قال تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾.
وقال تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ﴾.

هذا الكلام القبيح المشتمل على سوء الأدب في الخطاب عن الرب تعالى وتقدس، والإستهزاء به، والشك في عدله، والاعتراض على قدره: مناف للتوحيد ويدخل صاحبه في دائرة الكفر.فإن الكفر أنواع، فمنه ما يكون بالأقوال ومنه ما يكون بالأفعال، ومنه باعتبار آخر ما يكون كفرا أكبر مخرجا من الملة، ومنه ما هو دون ذلك، ويعتبر كفرا أصغر غير مخرج من الملة.
وقد بين أهل العلم هذه الأنواع في كتبهم وفصلوها، وذكر ابن القيم في كتابه مدارج السالكين من أن الكفر المخرج من الملة خمسة أقسام:
- الأول: كفر التكذيب.
- والثاني: كفر الاستكبار والإباء مع التصديق.
- والثالث: كفر الإعراض.
- والرابع: كفر الشك.
- والخامس: كفر النفاق.
والكفر معناه: عدم الإيمان بالله ورسله، سواءً كان معه تكذيب أو لم يكن معه تكذيب، بل شك وريب، أو إعراض عن الإيمان حسدا أو كبراً أو اتباعا لبعض الأهواء الصارفة عن اتباع الرسالة،
فالكفر صفةٌ لكل من جحد شيئاٌ مما افترض الله تعالى الإيمان به، بعد أن بلغه ذلك سواء جحد بقلبه دون لسانه، أو بلسانه دون قلبه، أو بهما معاٌ، أو عمل عملاٌ جاء النص بأنه مخرج له بذلك عن اسم الإيمان. (١)
وقال ابن حزم رحمه الله في كتابه -الفصل-: “بل الجحد لشيء مما صح البرهان أنه لا إيمان إلا بتصديقه كفرٌ، والنطق بشيء من كل ما قام البرهان أن النطق به كفرٌ كفر، والعمل بشيء مما قام البرهان بأنه كفرٌ كفر”.
فمن شك في أصل من أصول الإيمان، ومات شاكا: فهو كافر مخلد في النار ، لا يقبل الله من عبده إلا اليقين.
وقال ابن حزم في مراتب الإجماع: ”اتفقوا … أو شك في التوحيد، أو في النبوة، أو في محمد صلى الله عليه وسلم، أو في حرف مما أتى به عليه السلام، أو في شريعة أتى بها عليه السلام مما نقل عنه نقل كافة، فإن من جحد شيئا مما ذكرنا، أو شك في شيء منه، ومات على ذلك، فإنه كافر، مشرك، مخلد في النار أبدا”.
أما من باب الاستهزاء، فمن نواقض الإسلام: من استهزأ بشيء من دين الرسول ﷺ، أو ثواب الله، أو عقابه، كفر، والدليل قوله تعالى: ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾. (٢)
كذلك من سوء الأدب مع الله -عز وجل-: الاعتراض على قدره بأي مرتبه من مراتبه، واستعظام شيء عليه في خلقه، وعدم الاستسلام لحكمه أو لأي شيء من فعله، قال تعالى: ﴿لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء:٢٣].
فمن لم يحقق عبودية الرحمن وطاعته، فإنَّه يعبد الشيطان بطاعته له، ولم يخلص من عبادة الشيطان إلا من أخلص عبودية الرحمن، وهم الذين قال فيهم: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ [الحجر: ٤٢].
فهم الذين حققوا قول: «لا إله إلا الله» وأخلصوا في قولها، وصدقوا قولهم بفعلهم، فلم يلتفتوا إِلَى غير الله، محبةً ورجاءً وخشية وطاعة وتوكلا، وهم الذين صدقوا في قولها.
فأما من قال: «لا إله إلا الله» بلسانه ثم أطاع الشيطان، وهواه في معصية الله ومخالفته فقد كذب فعلُهُ قولَهُ، ونقص من كمال توحيده بقدر معصية الله في طاعة الشيطان والهوى ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ﴾ [القصص: ٥٠] ﴿وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [ص: ٢٦]. (٣)
وإن العبد قد يتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يظن أنها تبلغ ما بلغت يهوي بها في النار عياذا بالله، كما جاء في الحديث الصحيح.
فالواجب على جميع المكلفين هو التأدب مع اللهوأعظم الأدب توحيد الله، والإخلاص له.
ولِمَ العجب من شخص يضع صورة شخصية كرتونية شاذة مثلية الجنس!، فهذا قد تشبع بهذه البرامج الشركية وما تبثه من سموم، فأصبح قلبه خَرِب، وما هي إلا شبهات يلقيها الشيطان في قلوب اهل الأهواء.
(١) “مجموع الفتاوى” لشيخ الإسلام ابن تيمية (12/335)، و”الإحكام في أصول الأحكام” لابن حزم (1/45).
(٢) مجموعة رسائل في التوحيد والإيمان.
(٣) التوحيد أو تحقيق كلمة الإخلاص