“أنت من أمة رسالية، من فجر العبادة إلى الفتوحات الإسلامية”

|

العبودية ليست انعزالًا في صومعة، وليست تقوقعًا بعيدًا عن الحياة؛ بل هي عزلٌ عن الباطل، عن سفاسف الأمور، عن الجدل العقيم والماجريات الفضولية، وعن المناظرات التي لا غاية لها إلا التفاخر.

ولكنها في أسمى صورها تجلٍّ للجهاد في سبيل الله، والجهاد مشتق من الجهد، أي المشقة والمكابدة للوصول. ولكن؛ إلى ماذا؟ إلى قلب تقي نقي؟ نعم؛ ولكن الإشكال يكمن في فهم هذه العبارة.

القلب التقي النقي هو قلب متعلّق بالله ورسوله، يحمل همّ أمته، فهو إما متعلم أو معلّم، أو منفق في سبيل الله، وإن لم يقدر، فدعاؤه جهاد، وما أقواه من جهاد!

فالعبادة سيرٌ إلى الله ببصيرة، وأرقى صورها عبادة الأنبياء، وهذا خاتم النبيين، المصطفى صلى الله عليه وسلم، لم يُعرف عنه قعودٌ قط، فجاهد بالحجة والبيان في المرحلة المكية، وفي موسم الحج والتجارة وغيرها من المحافل، ثم في المرحلة المدنية كان جهاد السيف والسنان، فإما غازٍ أو مرسلٌ للسرايا، وعلى هذا سار الجيل الأول، خير قرون الأمة.

فنحن أمة رسالية، نحمل دين الله أمانةً في أعناقنا، لتبليغه إلى أرجاء المعمورة، ولا بد أن يقوم في الأمة من يحمل هذا الفرض، وإلا أثِم الجميع، حقيقة لا جدال فيها ولا غبش.

قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}. فنحن أمة عبادة وقنوت وقيام، وأمة جهاد وفتوحات؛ أما حالنا اليوم فانظر حيث شئت، لن تر إلا أندلس معممة.

أنّي اتجهتَ إلى الإسلام في صَوْبٍ
تراه كَالطَّير محفوفًا جناحاه

وأسرى المسلمين، من أعظم واجبات الأمة تحريرهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فُكُّوا العَانِيَ”، وعن عمر رضي الله عنه قال: (لئن استنقذ رجلا واحدا من المسلمين أحب إلي من جزيرة العرب).

وفي زمن تُسْلَخ فيه الأمة عن دينها، وتُبدَّل هويتها، يا ابن الإسلام، ألم يحييك ما يجري؟ ألم تبك من القهر؟

عبوديتك تتجلى في أسمى مظاهرها، قيامٌ بالليل، وجهادٌ بالنهار، والدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه، وما نحن إلا جنائز مؤجّلة!

“العبادة زادُ السائرين لا محطة العابرين”

العبادة ليست مجرّد محطة نقف عندها لنتزوّد ثم نمضي دون أن نلتفت؛ بل هي الزاد الذي لا ينقطع، والرفيق الذي لا يُستغنى عنه في دروب الحياة الطويلة. هي النور الذي يهدي، واليقين الذي يثبت، والبوصلة التي لا تضلّ.

نعم، لا بدّ من التزوّد قبل المسير، ومن التأهّل قبل التصدر؛ لكن حذارِ أن يشغلك فرضٌ عن فرض، أو ينسيك واجبٌ عن واجب. فإن للعبادة وجودًا يتجلّى في كل ميادين الحياة؛ في الصبر على فهم مسألة فقهية، وفي التمهّل أمام كتاب تستنطق أسراره، في ورد قرآني تعاهده بثبات، في دعوة لا تخبو شعلتها، وفي ميادين النزال حيث تختلط الأصوات بين الذكر والتكبير وأزيز الرصاص.

إنها العبودية التي تسمو في أوج الابتلاء، وتشرق في ظلمات المحن، حتى يجد السائر إلى الله في جهادها لذةً وسرورًا، وحتى تصير أنفاسه كلها تسبيحًا، وخطواته كلها سجودًا.

وهاكم نفحة من شعر مجاهدٍ حمل همّ أمته على كتفيه:

شقراءُ نادتْ: ويكَ صخرُ دلّني
وصل العِدا بالنارِ واملأْ مخزني

فأجبتُها: مهلاً فإنّي قادمٌ
وعزيمتي معقودةٌ لن تنثني

يا صخرُ لا ترضَ الحياةَ بغيرِنا
فالعزّ كل العزّ يوم حملتني

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة