تكريم الجَرحى وذوي الشهداء في معركة ردع العُدوان

|

جمعٌ غفيرٌ؛ لكن الهدوء سيد المكان إلا من صوت ينادي باسمٍ كل بضع دقائق. العيون ترقُب كل حركة، الآذان ترهف السمع لكل اسمٍ منتظرةً اسم ابنها/ أخيها/ أبيها…

ارتقى الدرجات مجاهدٌ سبقته رجله للجنّة، يتوكّأ على عكازته. آخرٌ يعصُب كريمَته بعُصابة بيضاء، وآخر  يندفع بكرسيّه المتحرك. مشت فتاةٌ صغيرةٌ على الخشبة المُنتصبة يصحبها أخويها… انطلقت دَمعة خجولة من عين الطفل مسحها حين تذكّر أن والده أوصاه أن يكون رجل المنزل في غيابه، وأن يكون صلباً جلداً شديد المراس، ولو كان غيابه للأبد.

أما الفتاة فكانت ساهمة لا عن فرح ولا عن حُزن، ربما لأنها لم تُدرك بعد معنى الفقد وعمقه، ما أثر أن ينهدّ عمود البيت! وأما الشيخ كان أنينهُ مكتوماً وهو يرثى قطعة منه، كبيت شعرٍ حزين يقطِر دمعاً بل دماً:

فيا من غاب عني وهو روحي 

وكيف أطيقُ من روحي انفكاكا!

كانت ملامح الحضور تَشي بالكثير، الدموع تندفعُ من العيونِ بلا استئذان؛ فاخضَلّت اللحى. لسانُ حالهم: (مضى عهد التجلّد، لتكُن هذي ساعة البكاء، البكاء فرحاً أو ألما أو شوقاً).

رغم كل المشاعر التي انسابت من حرارة القلوب، على المرء أن يذكُر أن هذا تكريم دنيوي، بشريّ، لا يعدل مثقال ذرة من تكريم الآخرة. هناك ينتفض القلب جزلاً؛ لأن الدنيا انتهت، المجاهدة، الألم، والفراق!

تنتصب سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم حيّة، قرأها المؤمنون في الدنيا فكانت السلوى والضماد، ثم تقف الكلمات وقد بُثت فيها الدماء، “ما إِنْ وَضَعَتِ الْمَعْرَكَةُ أَوْزَارَهَا حَتَّىٰ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ لِيُوَارِيَ تُرَابَهُمْ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: خَلُوهُمْ بِدِمَائِهِمْ وَجِرَاحِهِمْ، فَأَنَا الشَّهِيدُ عَلَيْهِمْ. ثُمَّ قَالَ: ما مِنْ مُسْلِمٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ يَسِيلُ دَماً، اللَّوْنُ كَلَوْنِ الزَّعْفَرَانِ، وَالرِّيحُ كَرِيحِ المِسْكِ”.

كأنّ الدماء تأبى إلا أن تشهد عليهم بأمر من الله، تنبعث رائحة الدم، يتوقّد لونه مُخملياً كزهرة الدّحنون. في هذا المشهد يعضّ على أصابعه كل من خاف الموت ولم يجاهد حتى نفسه.

فهنيئاً لمن باع حياته لله، هنيئاً لمن ربح بيعه! نسأل الله أن يرزقنا شهادة في سبيله.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة