الرضاعة الطبيعية

|

الرضاعة الطبيعية ليست مجرد وسيلة لتغذية الطفل، بل هي عملية طبيعية تحمل في طياتها فوائد صحية ونفسية لكل من الأم والطفل والأسرة. يلعب حليب الأم دورًا حيويًا في تعزيز صحة الطفل وتقوية مناعته، وكذلك في دعم صحة الأم بعد الولادة.

فوائد الرضاعة الطبيعية للأم

تحفيز انقباضات الرحم

عندما تقوم الأم بالرضاعة الطبيعية، يتم إفراز هرمون الأكسيتوسين (الهرمون المسؤول عن المشاعر الإيجابية في الجسم) من الغدة النخامية. هذا الهرمون يحفز انقباضات الرحم، والتي تُعرف باسم “تقلصات بعد الولادة”. هذه الانقباضات تساعد في:

  • تنظيف الرحم من بقايا المشيمة.
  • تقليل النزيف ما بعد الولادة، وهو أمر مهم يقلل من وفيات الأمهات.
  • رجوع الرحم لحجمه الطبيعي بشكل أسرع.

حرق الدهون المتراكمة بسبب الحمل

الرضاعة الطبيعية تتطلب طاقة كبيرة، مما يساعد الأم على حرق الدهون المتراكمة خلال الحمل. الأم المرضعة تستهلك حوالي 500-700 سعرة حرارية إضافية يوميًا من هذه الدهون كي يتم إنتاج الحليب، مما يساعد في فقدان الوزن بشكل طبيعي وصحي.

وسيلة لمنع الحمل

الرضاعة الطبيعية تساعد في منع الحمل عن طريق تحفيز إفراز هرمون البرولاكتين الذي يمنع الإباضة، ولضمان فعالية هذه الطريقة، يجب أن تكون الرضاعة طبيعية كاملة أو شبه كاملة، وعمر الرضيع أقل من 6 أشهر، مع انقطاع الدورة الشهرية.

فوائد الرضاعة الطبيعية للطفل

الوقاية من الأمراض

الرضاعة الطبيعية تقلل من خطر إصابة الأطفال بأمراض، مثل الإسهال، والالتهاب الرئوي، وهي أسباب رئيسية لوفيات الأطفال. كما أنها تقلل من احتمالية الإصابة بالتهابات الأذن الوسطى وأمراض الجهاز التنفسي والهضمي.

الأطفال الذين يرضعون طبيعيًا أقل عرضة للإصابة بأمراض شائعة (مثل: التهابات الأذن الوسطى، التهابات الجهاز التنفسي والإسهال)، بالإضافة إلى ذلك، تظهر الأبحاث أن الأطفال الذين يرضعون طبيعيًا لديهم نظام مناعي أكثر تطورًا واستجابة أفضل للأمراض، مما يقلل من الحاجة إلى المضادات الحيوية والعلاجات الطبية الأخرى.

وتستمر فوائد الرضاعة الطبيعية لفترة طويلة بعد الفطام، حيث يواجه الأطفال الذين رضعوا طبيعيًا معدلات أقل من الحساسية، الربو، السكري، والسمنة في مراحل لاحقة من حياتهم، لذلك تعتبر الرضاعة الطبيعية الخيار الأمثل لتغذية الرضيع، ودعم جهازه المناعي بشكل فعال ومستدام.

إضافة إلى الفوائد الصحية، تعزز الرضاعة الطبيعية الترابط العاطفي بين الأم والطفل، مما يسهم في التطور النفسي والاجتماعي للطفل، فالاستثمار في الرضاعة الطبيعية ليس فقط يفيد صحة الطفل، بل يعود بفوائد اقتصادية واجتماعية على المجتمع ككل من خلال تقليل تكاليف الرعاية الصحية، وتحسين جودة الحياة.

