لما نطلب من المظلوم التجاوز؟

من أغرب صفات البشر التي لا أجد تفسير لها، هو حمل المظلوم على التجاوز دائماً، والطلب منه أن يتنازل عن حقه تحت مسمى التسامح، وألا يسعى لرفع الظلم عنه؛ وإلا يُتهم بإثارة المشاكل وتقطيع أواصر العلاقات، وألا يحمل أي شعور سيئ تجاه الظالم وإلا يُتهم بسواد القلب!

رأيت ذلك في كل الفئات، وفي كل العلاقات، وفي كل المشكلات. ندر أن تجد أحد يعيد حق لصاحبه، ويصحبه في رحلة استرداد حقه بما يرضي الله عز وجل، وندر أن تجد أحد يشير إلى الظالم بظلمه ثم يأخذ معه إجراء يمنعه من ظلمه وطغيانه.

بل دائماً ما يكون الضغط على المظلوم؛ حتى يتجاوز على كل المستويات، أن يتجاوز فيترك حقه، وأن يتجاوز فيسامح الظالم ويعف عنه؛ بل حتى يُطلب منه أن يتجاوز شعور الألم والحزن والغضب والحسرة، فحتى المشاعر ذاتها يودون التحكم فيها والحكم عليها!

ولو أن كل شخص طُلِب للفصل بين خصمين، فأنصف المظلوم وردع الظالم على حسب سلطته بلا تهاون أو طغيان وبما يرضي الله عز وجل؛ لما تعددت ظلماته ولما تعددت شكاوى المظلوم، ولما كثر الظلم!

سنا برق

لكن هؤلاء ما انتصحوا بنصيحة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال كما في صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه: “انْصُرْ أخاكَ ظالِمًا أوْ مَظْلُومًا. فقالَ رَجُلٌ: يا رَسولَ اللَّهِ، أنْصُرُهُ إذا كانَ مَظْلُومًا، أفَرَأَيْتَ إذا كانَ ظالِمًا، كيفَ أنْصُرُهُ؟ قالَ: تَحْجُزُهُ -أوْ تَمْنَعُهُ- مِنَ الظُّلْمِ؛ فإنَّ ذلكَ نَصْرُهُ”؛ فما نصروا ظالماً ولا مظلوماً، وإنما ظلموا الجميع، وظلموا أنفسهم قبل الجميع!

وهذا يذكرنا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “… فإنَّما أهْلَكَ النَّاسَ قَبْلَكُمْ: أنَّهُمْ كانُوا إذا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقامُوا عليه الحَدَّ، والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لو أنَّ فاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ، لَقَطَعْتُ يَدَها…” صحيح البخاري.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة