ماذا يعني أن تُسقطي قول الله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ}، أو {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا}؛ كردِّ فعلٍ على كلامٍ بسيط أزعجكِ من جارتكِ أو زميلتك؟ فهذا كلام الله ربِّ العالمين، أنزله على نبيِّه الكريم صلى الله عليه وسلم ليواسي قلبه بعد أذى المشركين وسبّهم لدينه، لا ليُسقط على خلافكِ مع جارة أو زميلة! ولا ليوضع على “الستوري” لتغيظيها وتزعجيها. تأمّلي حجم الفارق بين العدواة لمقام النبوة وشكوى من كلام عابر.
وعندما يحزنك أمر دنيوي تكتبين قول الله تعالى: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا}! يا للعجب! هل أنتِ في مقام مريم العذراء عليها السلام حين وقفت وحيدة تحت ابتلاء شديد؟ أين أنتِ من مقام الصبر والرضى أمام قضاء الله وقدره؟ أنتِ الآن تتمنينَ الموت وتشتكينَ وتصرِّحين بهذا على الملأ!
ثم تأتي أخرى تكتب بجانب اسمها قول الله تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}؛ وكأنها تُعلن عن عظمتها! وربما تلمِّح بأنها نادرة زمانها! هذه الآية يا مؤمنة خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره الله فيها أن يقابل الإساءة بالإحسان والصبر والحلم، فهذا الخلق الحسن لا يحظى به ولا يتصِّف به إلا من كان ذا حظ عظيم. إنها ليست شعارًا للمديح الشخصي؛ بل تكليفٌ ثقيلٌ لا يحمله إلا من صبر واحتسب. فتأمّلي سياق الآية وعظمتها، ثم سلي نفسك كيف تُسوِّين بين شدائد الدعوة النبوية وبين خلافٍ تافهٍ في حياتكِ اليومية؟
وماذا عمن تجتزئ هذه الآية: {وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ}، وتحرّف معناها عند كتابتها لمباركة اجتماع الخطيبين أو الزوجين؟ فهنا يخبرنا ربنا سبحانه وتعالى أن من آياته الدالة على قدرته ووحدانيته خلق السماوات والأرض وما نشر فيهما من أصناف الدواب، وهو على جَمْع الخلق بعد موتهم لموقف القيامة والحساب إذا يشاء قدير، لا يتعذر عليه شيء.
أما تلك التي تنشر مقطعًا وهي “تتمشى بالحجاب” وتكتب قول الله: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ}؛ لتمدحَ نفسها بأنها صاحبة الحياء والإيمان -معَ أنَّ فعلها بالحقيقة ينافي قولها-؛ فكيفَ تنشر صاحبة الحياء نفسها على مواقع التواصل الاجتماعي تحت مرأى الرجال الغرباء؟
وأخرى تنشر ابتسامتها وتكتب قول الله: {فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا}، وصورة مع الزوج يتبعها: {الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ}…
أي خفّة عقل هذه؟ القرآن ليس أداةً لتلميع صوركِ، ولا زينةً تروِّجين بها لنفسك. إنَّ كلام الله عزَّ وجل مُنزَّل بحكمة، لا يُبتَر ولا يُحرَّف ليساق حيث تشتهي النفوس.
إنَّ كلام الله حين يُتلى؛ تخشع له القلوب، وتدمع له العيون، وتطمئن به النفوس. فعظِّمي كلام ربِّكِ، واتَّقي الله وتأدَّبي.
وحاولي أن تقرأي في أسبابِ نزولِ الآيات، وفي السيرة النبوية التي تبيِّن المواقف الشديدة التي مرَّ بها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام والتي نزلت مئات الآيات شاهدة بصدق أفعالهم وأقوالهم، ومؤيدة لمواقفهم، ومزكية لسرائرهم. كما كانت تثبيتًا لقلب النبي صلى الله عليه وسلم، تواسيه في الشدائد وتؤيده في الملمَّات، وتذكره بوعد الله الحق ونصره المبين. فكان الوحي يواكب سيرهم ويزكِّي جهادهم، ويؤصِّل مبادئهم، حتى صاروا خير أمة أخرجت للناس. حملوا مشعل الهداية، وأقاموا صرح الإسلام؛ لأنهم فهموا كلام الله وعملوا به.
وأُذكِّر أخواتي الكريمات بأننا نستنكر على من تستشهد بآيات القرآن لتغيظ أختها المسلمة أو تمدح نفسها كما أوضحنا في الأمثلة السابقة… وتبقى المسلمة على يقين بأن القرآن خطاب من الله إليها، ونور يبدد ظلمات قلبها، وطمأنينة تسري في روحها. فإذا ضاق صدرها واشتد بها القلق أخذت تتلو قول ربها سبحانه وتعالى: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ}، وإذا استوحشت من قلة السالكين في طريق الحق قرأت قول ربها سبحانه وتعالى: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۖ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ}؛ فتشعر بحلاوة اليقين، ويلامس قلبها برد الطمأنينة، وكأن الآية بُعثت خصيصًا لتواسيها، فتزداد ثقة برحمة الله وتسليمًا لأمره. فميِّزي بين الحالين يرحمكِ الله.
والآن؛ قولي أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وتدبِّري قول ربنا سبحانه وتعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥) } [سُورَةُ فُصِّلَتۡ: ٣٤-٣٥].
{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ} [سُورَةُ الشُّورَىٰ: ٢٩].
{فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [سُورَةُ القَصَصِ: ٢٥].
{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (٩٧) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (٩٨) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩)} [سُورَةُ الحِجۡرِ: ٩٧-٩٩].