الرضاعة الطبيعية والصحة النفسية للطفل

الرضاعة الطبيعية ليست مجرد وسيلة لتغذية الرضيع، بل هي حجر الأساس لبناء علاقة الأم والطفل، وهي أول خطوة لنمو الطفل العاطفي والنفسي والعقلي، تلعب الرضاعة الطبيعية دورًا مهمًا في تحسين الصحة النفسية للأطفال وذلك من خلال:

  • العلاقة العاطفية والأمان:  إحدى أهم الفوائد النفسية للرضاعة الطبيعية هي تعزيز الرابطة العاطفية بين الأم والطفل. خلال هذه الفترة الحميمة، يشعر الطفل بالأمان والحماية، مما يساعد في تطوير الثقة والراحة النفسية في المراحل المبكرة من الحياة.
  • التطور العقلي: يحتوي حليب الأم على مكونات غذائية وهرمونات تسهم في النمو العقلي السليم للطفل. هذا يؤدي إلى تعزيز النمو الإدراكي والعقلي في السنوات الأولى من الحياة.
  • التنظيم العاطفي والسلوك:  الرضاعة الطبيعية تساعد في تنمية مهارات التنظيم العاطفي لدى الأطفال. هذا يعني أنهم سيتمكنون من التعامل بشكل أفضل مع مجموعة متنوعة من المشاعر والمواقف العاطفية في المستقبل. وقد يساعد ذلك في الحد من السلوكيات السلبية في وقت لاحق.


بشكل عام، الأطفال الذين يرضعون رضاعة طبيعية غالبًا ما تكون لديهم مهارات أقوى في التفكير النقدي، وذاكرة أفضل، إضافة إلى القدرة على التحدث في عمر مبكر، ومهارات حركية أفضل. هذه الفوائد البدنية والعقلية تؤدي إلى نتائج إيجابية على الصحة النفسية للطفل في المراحل المبكرة والمتأخرة من النمو.

الرضاعة الطبيعية واكتئاب ما بعد الولادة

 هل يمكن للرضاعة الطبيعية تقليل خطر الإصابة بالاكتئاب؟ 

اكتئاب ما بعد الولادة

يُعد اكتئاب ما بعد الولادة من المضاعفات الشائعة، التي قد تواجه بعض الأمهات بعد إنجاب طفلهن. يبدأ الاكتئاب خلال الأسابيع الأولى أو الأشهر الأولى بعد الولادة، وتتداخل عدة عوامل معقدة تؤدي للإصابة به، حيث لا يوجد سببٌ واحد مباشر، وتتضمن هذه العوامل التغيرات الهرمونية، وتاريخ مرضي بالإصابة بالاكتئاب، والجينات، والحرمان من النوم والتعب الشديد. ومن المهم التفريق بين هذا الاكتئاب، ومرحلة الكآبة النفاسية المؤقتة، التي تمر بها معظم الأمهات بعد الولادة.

الفرق بين الكآبة النفسية واكتئاب ما بعد الولادة

على الرغم من أن كِلتا الحالتين قد تظهران بعد الولادة مباشرة، فإنهما يختلفان في مدى حدة الأعراض، ومدة استمرارها. 

  • الكآبة النفاسية: هي حالة عابرة وشائعة تتسم بتقلبات مزاجية وبكاء وقلق، يرجع سببها للتغيرات الهرمونية في جسم المرأة بعد الولادة، ولا تستمر لأكثر من أسبوعين. 
  • اكتئاب ما بعد الولادة: فهو أكثر شدة، وتستمر أعراضه لفترات أطول، وتتضمن أعراضًا أشد (مثل: الأرق المزمن، والشعور بالذنب، والتعب الشديد، وفقدان الطاقة، وعدم القدرة على اتخاذ القرارات، وتكرار أفكار الموت والانتحار، وصعوبة التعلق بالطفل).
  • كِلتا الحالتين “الكآبة النفاسية واكتئاب ما بعد الولادة” قابلتان للعلاج والتحسن بنسبة عالية.


احتمالية حدوثه

وجدت دراسة أجريت في عام ٢٠٢٢ م في إحدى الدوب، أن نسبة النساء اللاتي يعانين من اكتئاب ما بعد الولادة، تبلغ 32.8%.

الرضاعة الطبيعية أحد العوامل المهمة للوقاية من اكتئاب ما بعد الولادة

وجدت عدة دراسات أن الأمهات اللاتي لا يمارسن الرضاعة الطبيعية يكونن أكثر عرضة للإصابة بالأعراض الاكتئابية، فالرضاعة الطبيعية تُعد أحد العوامل التي تحمي الأم من الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة.

كيف تحميك الرضاعة الطبيعية من خطر الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة؟ 

  1. تحفيز إفراز هرمون الأكسيتوسين: عملية الرضاعة الطبيعية تحفّز إفراز هرمون الأكسيتوسين، والذي يُعرف بـ “هرمون السعادة”، لأنه يحسن الحالة النفسية من خلال تقليل مستويات التوتر والاكتئاب في الدم. كما يلعب دورًا مهمًا في تعلّق الأم بطفلها وتوطيد العلاقة بينهما.
  2. خفض مستويات الكورتيزول: الرضاعة الطبيعية تُقلل من مستوى هرمون الكورتيزول، والذي يُعد مسؤولًا عن الاستجابة للضغط النفسي. ارتفاع مستويات الكورتيزول يُعد عاملًا للإصابة باكتئاب ما بعد الولادة.
  3.  تحسين جودة النوم: الرضاعة الطبيعية تساعد في تحسين جودة النوم وتنظيمه، والنوم يُعد عاملًا مهمًا في اضطرابات المزاج.
  4.  تعزيز الثقة والكفاءة الذاتية: وجدت الدراسات أن ثقة الأم وإيمانها بقدرتها على الرضاعة الطبيعية، تلعب دورًا في الوقاية من اكتئاب ما بعد الولادة، كما أنها تتنبأ برغبة الأم في الرضاعة الطبيعية.
  5.  إيجابية التجربة: من المهم أن تكون تجربة الرضاعة الطبيعية إيجابية وميسّرة من خلال تثقيف الأم ودعمها، حيث إن الخبرات السابقة السلبية قد ترتبط بالإصابة باكتئاب ما بعد الولادة.

لذا، فإن الرضاعة الطبيعية تُعد إحدى الطرق الفعالة للوقاية من اكتئاب ما بعد الولادة، وتستحق الأمهات الدعم والاستشارات اللازمة لضمان تجربة إيجابية لهن ولأطفالهن.

تأثير الرضاعة الطبيعية على وزن طفلك

تُعد الرضاعة الطبيعية أحد أهم الممارسات الصحية، التي لها آثار إيجابية على نمو وتطور الأطفال، حيث أشارت الدراسات إلى أن الرضاعة الطبيعية لها دور وقائي ضد السمنة في مرحلة الطفولة، لذا ستتم مقارنة النتائج بين الأطفال الذين تلقوا الرضاعة الطبيعية والأطفال الذين لم يتلقوها كالتالي:

  • مؤشر كتلة الجسم:

الأطفال الذين يرضعون بشكل طبيعي، كان لديهم مؤشر كتلة الجسم أقل عند سن 2-5 سنوات.

 الأطفال الذين لم يرضعوا بشكل طبيعي، كان لديهم مؤشر كتلة الجسم أعلى عند سن 2-5 سنوات.

  • الرضاعة الطبيعية بدون استخدام الرضاعة الصناعية:

الأطفال الذين تلقوا رضاعة طبيعية لمدة لا تقل عن 4 أشهر، كان مؤشر كتلة الجسم لديهم أقل عند سن 2-5 سنوات.
  الأطفال الذين لم يتلقوا رضاعة طبيعية لمدة لا تقل عن 4 أشهر، كان مؤشر كتلة الجسم لديهم أعلى عند سن 2-5 سنوات.


من خلال هذه النتائج، يتضح أن للرضاعة الطبيعية دورًا مهمًا في الحفاظ على مؤشر كتلة الجسم الصحي لدى الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة. كما أن الرضاعة الطبيعية لمدة لا تقل عن 4 أشهر، لها تأثير إيجابي على هذا المؤشر. لذلك، من الأهمية بمكان تشجيع الأمهات على ممارسة الرضاعة الطبيعية لفوائدها الصحية المتعددة.

الرضاعة الطبيعية والوقاية من التهاب الأذن الوسطى

يحدث التهاب الأذن الوسطى في معظم الأحيان بسبب عدوى بكتيرية أو فيروسية، تؤثر في الأذن الوسطى؛ مما يؤدي إلى تراكم السوائل خلف طبلة الأذن، ويُعَدُّ هذا المرض من أكثر الأمراض شيوعًا بين الأطفال؛ حيث يصابون به أكثر من البالغين.

لماذا يعتبر الأطفال أكثر عرضة لالتهاب الأذن الوسطى؟

  1.  نقص المناعة عند الأطفال يجعلهم عرضة، وأقل قدرة على محاربة العدوى.
  2.  قِصَر قناة إستاكيوس (أنبوب رقيق يمتد من الأذن الوسطى إلى الجزء الخلفي من الأنف) لدى الأطفال، يجعل من الصعب تصريف السوائل من الأذن.

ماهي أعراض التهاب الأذن الوسطى؟

  • ألم في الأذن، وخاصة عند الاستلقاء.
  • صعوبة في النوم.
  • البكاء أكثر من المعتاد، وسحب الأذن.
  • عدم الاستجابة للأصوات.
  • ارتفاع في درجة الحرارة (℃38) درجة مئوية أو أعلى.
  • إفرازات من الأذن.
  • فقدان الشهية.

كيفية الوقاية من التهاب الأذن؟

  • عند حدوث نزلات البرد، يُفضل معالجة الطفل، وعدم إهمال علاجه حتى لا تتطور إلى التهاب بالأذن الوسطى.
  • يجب الحرص على متابعة صحة الطفل باستمرار، وخاصة إذا كان يتعرض لالتهابات متكررة في الأذن الوسطى.
  •    تأكد من أن الطفل قد أخذ اللقاحات الروتينية.
  • عدم تعريض الطفل إلى دخان السجائر والشيشة وغيرها (التدخين السلبي).
  • إبعاد الطفل عن المصابين.
  • الحرص دائمًا على رفع رأس الرضيع أو الطفل قليلًا أثناء الرضاعة.
  • الرضاعة الطبيعية لمدة 6 أشهر على الأقل، تقوي المناعة، وتجعل الطفل أقل عرضة لالتهابات الأذن.

دور الرضاعة الطبيعية في تقليل خطر الإصابة بالتهاب الأذن الوسطى

الرضاعة الطبيعية تقلل احتمال الإصابة بالتهابات الأذن الوسطى لدى الأطفال، فالأطفال الذين يتناولون الحليب الصناعي أكثر عرضة لالتهابات الأذن الوسطى، من الأطفال الذين يتلقون الرضاعة الطبيعية، والسبب وراء ذلك غير واضح، ولكنه من الأرجح أنه يتعلق بوجود الأجسام المضادة في حليب الأم، التي تقوّي مناعة الطفل، أو أن عملية الرضاعة من زجاجات الحليب تؤدي إلى انتقال الضغط إلى الأذن الوسطى، مما يسهم في حدوث التهاب الأذن الوسطى.

اذًا الرضاعة الطبيعية ليست مجرد تغذية ، بل هي تبني علاقة فريدة بين الطفل والأم وتدعمهم على المستوى الصحي والنفسي، فهي تقوي المناعة وتفي من الأمراض وتمنح الطفل الشعور بالأمان كما تساعد الأم على التعافي والتحسن العاطفي ، لذلك علينا تشجيع الرضاعة الطبيعية فإنه استثمار في صحة الأجيال القادمة ونمط حياة المجتمع بأكمله.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة