أشتكي جفاف الروح، وغلظة حوافِ قلبي لا أعرف مأتاها، وجفوة في حروفي لا أدري أين منتهاها. قال الشيخ بصوته الهادئ المُعتاد: يا بُني، اقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، لا تمرر السطور أمام عينيك ولما تمررها بقلبك!
إن حياته صلوات ربي عليه، درس في كل جوانبها. لا تكتفِ بحفظ التاريخ وحسب؛ إن تاريخه يا بني شيء عظيم ولا بدّ؛ لكن تَتبع السطور ونقِّب عن (استعبر النبي صلى الله عليه وسلم، ضحك صلى الله عليه وسلم النبي، ابتسم النبي صلى الله عليه وسلم،…).
دَع قلبك يُحسّ ببحّة صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: “لكن حمزة لا بواكي له”.
أي عطفّ؛ بل أي وفاء يدعُ الواحد منّا في زحام الحُزن ورَهق الحروب، يذكر حبيباً له انتقل لرحمة ربه ولا عين تنزف دمعاتها حزناً لفقده!
تعلم منه كيف تبصر الدمعة المختبئة والحُزن المهترئ في قلب من تحب، ولربما تعاميت عنها أو لا يشغلك أمرُها أو لم تُحس بوهجها!
سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم لا يغيب عنه حال أصحابه، فهذا جابر المكلوم بفقد والده يعصِب قلبه بعُصابة رقيقة من الحزن طافت على وجهه بغلالة أسىً، يبادره رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا جابر مالي أراك منكسراً”.
يُشرق بشمس كلماته وأُنسِه على غمام حزنهم؛ فيتبدد ويتوارى. كيف يقرأ المرء هذا الكلمات، ثم لا يعود قلبه مرهفاً يبصِر العتاب الرقيق المتواري خلفها؟
“قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها-الصديقة بنت الصديق المبرأة من تحت سبع سماوات- : «إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت على غضبي، فقالت: ومن أين تعرف ذلك ؟ قال: «أما إذا كنت عني راضية؛ فإنك تقولين: لا، ورب محمد، وإذا كنت غضبي؛ قلت: لا، ورب إبراهيم»، قالت: أجل والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك.
فلم يكن من الرجال الذين لا يبالون بزوجاتهم، رضين أم سخطن. فهذا النبي العظيم الذي لم تشغله هموم الدولة، والغزو، والجهاد، وتجهيز الجيوش ونشر الدعوة في العالم، وإرسال الرسائل إلى كسرى وقيصر، ومتابعة الأمور العظيمة، لم يشغله ذلك عن مراعاة مشاعر زوجته” [١].
يمّم قلبك تجاه حروفه التي تُنحَت لوحة نعلقها على جدار حياتنا، نبصرها صباحنا ومساءنا؛ لنكون على عهده، على طريقه ما دام فينا قلب ينبض: “وددت لو أننا رأينا إخواننا”! هل تُدرك شوق رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا؟
ودّ الرسول لو يراك أنت أنت! فهلا كُنت أهلاً لهذا اللقاء؟ بقلبك الزكيّ وروحك النقيّة وصفاء كلماتك، والبهجة التي تسبقُ نظراتك أينما اتّجهت وحيثما حللت. بلل قلبك بندى كلماته، يعود غضّا طرياً يألَف ويؤلَف، يرحَم ويُرحَم. هلّا كنت شمساً تتفتح بأشعتها زهور قلب من حولك، بدلاً من انكماشها حين رؤيتك كما الزمهرير.
١- محمد صالح المنجد، كيف عاملهم النبي صلى الله عليه وسلم.