الكثير من الفتيات يعشنَ دوامة التوجُس من النظرة الشرعية، ويغرقن في وهم أنّهُنَ لسنَ مُستعدات كفاية ليواجهن لحظة كهاته؛ ذريعة عدم رضاهن عن أشكالهن الخارجية! فقد حصرنَ مفهوم الجَمال على أنه تفاصيل ظاهرة في شكل الجسم، وصفاء الوجه، ونعومة الجسد، وغيره الكثير.. وتغيبن تمامًا عن معنى الأنوثة!
وهذا شيء بديهي رُبما؛ لكنه يُخلّف شعورًا سيئًا بسريرة كل أنثى، مِن عدم الثقة بالنفس إلى إهمال العناية بِها، ولا بدّ أن يُساور ذلك الخوف كل فتاة، سواء أكانت مُقبلة على خطبة أو زواج أم ليست كذلك. والتوجُس هنا قد لا يكون شعورًا طبيعيًا ولا مَحمُودًا؛ إذ ما كان سببه هوس الأُنوثة الزائدة النابعة من أعماق فتاة تُحبّ الجمال حُبًا جَمًّا، وتجعله ركيزة حياتها الأساسية ومحورها؛ لحُبّها الشديد لهُ مظهرًا أهم منه جوهرًا، مُتناسيةً أنّ لدينها عليها حق. وهذا مُخالف للفطرة السويّة؛ فالأنوثة لا تقتصرُ علىٰ الشكل؛ بل علىٰ المضمون كذلك. عادةً كل أنثى جميلة، وليستْ كل جميلة أُنثى!
ولو أنّ كل فتاة قد حصرتْ جمالها الأنثوي مظهرًا وجوهرًا علىٰ حدٍ سواء؛ لكان ذلك أقرب للفطرةِ أكثر، وطبيعي جدًا أن يؤرقها قليلًا. أقول قليلًا، فالمُبالغة الجَمة في هذا الجانب لها مفاسدها، مما يجعلها تصرف نظرها عن العناية بعقلها وروحها وقلبها وتغذيتهم. وقد يوصلها للتباهي بنفسها والمفاخرة؛ مما قد يدفعها لعرض بعض مفاتنها علىٰ العامة -والعياذ بالله-! والشيء “إن زاد عن حدّه، انقلب ضدّه”.
ولو أن كل فتاة تعي جيدًا معنى فلسفة الجمال التي حيّرت الشُّعراء والفلاسفة والأُمراء، والجميع؛ لوجدتْ أنها ببساطة قد تكون في عقل حكيم غذّته بالحكمة والمعرفة، وقلب رحيم ألانته بكثرة قراءة القرآن وتلاوته وفهمه، وروح تقيّة تزدان بتُقاها وتسمو في علياء الجمال الأنثوي بدلالها وظلاله، ونفس رحيمة حنونة وعطوفة، وصوت رخيم وهادئ.
وما أحسنه مع عفّتها وحيائها ونظافتها الشخصية! ولا ننفي بهذا عدم حثّها علىٰ اهتمامها بجمالها الخارجي شكلًا وعناية، أو غض البصر عنه؛ بل عليها ذلك، وفي حدود المعقول. ولو أنّها منحت كل ذي حقٍ حقه، بداية بجوهرها ونهاية بمظهرها؛ لرأت أن ذلك قد انعكس إيجابًا على شكلها، وأحسن من كل هذا، لو عقدتْ نيتها بذلك إرضاءً للّٰه وابتغاء وجهه تعالى، وتحقيق العبودية له في كل ذلك ﷻ.