بطنة تذهب الفطنة: الإسراف في رمضان

|

قرأت في موقع إخباري أن امرأة من إحدى الدول العربية اضطرت لاقتراض مبلغ مالي من البنك؛ من أجل شراء الحاجيات الكثيرة التي يتطلبها شهر رمضان من مأكل ومشرب؛ حتى لا تكون دون المستوى الذي ينبغي أن تتواجد فيه.

وتعجبت أن يصل أمر التهيؤ المادي إلى درجة الاقتراض من البنك، في الوقت الذي من المفترض أن يكون شهر رمضان أكثر الشهور تخففاً من تكاليف النفقة لو سرنا على هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسلفنا الصالح.

 ثم تذكرت حال مجتمعنا الذي لا يختلف عن ذلك الحال، فمنا من يتهيأ لرمضان مادياً قبل شهور؛ بل وتوضع ميزانية خاصة له، بينما تجهز النساء مختلف الوصفات لملء الموائد الرمضانية بما لذ وطاب.

 فقد صارت هذه عادات حاضرة بقوة في مجتمعاتنا لا يمكن الاستغناء عنها؛ بل وأصبح للناس عهد وثيق مع الطعام في شهر رمضان أكثر من غيره من الشهور، وكأني بهم نهاراً فرسان في ساحة المعركة مع عدو اسمه الجوع والعطش، فإذا غربت الشمس انقضوا عليه دفعة واحدة، وانتقموا منه شر انتقام، ولا تحدثوني بعدها عن حال النفس عند امتلاء البطن.

 وصدق من قال: (إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة، وخرصت الحكمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة).

 ومن كان هذا حاله؛ كيف يصبر على قيام الليل، والخشوع في الصلوات، وتلاوة القرآن بحضور قلب يتذوق معاني الآيات، ويتشرب فيوضها وأنوارها؟

 إن شهر رمضان منحة ربانية لعباده؛ حتى يتخففوا من أثقال الحياة التي أنهكت كواهلهم، والعودة إلى الفطرة والبساطة، والبعد عن التكلف والأعباء التي هم في غنى عنها.

تخفف من أعباء النفقة ومصاريف الطعام، تخفف المعدة من أعباء الهضم المتواصل وراحتها من ذلك بعض الوقت، تخفف المرأة من أعباء المطبخ والطبيخ والانشغال بما هو أسمى. وأعظم من ذلك كله تخفف الروح من ذنوبها وغفلاتها.

-أم جليل مهني

 ولكن الإنسان ظلوم جهول، يأبى إلا أن يعرض عن مراد الله منه، ويسعى وراء شهواته وغفلاته؛ فزادت أعباؤه بدل أن تنقص، وضاعت منه فرص الارتقاء في الدرجات والسبق بالخيرات؛ إلا من بصره الله واصطفاه لمواطن الظفر.

 قال المناوي رحمه الله: (من كثر أكله كثر شرابه، فكثر نومه، فكسل جسمه، ومحقت بركة عمره، ففتر عن عبادة ربه، فلا يُعبأ يوم القيامة به، فيصير فيه مطرودا حيرانا).

 وقال القرطبي في تفسيره: (قيل في قلة الأكل منافع كثيرة منها: أن يكون الرجل أصح جسما، وأجود حفظا، وأزكى فهما، وأقل نوما، وأخف نفسا).

 ومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم التقليل من الطعام، فقد قال عليه الصلاة والسلام: “ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن. بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه”.

 فيا عباد الله، قد هلّ عليكم موسم الخيرات، فكونوا فيه من السابقين نحو كل فضيلة ومكرمة وخير عظيم، ولا يكون ذلك إلا بالصبر على شهوات النفس ورغباتها، والفهم عن الله وإدراك مقاصده في هذا التشريع، واتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم، والسلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم رضوان الله عليهم جميعاً.

 عن عائشة رضي الله عنها قالت: (سياحة هذه الأمة الصيام)، وقال ابن القيم رحمه الله: (الصوم ناهيك به من عبادة تكف النفس عن شهواتها، وتخرجها عن شبه البهائم إلى شبه الملائكة المقربين…).

في الصوم من تمرين النفس على ترك محبوبها الذي ألفته، حبا لله وتقربا، وتعويد النفوس وتمرينها على قوة العزيمة والصبر، وفيه تقوية داعي الإخلاص وتحقيق محبته على النفس.

-السعدي رحمه الله

فلا تذهبوا بركات صومكم ببطنة أورثتكم ذهاب الفطنة، وحبستكم عن الحكمة، وأبعدتكم عن ميادين السبق والظفر.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة