الاحتساب عبادة الأمهات في رمضان

|

يأتي رمضان كل عام وتتجدد معه آمالنا في العتق من النيران والفوز بالغفران بإذن ربنا المنعم المنان، تشتعل الهمم وتُشمر السواعد للمسابقة؛ لحيازة أعلى درجات الجنان. ثم يدخل رمضان بالفعل وتجد الأمهات أنفسهن في ذيل السباق!

فهي تارة تنشغل بأعمال المنزل وتارة بطلبات الزوج ومسئولية الأطفال. وغالباً لا تستطيع إتمام عدد الختمات التي كانت تنوي عليها، ولا الحفاظ على كل ركعات القيام التي تمنت لو تصليها، ولعلها لم تصل لدرجة الشعور بالروحانية التي كانت تصبو إليه، بسبب كثرة المشتتات والملهيات عن العبادة؛ مما يتفتت له قلبها حزناً وألماً، ولعلها شعرت أن كونها زوجة وأم هو بمثابة عائق لها للوصول إلى الله عز وجل والفوز برضوانه تبارك وتعالى.

نسيت الأم أن بصحة وصدق نيتها واحتسابها، يتحول كل عمل تقوم به إلى عبادة تؤجر عليها…

-سنا برق

نسيت الأم أن بصحة وصدق نيتها واحتسابها، يتحول كل عمل تقوم به إلى عبادة تؤجر عليها؛ بل لعلها بلغت به أعظم ممن عكف على العبادة فقط دون أي عمل آخر. ويأتي في مثل هذا السياق حديث شريف ربما يربت على قلب كل أم وزوجة؛ بل وكل أخت وابنة، تحمل من أعباء الأعمال المنزلية ما قد يشغلها عن عبادتها التي تمنت تأديتها في شهر الغفران؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كُنَّا مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أكْثَرُنَا ظِلًّا الذي يَسْتَظِلُّ بكِسَائِهِ، وأَمَّا الَّذِينَ صَامُوا فَلَمْ يَعْمَلُوا شيئًا، وأَمَّا الَّذِينَ أفْطَرُوا فَبَعَثُوا الرِّكَابَ وامْتَهَنُوا وعَالَجُوا، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ذَهَبَ المُفْطِرُونَ اليومَ بالأجْرِ) صحيح البخاري.

أي أن المفطرين الذين كانوا في خدمة إخوانهم الصائمين، حازوا أجراً أعظم مما حازه الصائمون، لدرجة أن النبي صلى الله عليه وسلم شبههم بأنهم أخذوا الأجر دون الصائمين. فكيف بك وأنت صائمة وتقومين على خدمة الصائمين بما يعينهم على صيامهم وراحتهم والعناية بهم؟ فبنيتك يتحول يومك إلى عبادة بلا انقطاع، عبادة تؤجرين فيها على كل فرد من أفراد أسرتك بإذن الله المنان.

ليس هذا فحسب؛ بل هناك من الأعمال الجليلة العظيمة التي يمكنك الإكثار منها حال صيامك وقيامك بأعمال المنزل؛ مثلاً الذكر الذي قال عنه الله عز وجل: {ولذكر الله أكبر}، عبادة سهلة يسيرة لا تحتاج وقت خاص ولا جهذ مبذول ولا تفرغ؛ بل هي عبادة المحبين حقاً، يمكن إخفاؤها فتكون خبيئة بينك وبين الله عز وجل، جهدها قليل وأثرها بالغ عظيم. فلو خرجت من شهرك وقد اعتاد لسانك على أن يلهج بذكر الله عز وجل فقط؛ فذاك مكسب عظيم لا يضاهيه مكسب!

وهناك عبادة السماع، يمكنك ختم القرآن الكريم مرات عديدة سماعاً، أثناء عملك في المنزل وإعداد الطعام وغيرها، فتكون عبادتك باحتساب عملك وبسماعك في نفس الوقت عبادة مزدوجة.

التفكر في آلاء الله وشكره، عبادة. اتصال صغير بأقربائك؛ بنية صلة الرحم، عبادة. تعليم طفلك بعض الآيات أو معانيها أو حديث شريف أثناء عملك، عبادة. إخراج اليسير من الطعام لمن علمت احتياجه بعد إذن الزوج، عبادة. والكثير الكثير من العبادات التي تحتاج فقط قلباً حاضراً وهمة صادقة، وطلباً لله عز وجل جاداً.

الله عز وجل كريم، من تقرب إليه شبراً؛ تقرب إليه سبحانه وتعالى ذراعاً. ومن تقرب إليه ذراعاً؛ تقرب إليه ذي العزة والكبرياء باعاً. ومن أتاه يمشي؛ أتاه ملك الملوك هرولة. سبحانه وبحمده الكريم المنان.

فلا تجعلي الشيطان يقعدنك عن المتاح بالتسخط، الذي لن يبلغك ما فاتك، ويعميك عما في يديك؛ فتلك هي لعبته التي قد لا تنتهين إليها.

ثم مع كل ذلك؛ لا تدخري جهداً في القيام وقراءة القرآن يمكنك بذله في هذا الشهر الكريم، الذي يمر غالباً سريعاً كلمح البصر، فستنقضي الأيام ويمضي التعب، ويبقى الأجر بإذن الله.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة