتها، تفتر وتتضاءل وتظن أنها ستعوض في رمضان، ثم يأتي عليها رمضان ولا يجدي شيئاً. استقبلوه خائبين مقصرين في الطاعات، ومر وهم على نفسِ الحال؛ لذلك لا نجد تغيراً بعد رمضان ولا نجد لذة في رمضان.

بالله كم رمضان مر هكذا وأنت خائب؟ أين صدقك في الطلب؟ أين سعيك الدؤوب؟ اقرأ هذه الآية وكررها على قلبك؛ {۞ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً}، ثم ماذا؟ {وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ}. كل تلك الأعوام الماضية، كره الله انبعاثك وقعدت مع القاعدين، تعوّذ بالله أن تكون هذا العام ممن كره الله انبعاثهم فثبطهم.

جهز قلبك لاستقبال رمضان؛ فربما يكون آخر العهد معه، توكل على الله واجعل لك هدفاً تريد أن تصل إليه، وهو ألا يمر رمضان إلا وقد سعيت سعياً دؤوباً ليغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر.

كيف لا تغفل عن شهر شعبان؟

أن تبذل فيه أعمالاً ضعف ما كنت عليه، أن تملأ وقت الغفلة بالذكر، والطاعة والعبادة. ومن المهم ألا تهرول إلى الأعمال الظاهرة وتهمل الباطن، فاهتم بأعمال الجوارح والأعمال القلبية أيضاً.

ننظر إلى قلوبنا وقد اقترب رمضان؛ فلا نجد إلا قسوة وجفاءً وإقبالاً على الدنيا وإعراضاً عن الآخرة، وكيف نستقبل رمضان بمثل هذه القلوب؟ يحمل الواحد منا حجارة في صدره؛ فلا يخشع ولا يلين، يحمل قلباً منهكاً مشتتاً في ساحات الدنيا!

ارجع بذاكرتك أعواماً مضت كابدت فيها قسوة القلب، كنت تقبل على الصلاة فلا تخشع، والقرآن يتلى عليك فلا تجد إلا قسوة! ومصيبة أن يبلغ شعبان وقلبك بمثل هذا القلب الغارق المشتت.

فاستثمر شعبان في الإنابة لله وإيقاظ القلب من غفلته. قال سبحانه: {وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ}. يسارع الواحد منا إلى الإهتمام بالأعمال الظاهرة من صيام وقيام وقراءة القرآن وداخله خرابٌ، فمن المهم أن يكون الظاهر والباطن يريدان الله سبحانه وتعالى. فجهزوا قلوبكم وأنفسكم وأقبلوا يرحمكم الله على رمضان وأنتم معدون العدة.

شعبان شهر ترفع فيه الأعمال

ثم ألا ينتابك تأنيب الضمير، حين ترفع الملائكة صحائف الناس وهي مليئة بالطاعات والعبادات الظاهرة والباطنة، وأنت أنت كما أنت في كل عام، تقول أنتظر رمضان، يمر رمضان فتقول لا بأس رمضان القادم، يتسابق الناس لله وأنت تسوف وتتكاسل، وترفع الملائكة صحيفتك وهي تحمل أعمالاً خسيسة قليلة لا تساوي شيئاً؟

يقول ﷺ إخباراً عن شهر شعبان: “وهو شهرٌ تُرفعُ فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين وأُحِبُّ أن يُرفعَ عملي وأنا صائمٌ”. وظاهر كلام أهل العلم أن الأعمال ترفع إلى الله في أربعة مواضع: في نهاية كل يوم وليلة، كل أسبوع، كل عام، وعند انقضاء الأجل وإغلاق صحيفة العمر. فضع هدفاً أن ترفع صحيفتك لله وهي مختومة بالطاعات.

ليس الجميع أعطاه الله فرصة لاستقبال رمضان، وأنت الآن حي ترزق فيك نفسٌ؛ فاجتهد. ولعلك تدركك المنية ولا تستقبل رمضان؛ فاصدق الله وابذل حتى تصل. شهر شعبان شهر الصدق والإخلاص، فلتنظر إلى أقوالك وأفعالك وقلبك وعباداتك وما تريد به وجه الله.

“حذارِ حذارِ أن يأتي واجب الوقت وأنت غير مستعد له ومتهيء لفعله، فتعاقب بالتثبيط عن فعله والتخذيل عن تحصيله، قال تعالى: { ۞ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ}”. 

الإمام ابن القيم رحمه الله

لا تخادع نفسك وتقول: إذا أقبل رمضان لأفعلن كذا وكذا. ابدأ الآن حتى لا ينتهي بك الأمر باللوم وجلد الذات، اعزم على السير، وأولى خطوات البداية أن تسأل الله التوفيق والإعانة؛ وتذكر قوله سبحانه: {وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا}.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة