البعض يرى أن ذكر بعض المواقف من سير الصحابيات رضي الله عنهن من الأمور التي يجب التوقف عنها، خاصة بعض المواقف القليلة الثابتة في مشاركة بعضهن في القتال لظروف واعتبارات مقبولة، ممن هو أشد مروءة وغيرة وحماية وفقهاً وعلماً وتديناً في سياقها. والعلة في تلك الرؤية أن مثل تلك الآثار والأخبار إنما قد تُتخذ لشرعنة الاختلاط.
ولم يتوقف الأمر هنا وحسب؛ بل لعل البعض رد من تلك الأخبار ما هو ثابت صحيح بسنده لذات العلة! إذن فكيف بآيات القرآن الكريم؛ هل يعقل مثلاً أن نتوقف عن سرد الآيات التي تتحدث عن قصة ابنتي الرجل الصالح بدعوى أنها قد تكون ذريعة لشرعنة الاختلاط؟
وما القول في أقوال الفقهاء أن الجهاد واجب على المرأة المستطيعة وتخرج له حتى دون إذن زوجها في حالة دفع الصائل؟ هل نمحها من كتب الفقه؟
قال الكاساني الحنفي رحمه الله: (فأما إذا عم النفير بأن هجم العدو على بلد، فهو فرض عين يفترض على كل واحد من آحاد المسلمين ممن هو قادر عليه؛ لقوله سبحانه وتعالى (انفروا خفافا وثقالا) قيل: نزلت في النفير. وقوله سبحانه وتعالى (ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه) ….) انتهى من بدائع الصنائع 7/98.
وجاء نحو هذا في الشرح الصغير من كتب المالكية (2/274): أن الجهاد إذا تعيّن بأن هجم العدو على بلاد المسلمين فإنه يجب على كلّ قادر عليه من الرجال والنساء.
الاستغراق في فروع من الدين دون غيرها والتمحور حولها وجعل كل تنظيراتنا إنما لمراعاتها فقط؛ باب إفساد عظيم! وليس في ديننا عورات ولا ثغرات نسعى لمواراتها ومداراتها. وإنما نسدد ونقارب، فنذكر الصحيح ونستفيد من مواعظه وفوائده، ونحذر من مفهوم خاطئ قد يُفهم منه، ونبطل الباطل بالحق، ونضع كل أمر في نصابه وسياقه الصحيح. ثم نتذكر أن ليس علينا هداهم، من ابتغى الفتنة فسيقلب لنا الأمور حتى إن لم تكن تحتمل تنظيراته، ومن ابتغى الحق فسيبحث عنه ويلتقطه من بين ركام الباطل؛ إذ ليس لنا سلطان على القلوب والعقول والأفهام بل والأهواء.
يجب ألا ننخدع للمفتونين المفسدين، وألا نكون مجرد أبواق لأصداء دعواتهم، وألا نقع في فِخاخهم بكامل إرادتنا. وإنما نستعلي بالحق وننفض عنه كل غبار للباطل؛ ليبقى واضحاً قوياً جلياً.