“والله هذه الدنيا برمّتها لا تزن جناح بعوضة”، سمعتها في درس علم وكأني أول مرة أدركها. في خضم الابتلاءات والمحن، أشدّ ما يحتاجه المسلم هو التذكير بمعاني الإيمان العميقة، كل شي بقضاء وقدر، وقدر الله خير والشر ليس إليه.
قد يقع شرّ في المقدور لا في القدر، نسبي لا مطلق، عاقبته خير فلا تقنط، وسببه أنت فلا تجزع.
قال ربي جل جلاله: ﴿وما أصابتكم من مصيبة فبما كسبت أنفسكم ويعفو عن كثير﴾،
و”ما” من صيغ العموم؛ أي أن كل المصائب والأحزان بلا استثناء هي لذنب كسبه الإنسان.
﴿لقد خلقنا الإنسان في كبد﴾، وباللغة تأتي “في” تحمل معنى الظرفية؛ فالإنسان محاط بالكبد من كل النواحي و المراحل.
فيا ماء العين، يا من نسيت، نحن في الدنيا الدنية، دار العمل والاختبار والكسب، لست في دار تُعطى فيه كل ما ترغب وكل ما تتمنى، لا بد من المنع ولا بد من الحزن، لا بد من المجاهدة، تجاهد فيها الثبات أو الإخلاص أو العفة أو المرض الروحي أو الجسدي أو الفقر أو الفقد. لا بد أن تمتحن ليلعم الله استحقاقك النعيم ﴿أم حسبتم أن تدخلوا الجنة و لما يعلم الله الذين جاهدوا منكم و يعلم الصابرين﴾، والاستفهام المقدر بعد أم مستعمل في التغليط والنهي؛ أليس الله يعلم؟ بلى وربي ﴿إن ربي بكل شيء عليم﴾، وشيء نكرة فتعمّ؛ ولكنه لكمال رحمته وعدله لا يحاسبك على علمه حتى يقع منك كسباً في الحياة، يعلم ولم يظلم؛ فقد هداك النجدين، وبعث لك النبي المصطفى، وأنزل لك القرآن شفاء، ولم يجعل بينك وبينه حجاباً في الدعاء والصلاة؛ فلا تظلم نفسك.
“فلم ألف حجابا و لم ألق منعة و إن كان سؤلي فوق هام الكواكب”.
فيك فاقة لا تسد إلا بالانطراح بين يدي الله والافتقار إليه، قم ونادِ في الأسحار والناس نيام نداء الأعرابي في سالف الأزمان: اللهم وسري لك مكشوف وأنا إليك ملهوف، فإن أوحشتني الذنوب آنسني ذكرك.
يا عبد الله ويا أمة الله، أنتم في الدنيا دار النقص ودار العمل؛ فاحرثوا واعملوا خيراً، فإن وراءكم الموت ونزعاته، والقبر وضمته، ومنكر ونكير، فنعيم أو عذاب، فبعث ونشور، وحوض للنبي المصطفى يرتوي منه كل سنيّ صبر وثبت فلم يبدل ولم يحرّف أو ينحرف، لم يتنازل ولم يعطّل، وصراط وميزان وصيحات يا ليتني، عدد من أشرك وانحرف، ومال وألحد، وصوت ندي لك الحمد ربي أن ثبتني لك الحمد قد وجدنا ما وعدتنا حقاً.
فبأي الفريقين تريد؟ وبأيّهما ترضى؟ ومثلك لا يرضى إلا بالفردوس. أصعب؟ ولكنه يطلب من رب الفردوس الله الغني.