أوابين منيبين

|

يأتي هذا الشهر الفضيل ليطهرنا من ذنب وذلة وأعباء سنة كاملة، ومن منا لا يخطئ، ومن منا غير مقصر في طاعة الله، سبحانه كلنا فقراء إليه نرجو مغفرته ونخاف عذابه، نمحو السيئة بالتوبة ثم نعود، نُعَوّد أنفسنا على طاعة ثم تفتر الهمم، كل هذا يدعو العباد لأن يكونوا أوابين منيبين.

وما أجمل العبد حين يعاهد الله في هذا الشهر على الرجوع عن معصيته، والإقبال على طاعته، في شهر لله فيه عتقاء من النيران، وصفدت فيه الشياطين ليعان على الطاعة!

إنَّ من صفات أهل الجنة أنهم أوابين منيبين، فقد قال تعالى: ﴿وَأُزلِفَتِ الجَنَّةُ لِلمُتَّقينَ غَيرَ بَعيدٍ﴾، وقال سبحانه: ﴿هذا ما توعَدونَ لِكُلِّ أَوّابٍ حَفيظٍ﴾، وقال عز شأنه: ﴿مَن خَشِيَ الرَّحمنَ بِالغَيبِ وَجاءَ بِقَلبٍ مُنيبٍ﴾. قال عبيد بن عمير: (الأواب الذي يذكر ذنوبه، ثم يستغفر منها). وقال سعيد بن المسيب: (هو الذي يذنب ثم يتوب، ثم يذنب، ثم يتوب).

وقد أثنى الله على سليمان عليه السلام بأنه أواب، فقال تعالى: ﴿نِعمَ العَبدُ إِنَّهُ أَوّابٌ﴾. وجاء في تفسيرها: (أنه رجاعٌ إلى الله في جميع أحواله بالتألُّه والإنابة والمحبة والذكر والدعاء والتضرع والاجتهاد في مرضاة الله وتقديمها على كل شيء).

حين أثنى الله على سليمان؛ قال: ﴿نِعمَ العَبدُ﴾، وحين يذكر الله رسُوله في القرآن تُسبق بعبدنا، وهذا من أجمل الأوصاف وهو واللهِ رفعة وإشراف. قد وصف سبحانه بها أشرف الخلق؛ فما بال بعض الناس يتكبر عنها! وإنه والله لجهل كبير بالعبودية.

ما أجمل أن تستشعرها في هذا الشهر، أن تعلم أن في الذل والسجود رفعة، وفي الافتقار واللجوء إليه غنى، وفي مناجاته لذة لا يعلمها إلا العارفين، أن تعلم أنك عبد لله، وللملك أن يتصرف في عبده كيف يشاء، فإذا أصابته ضراء صبر، وإذا أصابته سراء شكر. وإنَّ من فقه معنى العبودية وعاشها بجوارحه؛ يدرك أنها جنة الدنيا ونعيمها، حينها لن يبالي بالدنيا وأكدارها، ويفهم قول ابن تيمية رحمه الله رحمة واسعة: (إن في الدنيا لجنّة، من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة).

والإنابة هي عكوف القلب على الطاعة والإقبال عليها، أن تعرج بقلبك وبعبادتك اليسيرة إلى الله لا تمل، فإنَّ الله لا يمل حتى تملوا. يقول ابن عباس: (قوله تعالى: ﴿وَجاءَ بِقَلبٍ مُنيبٍ﴾؛ أي: راجع عن معاصي الله مقبل على طاعة الله). وقال تعالى: ﴿إنّ إبراهيم لحليمٌ أوّاه منيب﴾. قيل: كان إذا ذكر ذنوبه تأوّه.

ومن ذاق لذة العبودية؛ فسيجد وحشة بالبعد عن الإنابة، فالإنابة لب العبودية، فهي الرجوع لله بمعرفته ومحبته والتذلل بين يديه والإقبال عليه والإعراض عمن سواه. والعبودية تكمن في أن تُفتح لك كل الأبواب؛ فلا تقصد إلا بابه، أن تعمل عملاً؛ فلا ترجو إلا ثوابه، قائماً بالليل مستغفراً بالأسحار، ترجو رحمته وتخشى عقابه. منيباً إليه إنابة العبد الذليل متضرع إليه تضرع العبد المستجير، سائلاً إياه سؤال العبد الفقير، متيقن بقربه حق اليقين تخشاه وتبكي من يومٍ عسير.

النشرة البريدية الأسبوعية (قريبا)

ستتصمن نشرتنا نصائح طبية وجمالية وتربوية وبعض الوصفات للمطبخ

نشرة البريد

مقالات مشابهة