قد حبا الله المرأة قدرة عجيبة على الاحتيال لما تريد وهو ما يُعرف بـ “كيد النساء”.
والكيد كما قال عنه الراغب الأصفهاني -رحمه الله-: “هو ضرب من الاحتيال، وقد يكون مذموماً ومحموداً، وإن كان يستعمل في المذموم أكثر”. (١)
وقال عنه الطاهر ابن عاشور -رحمه الله-: “هو فعل شيء يقصد به المقصود للتوصل إلى مقصود”. (٢)
وقد يُراد بالكيد الخيانة، وقد يراد به غير ذلك، كما قال تعالى: {وَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} [يوسف:52].
قال الراغب الأصفهاني -رحمه الله-: “فخص الخائنين تنبيهاً أنه قد يهدي كيد من لم يقصد بكيده خيانة”. (٣)
فهذه الصفة تدل على قدرة المرأة على الاحتيال في الأمر الذي تريد فإن كانت تريد خيراً واحتالت عليه بما لا يعد تجاوزاً لحدود الله، فهذا من الكيد الممدوح وإن كانت تريد شراً أو احتالت بما يعد تجاوزاً لحدود الله فهذا من الكيد المذموم.
وقد قال النبي ﷺ: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن).(٤)
قال ابن حجر -رحمه الله-: “قوله: (أذهب) أي أشد إذهاباً، واللب: أخص من العقل وهو الخالص منه، (الْحَازِمِ) الضَّابط لأَمْرِهِ، وَهَذِهِ مُبَالَغَة فِي وَصْفِهِنَّ بِذَلِكَ؛ لأَنَّ الضَّابِط لأَمْرِهِ إِذَا كَانَ يَنْقَاد لَهُنَّ فَغَيْرِ الضَّابط أَوْلَى”. (٥)
وقد وصف الله -عز وجل- كيد المرأة بأنه عظيم، فقال: ﴿فَلَمَّا رءًا قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ (يوسف: ۲۸).
قال سيد قطب -رحمه الله-: “إنه لا يسوء المرأة أن يقال لها: إن كيدكن عظيم، فهو دلالة في حسها على أنها أنثى كاملة مستوفية لمقدرة الأنثى على الكيد العظيم”. (٦)
فإذا كانت هذه قدرة المرأة في الاحتيال على أصحاب العقول الراجحة من الرجال حتى تحقق ما تريد فإنه يلزمها أن تحذر من استخدامها فيما يغضب الرب -عز وجل-، ويكون سببا لدخولها النار.
قال ابن حجر -رحمه الله-: “وَيَظْهَر لِي أَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةٍ أَسْبَابٍ كَوْنهنَّ أَكْثَر أَهْلِ النَّارِ؛ لأَنَّهُنَّ إِذَا كُنَّ سَبَبًا لِإِذْهَابِ عَقْلُ الرَّجُل الْحَازِمِ حَتَّى يَفْعَل أَوْ يَقُول مَا لا يَنْبَغِي فَقَدْ شَارَكْنَهُ فِي الْإِثْمِ وَزِدْنَ عليه”. (٧)
- (١) مفردات ألفاظ القرآن
- (٢) ابن عاشور: التحرير والتنوير
- (٣) مفردات ألفاظ القرآن
- (٤) رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة
- (٥) مفردات ألفاظ القرآن
- (٦) التحرير والتنوير
- (٧) فتح الباري