العمر قصير، قصير جداً، ربما لو عشنا طوال عمرنا نتزود لمراحل ما بعد الدنيا؛ لن يكفينا الزاد؛ فالدنيا بالنسبة لما بعدها مثل القطرة بالنسبة للبحر. فكيف وقد نقطع ما يقارب ثلث أعمارنا في غير التزود للآخرة؟ فالطفولة تأخذ من أعمارنا سنوات، والنوم، ووقت الطعام والترفيه وغيره.
تلك حقيقة ربما لا نبصرها نحن أبداً؛ لكن السادة في الجيل المتفرد قد أدركوها جيداً وتعاملوا معها بمنتهى الحزم والعزم والجدية والرجاء.
فإن قلّبنا النظر في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ تجدهم دائمي تكرار سؤال (يا رسول الله أي الأعمال أفضل)، (أي الأعمال أحب إلى الله)، (أوصني)، وما على ذاك المنوال وتلك الشاكلة؛ فكانت أعينهم دائماً على أعظم الأعمال وأعلاها وأكملها.
ليس ذلك فحسب؛ بل كثيراً ما تجد أن بعض الصحابة رضي الله عنهم، كانوا يسعون إلى أن يزيدوا في أعمالهم عما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، ليس لعدم التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ وإنما لأنهم كانوا يرون أن تلك الأعمال للنبي صلى الله عليه وسلم وهو قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وهو صاحب المقام المحمود وهو هو؛ فكانت نظرتهم هي: كيف يكتفون بذلك فقط؟ بل عليهم أن يزيدوا عن ذلك حتى يحوزوا الجنة ويرافقوا النبي صلى الله عليه وسلم! لكن عندما نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الزيادة كما في حديث الذي يصوم ولا يفطر والذي يقوم ولا ينام،… إلى آخره، وغيرهم من المواقف والأحاديث؛ استجابوا وانتهوا.
النبي صلى الله عليه وسلم كان كثيراً ما ينهى الصحابة عن أن يزيدوا في الطاعات بأكثر مما سنه صلى الله عليه وسلم؛ أما أحدنا اليوم فربما قد يفرط في الفروض لشدة تفريطه في تلك النوافل!
ولعل من أعظم المنح التي منحنا الله عز وجل، نستطيع بها التكثير من الحسنات لنتغلب على قصر أعمارنا وقلة أعمالنا: النية.
سنا برق
النية نعمة جليلة عظيمة لو قضينا أعمارنا في شكر الله عز وجل عليها ما وفينا شكرها؛ فبها نستطيع تحويل أي عمل عادي إلى عبادة نؤجر عليها، حتى الأكل والشرب والنوم واللعب!وليس ذلك فحسب؛ بل تعداد النوايا للعمل الواحد، منحة عظيمة لزيادة الحسنات.
ثم لو تفكرنا قليلاً؛ لوجدنا الذكر، الذي هو من أيسر وأخف الأعمال على من وفقه الله عز وجل له، عداد حسنات لا يتوقف ولا يحتاج وقت مخصوص ولا مجهود ولا تفرغ، فقط نية صادقة، ومحبة لله عز وجل ورسوله خالصة.
فضلاً عن الأوقات والأماكن الفاضلة التي تتضاعف فيها الحسنات، وعن الأجور العظيمة التي نؤجر بها عن أعمال يسيرة بفضل ربنا عز وجل وكرمه. فمثلاً صلاة ١٢ سنة راتبة نؤجر عليها ببيت في الجنة، وقول سبحان الله وبحمده نؤجر عليه بنخلة في الجنة، وهكذا.
بل ومن كرم الله عز وجل علينا ورحمته بنا؛ أن من اعتاد على عبادة معينة دائمة لا ينقطع أجرها عنه حتى وإن اضطر لتركها بسبب مرض أو ظرف ما ألم به. فمثلاً إنسان اعتاد على قيام الليل ولو بركعتين، وحدث في ليلة أن مرض أو ألم به حدث ما؛ فلم يصلِّ من ليلته؛ فيكتب له أجر قيام الليلة.
ففي صحيح البخاري يقول: حدثنا مطر بن الفضل حدثنا يزيد بن هارون حدثنا العوام حدثنا إبراهيم أبو إسماعيل السكسكي قال سمعت أبا بردة واصطحب هو ويزيد بن أبي كبشة في سفر فكان يزيد يصوم في السفر فقال له أبو بردة سمعت أبا موسى مرارا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا”.
فالحمد لله المنان على نعمة الإسلام.