ملك الله وتكبر الآدمي

|

صادَفني خبرٌ أن فُلاناً اشترى نجمة من السماء وسمّاها باسم زوجته، والنّاس ما بين مؤيد ومعارِض. رغم أنه من البديهي معرفة أنه لو استثمرَ هذي الأموال في عمل صالح، لإطعام جائع أو إنقاذ عائلة من التشرد والأمطار؛ لكانَ أفضل عند الله، وحتى أحسَن في حسابه الدنيوي؛ فأي لذة تعدل لذة الإنفاق ورؤية ابتسامات تورق وخدود تُزهر من سحائب عطائك!

لكنّ سآخذ منحى آخر: نظرتُ لابن آدم كيف يتصرف كالطفل لا في براءته؛ بل في جهله، غير أن جهل الطفل حلوٌ لذيذ، وجهل ابن آدم مُر؛ لأنه مغلف بطبقة رقيقة أسماها العِلم، أحاطها بسياج من الكبر.

كقول الطفل الصغير هذا بيتي وهذه سيارتي، وكُل من حوله يعلَم أنه لم يضع ربع دِرهم فيهما. والأب بحكمته ووقاره يسمو، مع علمه أن تلك سيارته لا ينازعه في ملكها أحد.

لكن الأمر أعظم وحاشا لله، إنما ذكرته توضيحاً واستدلالاً بالأمر الحقير إلى الأمر العظيم الجليل.

صوّر السماء سبحانه في أبهى ما يكون، وكان يكفي البشر قمرٌ يضيء ليلهم وهو سبحانه بكرمه متفضل عليهم؛ لكنّه ربّ جميل، زيّن السموات بنجوم
متلألئة، هدىً للسُرى، رجوماً للشيطان، جمالاً للمتأملين والمتفكرين. لا تنالها الأيدي، مستعلية في السماء. نرى قبساً من شعاعها ولا ندركها.

غيرَ أن كائناً صغيراً، لا يبلغ معشار حجمها؛ قرر أنه اشتراها، ولا أدري من أشد غباءاً: البائع أم المُباع له! وكأنّ البائع صدّق حقاً أنه مالكٌ لنجمة أو ما سواها، ثم إن قدّر الله لَهُ أن تُبتَر ساقُه وحيل بينَه وبينها؛ هل يتحقّق له أنه لا يملك حتّى جسده ليملك ماعداها!

ثم بعد مدة علمتُ أن شركةً ما اشترت لوناً ومنعت أن يستعمله سواها -لغرضه التجاريّ-؛ إلا إن سمحت له.

ويحهم! لو لم يخلق الله الألوان بتدرجاتها وتباينها؛ من أين لنا معرفتها؟ يالِضآلتنا، وتعالمُنا، وتكبرنا!

لا يكفّ هذا الترابيّ عن التصرّف كما يتصرف الوِلدان، حين وجدوا مصنع فيه آلات جديدة متنوعة؛ فهرول كل طفل ليقول هذه أنا اكتشفتها سأسميها باسمي، فيمتلأ الجو بنداء أنا أنا، والعالِم يرقبهم من غرفته،؟يضحك من جهلهم.

فالله عز وجلّ ليس كمثله شيء، في عليائه، عليمٌ بتكبُّر ابن آدم، من وراءهم مُحيط. أودع في داخلنا قدرة على الإبداع وألهمنا الإفادة من الطبيعة، في سبيل إعمار الأرض بما يصبّ في عبوديتنا. ولولا أن أودع فينا الإلهام؛ لكنا ندور حول الشجرة ولا نعلم كي نقطف منها ولو لوينا ذراعنا وإن سقطت الثمرة أمامنا.

لكنّ الإنسان يطغى، وينسى من ألهمه، وتتلاشى مركزية الآخرة من قلبه؛ فيغدو مبتدؤه من نفسه ومنتهاه إليها، ثم ينادي أنا ربكم الأعلى تارة بسلوكه وتارة بلسان الحال، ثم يقولها بلسانه حقيقة بلا مواربة.

إن المؤمن الحق رضا الله قبلة قلبه، قد خالط الإيمان بشاشة قلبه، فيدلّه ضآلة حجمه ورحابة هذا الكون على الله؛ أما الجاحد يدلّه على نفسه، فيسفُل ويظن أنّه يعلو، ويتضخم أمام نفسه وهو عند الله حقير، أما قبلته فهي ذاته.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة