من جوانب ضعف المرأة عجزها عن الكسب وليس المقصود أنها لا تستطيع أن تعمل وتتكسب وإنما المقصود أنها تضعف عن ذلك لكثرة الأعباء الملقاة على عاتقها من حمل وولادة ورضاع وتربية، وما يعتريها من حيض ونفاس، وكل هذه الأمور تأخذ من صحتها وقوتها فيصعب عليها العمل والحالة هذه.
ولذلك تعيش المرأة العاملة في ضغوطات نفسية كبيرة تؤثر على صحتها، والتي منها تضارب الأدوار بين البيت والعمل.فتواجه المرأة العاملة في مواقف الحياة المختلفة الكثير من الحوادث الحياتية المهمة والملحة والمتتابعة التي قد تسبب حالة من الإجهاد التراكمي الذي يجعلها أكثر عرضة للضغوط.
وإذا ما استمرت هذه الحالة أحدثت تدهوراً بالناحية الصحية، حيث يفشل الجهاز المناعي للجسم في مقاومة الأمراض، ونتيجة لذلك تبدأ مظاهر الضغوط في الظهور كالصداع وآلام المعدة والظهر، وعدم القدرة على التركيز، وتقل المشاركة في الحياة الاجتماعية وغيرها.
فالمرأة العاملة عند مواجهتها لضغوط شديدة وملحة ومتكررة تتأثر فسيولوجياً ونفسياً وسلوكياً، لأن استمرارية الضغوط تفوق قدرة المرأة وإمكاناتها وتحدث تغييرات وتحولات كيميائية غير طبيعية داخل الجسم، لأن هذه المواجهة تتطلب تهيؤاً واستعداداً من الجسم.
ولذلك حفظ الإسلام المرأة بأن جعل لها من يكفلها ويقوم على شؤونها والنفقة عليها، وليس هذا من باب الإحسان إليها، بل من باب النفقة الواجبة لها، تكريما لها ورفعاً لقدرها، وإعانة لها على أداء وظيفتها التي خلقها الله من أجلها.
قال تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةً وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وكسوتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلِّفُ نَفْسُ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَ وَلِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ﴾ (البقرة: ٢٣٣).
قال ابن كثير -رحمه الله-: “أي: وعلى والد الطفل نفقة الوالدات وكسوتهن بالمعروف، أي بما جرت به عادة أمثالهن في بلدهن من غير إسراف ولا إقتار، بحسب قدرته في يساره وتوسطه وإقتاره”. (١)
وقال تعالى عن مريم بنت عمران:
﴿فَتقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَلَهَا زَكَرِيَّا﴾.
فجعل زكريا- عليه السلام- كافلا لها، يقوم على رعايتها وحمايتها، ويغنيها عن سؤال غيره فيما تحتاجه من ضروريات المعيشة فلم تترك في معترك الحياة بمفردها اعتمادا على عفتها واستقامتها، وقد اصطفاها الله على نساء العالمين، فما بالك بمن دونها من النساء؟ فهن في حاجة حقيقية لكفالة ورعاية وحماية الرجل.
وقد بين النبي ﷺ أن إطعام المرأة وكسوتها من حقها على الرجل، وما ذاك إلا لضعفها عن الكسب، فعن سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ شَهِدَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَرَ وَوَعَظَ، فَذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ قِصَّةً،
فَقَالَ: (أَلا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ، إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً، أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلنسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا؛ فَأَمَّا حَقُكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ: فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ. أَلَا وَحَقَّهُنَّ عَلَيْكُمْ: أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهنَّ). (٢)
(١) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم.
(۲) رواه الترمذي والنسائي في الكبرى وابن ماجة.