َوجِّه فاجعات تِيهَكَ لِرُكْنِهِ

|

تَعصفُ بالمَرءِ أَكدارٌ وفاجعات؛ تَعصِرُ قَلبَهُ وَتُخِلَّ بتَوازُنِهِ، ولا يَزالُ يُقلِّبُ في رأسِهِ الآلامَ يُمنَةً ويُسرَةً؛ حتّى لا يعُد يرى إلّا الضَّباب، وبطَبيعِ الحالِ فإنَّهُ لا يَتمنَّى حينَها سِوى التَخطِّي وإِخمادُ اللَّوعاتِ. وما هذهِ إلّا حَقيقةُ الدُّنيا؛ إِذ لا تَصفُو لِأَحَد ولا تَبقَى على حالٍ، وما نَحنُ فيها إلّا عابِري سَبيلٍ.

بِالمُقابِل؛ فإنَّ في كُلِّ مِحنةً ونازِلَةٍ؛ مِنحَةً وفُرصَةً. فُرصةٌ لارتِقاءِ العَبدِ بِمقاماتِ العُبودِيَّةِ لِمَولاهُ، أو الرُّكود لِحالِهِ السَّابِقِ وَرُبَّما أَسوءَ مِن ذلِك؛ فَيَهوِي بالجَزَعِ والتَّسَخُّطِ إلى غَورِ الشَّقاءِ والخُسرانِ. وما تُغتَنَمُ الفُرصةُ إلّا بالإِقبالِ على رَبِّ العِبادِ، مُتَوَكِّلًا عَلَيهِ، مُستَسلِمًا خاضِعًا إليهِ، مُفَوِّضًا أَمركَ إلَيهِ، مُستِغيثًا بِرَحمَتِهِ التّي وَسِعَت كُلَّ شَيءٍ، مُتَضَرِّعًا بِفُؤادِكِ المُثقَلِ بينَ يَديهِ، مُلتَجِئًا بِدِفءِ رَجائِه وَالأُنس بهِ سُبحانَهُ.

أَلا فَلتَذكُر قولَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّم: “ما يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِن نَصَبٍ ولَا وصَبٍ، ولَا هَمٍّ ولَا حُزْنٍ ولَا أذًى ولَا غَمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بهَا مِن خَطَايَاهُ”. احتَسِب صَبركَ ورِضاكَ على ما لَم تُحِط بِهِ خُبرًا؛ لَعَلّهُ يكونُ المَنجَاةُ، لَعَلَّهُ يكونُ الرِّفعَة التي لن يُبَلِّغَكَهَا عَمَلُك، لَعَلّهُ يكونُ المُوجِب لِمَحبَّتِهِ وقُربِهِ سُبحانَهُ.

ثمَّ تيَقَّن أنَّ الحَكيمَ العَليمَ؛ ما مَنَعَ عنكَ شيئًا إلّا كانَ ذلكَ مِن مُقتَضَى تِلكَ الحِكمَةِ وذاكَ العِلم، فَأَحسِن الظَنَّ بِرَبِّكَ؛ قالَ تَعالى في الحديث القدسي: “أنا عِندَ ظَنِّ عَبدِي بِي”، وَأعظِم تَوَكُّلَكَ عَلَيهِ، وسَلِّمهُ كُلَّك واثِقًا آمِنًا.

وفي حالَةِ ضَعفِكَ تِلكَ، وفُتورِ قواكَ؛ تَفَقَّد قَلبَكَ وَكُن مُتَيَقِّظًا! سَيُحاوِلُ الشَّيطانُ أَن يُمَنِّيكَ، سَيَسعى لِصَدِّكَ، سَيقصِدُ يَأسَكَ، سَيَرُومُ لإِبعادِكَ. تَنَبَّه؛ ولا تَجعَل لَهُ سُلطانًا عَلَيكَ. إِيَّاكَ والدُّخولَ في إعصارِ ال “ماذا لو” فإنَّكِ إِن سَلِمتَ مِنَ الخُروجِ منهُ؛ لَن تَعدُو كونَكَ ساخِطًا مُستَنزَفًا. رَدِّدِ “الحَمدُ لله” بِلِسانِكَ حتى يَتَشرَّبها قَلبُكَ، قُل: “رَبُّ الخَيرِ لا يأتي إّلا بالخَيرِ” وَاقطَع حَبلَ أَفكارِكَ، أَقبِل على كلامِ اللهِ وَافتَح لَهُ بابَ رُوحِكَ لَيَروِي الأَشجانَ حَمدًا وَيَقينًا.

واعلم أنّ الأُمَّ ليست بِأَرحَمَ بَوَلَدِها مِنَ اللهِ تعالى بِخَلقِهِ، وَما يَعلَمُ ضيقَ صَدرِكَ ويَفهَمُ عُمقَ الأَذَى في نَفسِكَ؛ أَحَدٌ مِثلَهُ سُبحانَهُ. فَآوِ لِرُكنِهِ الشَّديدِ، وَاطمَئِن.

إِن مَسَّنا الضُرُّ أَو ضَاقَت بِنا الحِيَلُ * فَلَن يَخيبَ لَنا في رَبِّنا أَمَلُ اللهُ في كُلِّ خَطبٍ حَسبُنا وَكَفَى* إِليهِ نَرفَعُ شَكوَانا وَنَبتَهِلُ
مَن ذا نَلُوذُ بِهِ في كَشفِ كُربَتِنَا *** وَمَن عَلَيهِ سِوَى الرَّحمـٰنِ نَتَّكِلُ
فَافزَعْ إلى اللهِ وَاقرَعْ بابَ رَحمَتِهِ *** فَهُوَ الرَّجَاءُ لِمَن أَعيَت بِهِ السُّبُلُ

ب

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة